بقلم مها الحسيني
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
كشفت شهادات أسرى فلسطينيين محررين عن تفاصيل مروعة من الانتهاكات والتعذيب الذي يمارسه السجانون بحق الأسرى في سجون الاحتلال.
ومن بين الوقائع المشار إليها قيام السجانين بلف أجساد الأسرى بالأكفان ودفنهم أحياء إلى مرحلة ما قبل الموت اختناقاً، قبل أن يتيحوا لهم الفرصة لاستنشاق الهواء مجدداً عبر فتحات صغيرة تُدخل مقداراً بسيطاً من الأوكسجين لإبقائهم على قيد الحياة، في عملية يتم تكرارها بشكل متواصل.
ومن داخل غزة، قدم أسرى من الذين تم إطلاق سراحهم بين مئات المحررين في صفقات التبادل التي أبرمتها حركة حماس مع دولة الاحتلال شهادات لموقع ميدل إيست آي عن ممارسات “التعذيب حتى الموت”.
“عاملونا كالحيوانات”
فعلى سبيل المثال، بدأت قصة محمود إسماعيل أبو خاطر، 41 عاماً، في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2024، كان أبو خاطر وقتها داخل مستشفى كمال عدوان في شمال غزة عندما حلقت مسيرة كوادكابتور تابعة لقوات الاحتلال فوق رأسه، وأخذت تبث نداءً يأمر “أهل الحي بالاستسلام”.
يتذكر أبو خاطر ما جرى بعد ذلك قائلاً: “أطلقوا الرصاص على المنازل والشرفات وقصفوا المنازل القريبة وكانوا يبثون تلك الرسائل لإرهابنا، عندها احتجزونا، وبدأ التعذيب من لحظة الاحتجاز واستمر حتى اللحظة الأخيرة قبل إطلاق سراحنا، لقد عاملونا كالحيوانات لا كالبشر”.
يتذكر أبو خاطر أن الأسرى نقلوا إلى موقع يشبه مزرعة ماشية في غزة قبل نقلهم إلى السجن، حيث أجبروا على تحمل الليل البارد، مرتدين الملابس الداخلية والملابس البيضاء الرقيقة التي أعطيت لهم فقط”.
“تم تقييد أيدينا وأقدامنا، وضربونا بزجاجات المياه المجمدة وزجاجات مليئة بزيت الزيتون، وتبول الجنود في حاوية ثم صبوها على وجوهنا وأجسادنا” – محمود أبو خاطر، أسير فلسطيني محرر
ثم تم نقل أبو خاطر إلى معسكر الاعتقال العسكري سيئ السمعة سدي تيمان الذي وصفه بأنه “معسكر لتعذيب الرجال”، حيث ظل مقيداً لمدة شهرين تقريباً.
وأضاف: “أجبرونا على الجلوس من الفجر حتى منتصف الليل دون حركة، ولم يُسمح لنا بالذهاب إلى دورة المياه إلا بإذن وأيدينا مقيدة”.
وبحسب أبو خاطر، فقد كان الضابط يسمح للأسرى أحياناً بالتوجه إلى دورات المياه، وفي أحيان أخرى لا يسمح بذلك، وقد انتهى الأمر بالعديد من المعتقلين بالتبول على أنفسهم”.
وعلى الرغم من حرمانهم من الوصول إلى دورات المياه وتقييد نظافتهم، أجبر الجنود الأسرى على الاستحمام كل يومين في مياه متجمدة خلال شهري ديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني، على الرغم من البرد القارس، وإذا اكتشفوا أن أحداً لم يستحم، كانوا يعاقبونه ويعذبونه على الفور.
غير أن إحدى أكثر أساليب التعذيب المروعة في سدي تيمان كانت تتمثل، بحسب أبو خاطر، في خداع السجناء وإيهامهم بأنهم يتعرضون للغرق أو الاختناق حتى الموت.
