أذربيجان…الصديق السري لإسرائيل

بقلم كريستوفر فيليبس

ترجمة وتحرير مريم الحمد

في الوقت الذي أدانت فيه غالبية الدول ذات الأغلبية المسلمة الحرب الإسرائيلية على غزة، جلست أذربيجان هادئة دون تعليق، حيث تتمتع باكو، التي ستصبح محط اهتمام عالمي قريباً مع استضافتها المرتقبة لمؤتمر التغير المناخي “كوب 29” في نوفمبر، بعلاقات مع إسرائيل أوثق من جيرانها، حتى أن الصداقة ازدهرت أكثر في السنوات الأخيرة.

تعد إسرائيل الآن الوجهة الأولى للنفط الخام الأذربيجاني، وفي المقابل قدمت إسرائيل الأسلحة الرئيسية لانتصار باكو في حرب ناغورنو كاراباخ عام 2020.

ومع ذلك، فالعلاقات بين الجانبين تتعدى كونها مدفوعة بمجرد فوائد مادية، فهناك مخاوف جيوسياسية مشتركة خاصة فيما يتعلق بإيران، ولهذا تصف إسرائيل أذربيجان بأنها “شريك استراتيجي” تربطه بها علاقات تاريخية وثيقة.

باكو تعبر عن التعاطف مع الفلسطينيين لكن دون انتقاد إسرائيل بشكل مباشر، فتحالفها مع إسرائيل أهم بكثير من غزة بالنسبة لها

 عندما أعلنت أذربيجان استقلالها عام 1991، كانت إسرائيل من أوائل الدول التي اعترفت بالدولة الجديدة، كما أن هناك جالية يهودية صغيرة في أذربيجان، يتراوح عددها من 7000 إلى 16000 شخص، وفي عام 1997، كان بنيامين نتنياهو أول رئيس وزراء إسرائيلي يزور أذربيجان ومنذ ذلك الحين زاد التعاون التجاري والأمني. 

مع منتصف العقد الأول من القرن 21، أصبحت أذربيجان خامس أكبر شريك تجاري لإسرائيل، تنقل النفط إلى شرق البحر الأبيض المتوسط ​​والأسلحة والمواد العسكرية الأخرى إلى بحر قزوين، كما توفر أذربيجان، إلى جانب كازاخستان، 60% من النفط الخام الذي تستخدمه إسرائيل.

لا انتقاد لإسرائيل

تعتقد إسرائيل أن شراكتها مع دولة ذات أغلبية مسلمة قد يقلل من عزلتها الدبلوماسية في العالم الإسلامي، وهو أمر قد أصبح واضحاً خاصة منذ بدء الحرب على غزة.

رغم الانتقاد الصريح لإسرائيل من قبل غالبية الدول ذات الأغلبية المسلمة، إلا أن حكومة الرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف، ظلت صامتة بشكل مستهجن، حتى أن علييف التقى بالرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ على هامش مؤتمر ميونيخ الأمني ​​في فبراير الماضي.

من جانب آخر، فقد تحدث الصحفي والمحلل المقيم في باكو، روفشان محمدلي، عن وجود “حظر فعلي للاحتجاجات ضد إسرائيل” من قبل حكومة علييف الاستبدادية، وأن باكو ليست غير مهتمة بمعاناة الفلسطينيين.

تعترف باكو نظرياً بفلسطين من خلال وجود سفارة فلسطينية فيها، فقد كانت مؤيداً قوياً لحل الدولتين، ومنذ اندلاع الحرب، أيدت قرارات الأمم المتحدة التي تدعو إلى وقف إطلاق النار، فباكو تعبر عن التعاطف مع الفلسطينيين لكن دون انتقاد إسرائيل بشكل مباشر، فتحالفها مع إسرائيل أهم بكثير من غزة بالنسبة لها.

هناك أكثر من سبب لحرص أذربيجان على التحالف مع إسرائيل، أولها هو الصراع مع أرمينيا المجاورة، فبعد أن زودت إسرائيل باكو بالأسلحة الرئيسية لهزيمة أرمينيا في حرب ناغورنو كاراباخ عام 2020، عمّقت إسرائيل شراكتها العسكرية مع أذربيجان، وزاد تبادل المعلومات الاستخبارية بين الدولتين، في حين قدمت إسرائيل تكنولوجيا الطائرات بدون طيار، وسارعت الشركات الإسرائيلية إلى الاستثمار في إعادة بناء ناجورنو كاراباخ.

العلاقات الإسرائيلية الأذربيجانية أصبحت الآن عميقة وتاريخية وستكون أذربيجان مترددة في التخلي عنها، حتى في مواجهة الضغوط التركية، وفي الغالب فإن باكو تأمل أن يتم الإعلان عن وقف إطلاق النار قبل ظهور أي ضغط من جانب أنقرة، حتى تستمر بعلاقتها السرية مع إسرائيل دون تدقيق!

ويعد دعم إسرائيل لأذربيجان في حرب 2020 مرتبطاً بالسبب الثاني وهو قلق أذربيجان من جارتها الجنوبية إيران، حيث دعمت طهران أرمينيا في صراعها المستمر منذ عقود مع أذربيجان رغم أنها دولة ذات أغلبية مسيحية تقاتل دولة ذات أغلبية مسلمة، مما ساهم في فتور العلاقات بين طهران وباكو، وهذا يفسر جزئياً سبب سعادة علييف بإقامة علاقات مع إسرائيل.

لقد أدى العداء المتبادل إلى قيام إيران بدعم الجماعات الإسلامية في أذربيجان، وقيام باكو في المقابل بتشجيع الأذريين الإيرانيين على الدفع باتجاه الانفصال ولكن الأمر لم ينجح.

من جانب آخر، فإن إسرائيل ترى دعم القوات القوية المناهضة لطهران على حدود إيران ذا قيمة أكثر من دعمها الهادئ لبعض الجماعات الكردية في العراق.

“فصل جديد”

ما من شك في أن هزائم أرمينيا في عام 2020 وانهيار ناجورنو كاراباخ الأرمنية في عام 2023 قد غيرت من حسابات طهران، فبعد الحرب مباشرة، حشدت طهران قواتها على طول حدود القوقاز كوسيلة لردع أذربيجان من التوغل بشكل أعمق في أرمينيا والتواصل مع إقليم ناختشيفان الذي يتبع باكو رغم أنه غير متاخم لها.

منذ ذلك الحين، تبنت طهران أساليب أقل عدوانية، حيث أبرمت اتفاقاً العام الماضي يسمح للأذربجانيين بالوصول إلى إقليم ناختشيفان عبر الأراضي الإيرانية، في محاولة لتخفيف طموحات باكو في احتلال “ممر زانجيزور” في أرمينيا.   

علاوة على ذلك، فقد أبدى الإيرانيون انفتاحاً على فكرة إنشاء خط سكك حديدية جديد بين روسيا والهند، عبر الأراضي الإيرانية والأذربيجانية، في خطوة تشبه الحديث عن “فصل جديد” في العلاقات بين باكو وطهران.

قد لا يمحو هذا كله عقوداً من التوترات بين الجارتين، ولا يدفع باكو إلى وقف علاقاتها مع إسرائيل، ولكن طهران تأمل بأنه إذا شعرت باكو بتراجع التهديد من طرف إيران، فإنها سوف تخفف من تقاربها مع إسرائيل بمرور الوقت.

بصرف النظر عن كل ما سبق، إلا أن المصدر الأكبر للتوتر على العلاقات الإسرائيلية الأذربيجانية يتعلق بتركيا، فهي حليف أقرب لأذربيجان من إسرائيل بكثير، حتى أن والد علييف الذي كان رئيساً قبله وصف العلاقة مع الأتراك بأنها “أمة واحدة ودولتان”.

في عام 2020، قدمت أنقرة أسلحة وإن كانت أقل من إسرائيل، وساعدت أيضاً في تدريب الجيش الأذربيجاني وقدمت رجال الميليشيات السورية للقتال في ناغورنو كاراباخ، ولكن في موضوع الحرب على غزة، فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان انتقد إسرائيل بشدة على عكس علييف، كما استدعت كل من إسرائيل وتركيا دبلوماسييهما، في حين قطع أردوغان بعض الاتفاقيات التجارية. 

يرى الباحث من معهد أمريكان إنتربرايز، مايكل روبين،  أن غضب أردوغان على إسرائيل قد “يدمر” العلاقات الأذربيجانية الإسرائيلية في نهاية المطاف، حيث يطالب الرئيس التركي حليفته بالرد بقوة أكبر فيما يتعلق بغزة.

ويظل ذلك احتمالاً، حيث أن العلاقات الإسرائيلية الأذربيجانية أصبحت الآن عميقة وتاريخية وستكون أذربيجان مترددة في التخلي عنها، حتى في مواجهة الضغوط التركية، وفي الغالب فإن باكو تأمل أن يتم الإعلان عن وقف إطلاق النار قبل ظهور أي ضغط من جانب أنقرة، حتى تستمر بعلاقتها السرية مع إسرائيل دون تدقيق!

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة