أرض الصومال أمام اختبار مساعي توطين الفلسطينيين المهجرين من غزة

وسط شوارع العاصمة هرجيسا المزدحمة في جمهورية أرض الصومال (صوماليلاند) المعلنة من طرف واحد، كان محمد يمضغ القات ويقلب هاتفه باحثًا في الأخبار، حتى صدمه عنوان يتحدث عن استعداد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لـ”النظر” في مسألة الاعتراف ببلاده إذا وافقت على استقبال الفلسطينيين الذين ستهجّرهم دولة الاحتلال من غزة.

وبدهشة جليّة قال محمد: “لقد صُدمت حين سمعت ذلك، لا أعتقد أن أي محاولة لجلب الفلسطينيين إلى صوماليلاند ستكون ممكنة”، موضحاً أن رفضه لهذا العرض غير نابع من عداء للفلسطينيين: “أنا لا أعترض على استضافتهم، لكن أي محاولة لاقتلاعهم قسرًا من أرضهم تعني ضياع وطنهم”.

ومجتمع الصومال بالعموم مسلم محافظ، عُرف تاريخيًا بدعمه الثابت للقضية الفلسطينية، خصوصًا منذ أن بدأ جيش الاحتلال حرب الإبادة في غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتي أودت بحياة أكثر من 62 ألف فلسطيني.

ويؤكد كثيرون في صوماليلاند، ومنهم محمد نفسه، أنهم على استعداد للتوجه إلى غزة لمساندة الفلسطينيين لو كانت لديهم القدرة على ذلك.

تهديد بالاضطراب الداخلي

ورغم أن صوماليلاند عاشت استقرارًا نسبيًا منذ الحرب الأهلية الصومالية في التسعينيات، إلا أن فكرة جلب الفلسطينيين المهجرين تثير مخاوف من زعزعة هذا الاستقرار.

إذ يرى محمد أن الخطر يتمثل في جانبين أولهما استغلال “حركة الشباب” لهذه الخطوة غير الشعبية لحشد الأنصار وتوسيع نفوذها، وثانيًا إثارة الغضب الشعبي داخل صوماليلاند نفسها، محذرًا: “لو أعلنت حكومة صوماليلاند نيتها المضي في ذلك، سيتسلح الناس ويقاتلون ضدها”.

ولم تقدم حكومة صوماليلاند أي رد على استفسارات ميدل إيست آي، لكن تقارير صحفية غربية، بينها تقرير لشبكة “سي إن إن”، تحدثت عن محادثات بين دولة الاحتلال وصوماليلاند حول إعادة توطين الفلسطينيين المهجرين قسرًا من غزة.

وقد أثارت هذه الأنباء موجة استنكار واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث حذّر ناشطون الرئيس الجديد عبد الرحمن عبد الله إيرو من المقايضة بالاعتراف الدولي على حساب معاناة الفلسطينيين.

من جهته، يقول الحقوقي غليد أحمد جما إن “دستور صوماليلاند ينص صراحة على احترام القانون الدولي، وأي تهجير قسري للفلسطينيين من غزة سيُعد خرقًا لذلك النص، وقد يجعل صوماليلاند شريكًا في جريمة الإبادة بحق الفلسطينيين”، ويحذّر من أن ذلك سيقود إلى عزلة دبلوماسية تشبه تلك التي تعيشها دولة الاحتلال.

أبعاد إقليمية ودور إماراتي

من جانبهم، يشير باحثون إلى أن التحديات لا تقف عند البعد الأخلاقي والسياسي فقط، بل تشمل أيضًا أزمات اقتصادية واجتماعية. 

فهذا الدكتور عبد الفتاح إسماعيل طاهر، الباحث في جامعة مانشستر، يوضح أن “صوماليلاند تعاني من ضيق في الأراضي وفرص العمل، إضافة إلى حساسيات عشائرية قد تفجر نزاعات مسلحة لو فُرض توطين جماعي للفلسطينيين”.

ويرى طاهر أن المسألة قد تجعل المنطقة بؤرة صراع جديدة تستقطب قوى إقليمية مثل الحوثيين في اليمن وغيرهم.

كما يلفت إلى دور الإمارات، التي تسعى لترسيخ نفوذها في القرن الإفريقي بعد خلافها مع جيبوتي، من خلال السيطرة على الموانئ البحرية وأبرزها ميناء بربرة الاستراتيجي على خليج عدن. 

ويضيف: “الإمارات، ومعها دولة الاحتلال، تعملان على بناء وجود عسكري واقتصادي في صوماليلاند لتعزيز نفوذهما الإقليمي”.

ورقة مساومة مع واشنطن

ولطالما سعت صوماليلاند، التي تسيطر على شمال الصومال، إلى انتزاع اعتراف دولي منذ انفصالها عن الصومال في التسعينيات، لكن خطة تهجير الفلسطينيين إليها بدت للكثيرين صادمة.

وخلال هذا الشهر، بعث السيناتور الجمهوري تيد كروز برسالة إلى ترامب يدعوه فيها للاعتراف بصوماليلاند، مشيرًا إلى أنها تسعى لتعزيز علاقاتها مع دولة الاحتلال ودعم اتفاقيات أبراهام.

غير أن محللين مثل عمر محمود الباحث في “مجموعة الأزمات الدولية” يشككون في جدوى هذه الورقة، ويقول إن “سياسة ترامب الخارجية قائمة على مبدأ الصفقات، وبالتالي فإن مجرد طرح قضية الفلسطينيين لن يكون كافياً لإتمام الصفقة، بل يجب أن يقدم له ما يراه مصلحة أمريكية واضحة”.

ويؤكد محمود أن بربرة، رغم أهميتها الاستراتيجية، قد لا تكون ورقة كافية لإقناع ترامب، نظرًا لإمكانية واشنطن الوصول إلى الميناء عبر ترتيبات مع هرجيسا أو مقديشو دون الحاجة إلى اعتراف رسمي.

 ضغوط من مقديشو وخسائر إقليمية

في الوقت نفسه، تواجه صوماليلاند تحديًا من الحكومة الفيدرالية في مقديشو التي أعلنت مؤخرًا إقليمي سُول وسناغ ولاية جديدة داخل دولة صومال موحدة، بينما تعتبرهما صوماليلاند جزءًا من أراضيها.

وتعني هذه الخطوة خسارة نحو 60% من أراضي صوماليلاند، وهو ما يشكل انتكاسة كبيرة في سعيها للاعتراف الدولي.

ويؤكد الباحث فيصل روبلي أن “الولاية الجديدة لن تقبل بأي مشروع لتوطين الفلسطينيين، وحتى المناطق المتبقية تحت سيطرة هرجيسا غير مرجح أن توافق”.

وفي ظل هذه التطورات، يجد قادة صوماليلاند أنفسهم أمام معادلة معقدة بين إغراء الاعتراف الأمريكي مقابل خطر انفجار داخلي واتهامات بالتواطؤ في جريمة اقتلاع الفلسطينيين من وطنهم. 

وبين الحسابات الدولية والمواقف الشعبية، تبقى القضية الفلسطينية اختبارًا حقيقيًا لوحدة واستقرار هذا الكيان غير المعترف به.

للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة