ولد الطبيب أرمين مظلوميان في مصر التي هاجر أجداده إليها عقب الإبادة الجماعية للأرمن عام 1915.
و انضم ”المظلوميون” وآلاف غيرهم إلى مجتمع أرمني في مصر ازدهر على مر القرون، كحرفيين مهرة وتجار ومزارعين لا سيما بمحاصيل التبغ والبرتقال.
واشتهر الأرمن بمهاراتهم في صياغة الذهب والمجوهرات وصناعة الساعات، والتصوير، واللوحات الزنكية، بالإضافة إلى صناعة الفراء.
يقول مظلوميان: “إن العيش في مصر منحنا الحرية في تعلم لغتنا، وبناء الكنائس والنوادي، لقد احتضنت مصر الأرمن، والآن حان الوقت لنا للحفاظ على هويتنا وتقاليدنا”.
تاريخ طويل
للأرمن تاريخ طويل في مصر يعود إلى زمن السلالة الفاطمية في القرن الحادي عشر.
وعلى مر القرون، قدمت الجالية الأرمنية مساهمات كبيرة للمجتمع المصري، من الحرف اليدوية إلى المطبخ ومختلف الصناعات الأخرى.
شهدت مصر تدفقًا كبيرًا بشكل خاص للاجئين في أعقاب ما سماه بعض المؤرخين الإبادة الجماعية للأرمن عام 1915، في السنوات الأخيرة من عهد الإمبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى.
وعُين الأميرال الفرنسي لويس دارتيج دو فورنيه مسؤولاً عن تنظيم إجلاء أكثر من 4000 أرمني كانوا يقاومون الإبادة الجماعية والدفاع عن منطقة “موسى داغ”، و التي تعني “جبل موسى”، فيما يعرف الآن بولاية هاتاي التركية.
وتم نقل الفرنسيون الأرمن إلى بورسعيد المصرية على متن ست سفن، أقاموا فيها مخيمًا للاجئين حيث تمكن الأرمن من الحصول على الطعام والرعاية الطبية والتعليم.
وعلى الرغم من تفكيك المخيم بحلول عام 1919 وعودة العديد من سكانه إلى “موسى داغ”، إلا أن بعضهم ظلوا في مصر.
تاريخ الأرمن في مصر
يمكن رؤية تأثير المجتمع الأرمني الذي نشأ خلال الخلافة الفاطمية، في جميع أنحاء مصر، حيث تم الترحيب بالأرمن وترقيتهم إلى مناصب سياسية رفيعة.
ويوضح محمد رفعت إمام، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة دمنهور المصرية، أن “عدد الأرمن في مصر خلال القرن الحادي عشر كان حوالي 30 ألفًا”.
ويقول: “ستة منهم شغلوا مناصب رفيعة، منهم الوزراء وحكام الأقاليم، وكان بدر الجمالي أشهر وزير أرمني في ذلك الوقت”.
كان جمالي مسؤولاً عن إعادة تحصين القاهرة في ثمانينات القرن الحادي عشر، بهدف حماية المدينة من هجوم محتمل من الأتراك السلاجقة.
استبدل جمالي الجدران القديمة بأخرى حجرية لا يزال من الممكن رؤيتها حتى اليوم، وتميزت البوابات الثلاثة المتبقية في سور مدينة القاهرة القديمة، (باب الفتوح وباب النصر وباب زويلة) بالأعمال الحجرية والنقوش الأنيقة.
ازدهرت الجالية الأرمنية كذلك في عهد محمد علي باشا، الحاكم العثماني لمصر وحاكمها الفعلي من 1805 إلى 1848.
ويعتبر عهد محمد علي عصراً ذهبياً للأرمن، وعلى الرغم من أن عددهم لم يتجاوز 2000 شخص، إلا أنهم تمكنوا من المساهمة في بناء مصر الحديثة اقتصاديًا، واجتماعيًا، وسياسيًا، وإداريًا.
التأثير والمساهمات
كان الأرمن قادرين على إقامة روابط مع الأسواق الهندية والعثمانية والأوروبية، ومهدوا الطريق لازدهار التجارة في البلاد.
ويقول إمام: “ساهم الأرمن في زراعة النيلي، صبغة ملونة، لتصديرها إلى أوروبا، وكذلك الأفيون الذي كانت مصر تصدره إلى مصانع الأدوية في أوروبا أيضا”.
ويعزى إلى الأرمن أيضًا إدخال زراعة برتقال اليوسفي إلى مصر، حيث أحضر التاجر يوسف أفندي الأرمني، شجيرات اليوسفي من مالطا وزرعها في بستان محمد علي باشا، واليوم لا يزال المصريون يطلقون على هذا النوع من البرتقال اسم الـ “يوسفي” أو “يوسف أفندي” تكريما له.
وكذلك اشتهر المصور الأرمني المصري، فان ليو، المولود عام 1921، بقدرته على التلاعب بالضوء والظلال، ونتيجة لذلك، طُلب منه تصوير العديد من نجوم السينما وغيرهم من الشخصيات المعروفة خلال مسيرته التي استمرت 50 عامًا.
قبل الحرب العالمية الأولى، كان الأرمن يديرون أيضًا جزءًا كبيرًا من صناعة التبغ في مصر، حيث يعمل الآلاف في انتاج العلامات التجارية مثل Coutarelli وSarkissian وبيعت منتجاتها من السجائر والتبغ بأسعار في متناول الجميع في مصر والسودان.
الحفاظ على التراث الأرمني
واليوم، تعمل الجالية الأرمنية في مصر جاهدة للحفاظ على إرث الأجداد، حيث لا يزال حوالي 8000 أرمني في مصر اليوم يحافظون على تراثهم، وفقا لمظلوميان، بثلاث طرق رئيسية: “من خلال المدارس والنوادي والكنيسة”.
تدير الأندية أنشطة مختلفة للشباب الأرمني، من كرة القدم إلى كرة السلة والكشافة، كما تنظم جلسات عن الفولكلور الأرمني وورش عمل حول التطريز الأرمني.
وفي القاهرة، يتمتع الطلاب في مدرسة كالوسديان- نوباريان الأرمنية، التي تأسست عام 1854، بفرصة تعلم لغتهم الأم والدين والتاريخ جنبًا إلى جنب مع المناهج الدراسية المصرية التقليدية.
ويقول مظلوميان: “تمكن الشعب الأرمني بالدم والدموع، ليس فقط من التمسك بتراثه، ولكن من تقوية عزيمته وقيمه”.
وأضاف:” للحفاظ على اللغة والطقوس الأرمنية والحياة الأسرية دور هام في مساعدة الأرمن في جميع أنحاء العالم على التمسك القوي بالهوية والتراث”.
للإطلا على النص الأصلي من (هنا)