وشرح ذلك قائلاً: “كانوا يضعون المعتقل في كفن متصل بخرطوم به كاميرا صغيرة في الداخل، ويدفنونه في حفرة، ثم يراقبونه من خلال الكاميرا، وحالما يصبح على وشك الاختناق الكامل والموت، كان الحراس يسمحون بدخول كمية صغيرة من الهواء لإبقائه على قيد الحياة”.
التعذيب حتى الموت
ويتذكر أبو خاطر أن إحدى أكثر اللحظات المؤثرة في السجن كانت مشاهدة التعذيب حتى الموت لمصعب هنية، ابن شقيق إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس.
وقال أبو خاطر أن مصعب استشهد في سجن عوفر في يناير/كانون الثاني بعد أن تحمل “تعذيباً وحشياً” تركه نحيلاً وجريحاً في ساقيه.
وأوضح أبو خاطر: “لم يقدم له الضباط أي مساعدة طبية، وفي النهاية بدأت الديدان تخرج من جروحه، وفقد السيطرة على مثانته، وذات يوم، سمع معتقلون آخرون جنديًا يقول إنه مات ورأوا من خلال القضبان الجنود وهم يلفون جثته في كفن ويحملونه بعيداً”.
وأضاف: “عندما دخل مصعب السجن، كان وزنه حوالي 120 كيلوغرامًا، ولكن بحلول أيامه الأخيرة، انخفض وزنه إلى 50 كيلوغرامًا فقط”.
نُقل أبو خاطر إلى سجن النقب قبل إطلاق سراحه ضمن الدفعة السادسة من الأسرى الفلسطينيين المحررين في صفقة تبادل الأسرى بين دولة الاحتلال وحركة حماس.
ولم يكن هو وزملاؤه الأسرى على علم بأنهم على وشك الإفراج عنهم، ولكن طوال الأسبوع الذي سبق إطلاق سراحهم، تم إعطاؤهم “طعامًا حقيقيًا” لأول مرة منذ اعتقالهم.
وقال: “بدأوا في إعطائنا طعامًا مطبوخًا وجبنًا، وتصرفوا وكأنهم يعاملوننا جيدًا، لكننا لم نعرف أنه سيتم إطلاق سراحنا حتى زارنا وفد من الصليب الأحمر في الساعة الثانية صباحًا في يوم إطلاق سراحنا”.
وتابع: “في صباح يوم إطلاق سراحنا، سلمنا ضباط من جيش الاحتلال قمصانًا مكتوبًا عليها عبارة “لن ننسى أبدًا، ولن نسامح أبدًا”، وقد طبع عليها كذلك نجمة داوود وشعار جيش الاحتلال وأجبرونا على ارتدائها.
ومضى في شهادته يقول: “في البداية، رفضنا ارتداء هذه الملابس، لكنهم أخبرونا أن أي شخص يرفض لن يُطلق سراحه، فارتديناها، وبمجرد وصولنا إلى غزة، خلعناها وأحرقناها”.
من جهته، يؤكد إبراهيم عبد الرزاق المجدلاوي، 63 عامًا، أن ضباط جيش الاحتلال “لم يظهروا أي رحمة تجاه أي أسير، سواء كان في السادسة عشرة أو الستين من العمر”.
تعرض المجدلاوي للتعذيب والإذلال والتوبيخ بلا هوادة من قبل جنود شبان على الرغم من تقدمه في السن، وقال: “عندما وصلنا إلى سدي تيمان، جردونا من جميع ملابسنا، حتى الملابس الداخلية، على الرغم من الطقس البارد والأمطار الغزيرة، ثم أعطونا ملابس رقيقة”.
وأضاف: “كان الجنود يوبخوننا ويضربوننا كلما فعلنا أي شيء أو نطقنا بكلمة، ومن بين العقوبات إجبارنا على الوقوف لساعات على قدم واحدة إذا ضبط أحدنا وقد تحدث أو أتى بأي حركة دون إذن”.
