بقلم آلان غابون
ترجمة وتحرير مريم الحمد
بعد دخول الحرب على غزة في شهرها الثالث، يبدو أن تسوية غزة بالأرض والتسبب بدمار غير مسبوق لم يعد يمكن كبح جماحها، حتى الضغوط الأميركية لم تنجح للحد من الخسائر في صفوف المدنيين.
إضافة إلى ذلك، لم تنفع خطابات الدول العربية، فهي لم تتمكن حتى من الاتفاق على إجراءات مشتركة مثل حظر النفط أو القطع المؤقت للعلاقات الدبلوماسية الرسمية، في وقف أو حتى تخفيف حدة الوحشية الإسرائيلية في العدوان على غزة، ومن جانب آخر، فلم تلقَ قرارات الأمم المتحدة والاحتجاجات العالمية الحاشدة أي صدى.
بات مصير الملايين من الفلسطينيين بين يدي رجلين فقط، هما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي جو بايدن، فقد أعلنت إسرائيل أن حملتها ستستمر لعدة أشهر أخرى، وربما دون فترات هدنة إضافية، كما دفعت الولايات المتحدة من أجل ذلك، ليس بسبب القلق على حياة الفلسطينيين بقدر ما هو بسبب المخاوف من حرب إقليمية أوسع نطاقًا والإضرار بالدعم الدولي لواشنطن وتل أبيب.
لا يخفى على أحد أن إسرائيل قد ارتكبت بالفعل سلسلة من جرائم الحرب، ولا يعد ذلك أمراً مفاجئاً إن أخذنا بالحسبان عقوداً من الممارسات التي تعزز التطهير العرقي ناهيك عن الكيفية التي قامت عليها الدولة بالتطهير العرقي.
كانت جرائم الحرب والتمييز ضد غير اليهود وازدراء القانون الدولي، أجزاء أساسية من الحمض النووي الإسرائيلي منذ إنشاء الدولة عام 1948، ولكن يدور الآن جدل حول ما إذا كانت مجازر إسرائيل قد وصلت إلى مستوى الإبادة الجماعية بالمعنى القانوني للمصطلح؟
هناك العديد من المفاهيم الشائعة والتي تعد خاطئة فيما يتعلق بالإبادة الجماعية، أهمها أن وصف الفظائع بذلك يستوجب أن تصل الفظائع إلى حجم ومستوى المحرقة أو إبادة شعب أو مجموعة بأكملها تقريبًا، ولكن تلك ليست هي القضية.
تعريف الإبادة الجماعية
وفقًا للمادة 2 من اتفاقية الإبادة الجماعية، فإن الإبادة الجماعية تطلق على أيٍ من الأفعال التالية المرتكبة بقصد التدمير، كليًا أو جزئيًا، ضد جماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية معينة، مثل قتل أفراد الجماعة أو التسبب في أذى جسدي أو عقلي خطير لهم أو تعمد إلحاق تدهور معيشي بهدف تدمير الجماعة وفرض تدابير تهدف إلى منع الولادات أو نقل الأطفال قسراً إلى مجموعة أخرى.
إن تصرفات إسرائيل المروعة في غزة إلى جانب التصريحات المتكررة لمسؤولين إسرائيليين حول نية متعمدة للقضاء على أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين أو على الأقل إيذائهم، لا تترك مجالاً للشك في أن إسرائيل قد تجاوزت كل الحدود وصولاً إلى الإبادة الجماعية.
هناك شبه إجماع بدأ ينشأ بين الأكاديميين وعلماء القانون بل وحتى المدعين العامين السابقين في المحكمة الجنائية الدولية، على أن ما تقوم به إسرائيل في غزة هو إبادة جماعية تتكشف أمام أعينهم.
وتتكون حملة الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل والمستمرة منذ عام 1948، من عدة خصائص، منها طبيعتها الدائمة والتنوع بين الإبادة الجماعية “البطيئة” وموجات الذبح الوحشية وأساليب الموت الجماعي.
الآن، إسرائيل باتت تجمع بين هذه الخصائص بشكل ممنهج، حيث يمكن تحديد ما لا يقل عن ثمانية أساليب للإبادة الجماعية تغتنمها إسرائيل لنقل الإبادة الجماعية البطيئة إلى مستوى جديد كلياً من الوحشية، فما هي قواعد إسرائيل في الإبادة الجماعية؟
الأساليب الثمانية
- اقتلهم: اقصفوا الفلسطينيين عشوائياً، فعلى الرغم من تأكيدات إسرائيل بأنها تتخذ تدابير لحماية المدنيين، إلا أن الحقائق على الأرض تظهر خلاف ذلك، فمعظم الضحايا من المدنيين، كما تم استهداف المدارس والمستشفيات والمباني السكنية بشكل مباشر.
- قم بتجويعهم: من خلال حصار إمدادات الغذاء والمياه، وهذا ليس بالأمر الجديد، لطالما كان جزءًا من سياسة إسرائيلية ممنهجة لحرمان الفلسطينيين حتى من أهم الموارد الأساسية للحياة، وهي المياه.
- جردهم من الرعاية الطبية: وذلك ما تفعله إسرائيل من خلال تدمير البنية التحتية الطبية، بما في ذلك المستشفيات، وبذلك تضمن إسرائيل أن العديد ممن كان من الممكن إنقاذهم سيموتون بدلاً من ذلك متأثرين بإصابات لم يتم علاجها.
- انشر المرض بينهم: لقد أدى انهيار البنية التحتية الطبية إلى جانب الظروف المعيشية الكارثية، إلى ضمان انتشار المرض والمزيد من الوفيات.
- أكثر من عمليات الإخلاء القسري: حيث تستخدم إسرائيل الآن فلسفة إعادة التوطين القسري لإجبار الأشخاص المنهكين والمصابين في كثير من الأحيان على الانتقال من “منطقة آمنة” مزعومة “إلى التالي، كما قامت إسرائيل بنشر خريطة شبكية لمنطقة جنوب غزة قسمتها إلى مئات من القطع الصغيرة جعلت الناس يضطرون إلى التنقل بينها لتجنب القنابل.
- دمر بيئتهم: ما يحدث في غزة هو إبادة بيئية حقيقية، فحجم الدمار البيئي، بدءًا من التلوث الدائم إلى الذخيرة العسكرية، هائل ويمكن أن يؤثر على الأجيال القادمة.
- قم بتفتيت مجتمعهم: من خلال التدمير المنهجي للهياكل الحكومية والإدارية بحجة محاربة حماس، وتهجير غالبية سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة لزعزعة روابطهم الاجتماعية، فيصبح من غير الواضح كيف سيتمكنون من ترميم ما حصل مستقبلاً، خاصة وأن إسرائيل حاولت ربط جميع المدنيين بحماس وتعتزم الحفاظ على سيطرتها على المنطقة ومواردها في المستقبل المنظور.
- اكسر معنوياتهم: من خلال استخدام الحرب النفسية لتعزيز الشعور باليأس والعجز بين السكان، وقد كان هذا فعالاً للغاية بين الفئات الأكثر ضعفاً مثل أطفال غزة، الذين عانى الكثير منهم من الاكتئاب الشديد والأفكار الانتحارية.
وتعد الأساليب الثمانية كلها أشكالاً من العقاب الجماعي تستمر عواقبها لجيل كامل على الأقل!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)