الإهمال الطبي
ونظراً لأن المجدلاوي يتحدث العبرية، فقد كان الضباط والجنود يأخذونه من مكان إلى آخر داخل السجن للقيام بالترجمة.
وقال: “كانوا يحضرونني أحيانا لترجمة توبيخهم للسجناء المرضى، وعندما يمرض أحد الأسرى ولا يستطيع الوقوف، يضربونه ويهددونه بإرساله إلى الحبس الانفرادي إذا لم ينهض”.
“رأيت هذا بعيني، كان هناك أسير مصاب بالسكري في حالة حرجة، وكان يتقيأ وهو ضعيف جدًا لدرجة أنه لا يستطيع الحركة، ومع ذلك أهملوه لفترة طويلة جداً، ثم نقلوه وفحصوا نسبة السكر في دمه فقط، وحتى خلال ذلك استمروا في تهديده وإساءة معاملته” – أسير فلسطيني محرر من غزة
وقال أسير محرر آخر يبلغ من العمر 62 عامًا من شمال قطاع غزة، احتجز لمدة ثلاثة أشهر في سدي تيمان، أن قوات الاحتلال هددته بالتنكيل به إذا تحدث إلى وسائل الإعلام.
لكن الشاهد تحدث إلى ميدل إيست آي شريطة عدم إعلان اسمه فقال: “أبلغنا الجنود أنهم سيراقبوننا بعد إطلاق سراحنا أينما ذهبنا، وأنهم سيرون كل ما نفعله، وقال الضابط لي إذا فعلت أي شيء، فلن نحتاج سوى إلى قنبلة طائرة بدون طيار واحدة”.
وقال المعلم المتقاعد إنه اعتقل في نوفمبر/تشرين الثاني بعد أن قصفت قوات الاحتلال منزله، مما أدى إلى إصابته وابنته.
ومضى يقول: “قررنا مغادرة المنزل، لكنهم أخذوني من نقطة تفتيش، ومنذ اللحظة الأولى، بدأوا في ضربي وإذلالي دون سبب سوى البقاء في منزلي وعدم الإخلاء”.
وعلى مدار 3 أشهر من الاعتقال، تعرض الرجل المسن للإغماء 15 مرة، وهو مريض بالسكري ومشاكل في البروستاتا ومرض الغضروف.
وقال: “في كل مرة كان يغمى فيها علي، كانوا يفكون يدي ويصبون الماء البارد على وجهي، وعندما كنت أستيقظ، كانوا يمنحونني حوالي 30-60 دقيقة لاستعادة وعيي بالكامل، ثم يقيدونني مرة أخرى ويستأنفون الإساءة”.
وتابع: “كانوا يوجهون لنا الإهانات البذيئة ويجبروننا على تكرار اللعنات على أنفسنا، وفي إحدى المرات، عندما لم أفعل ذلك، هاجمني الجنود بعنف وضربوني بلا رحمة”.
وأوضح الأسير المفرج عنه إن جزءاً من التعذيب كان يتلخص في إجبار الأسرى على الجلوس في أوضاع مؤلمة لمدة 19 ساعة كل يوم.
وأضاف: “لمدة ثلاثة أشهر تقريباً، ظلوا يجبروننا على الاستيقاظ حوالي الساعة 5 صباحًا ويبقوننا جالسين في وضع مرهق ومؤلم للغاية حتى منتصف الليل كل يوم، وفي الصباح، كانوا يضربون قضبان الحديد التي تعلف القسم بعنف بالمعدن، مما يجبرنا على الاستيقاظ في رعب”.
وقال أحد أقارب الأسير المحرر لـ ميدل إيست آي أن قريبه كان يعاني من صدمة نفسية عميقة منذ الإفراج عنه، و “علينا أن نعامله كطفل، خائف من كل شيء ويغضب من أدنى شيء”.
للاطلاع على المقال الأصلي من (هنا)