أسطول الصمود العالمي…عندما تفشل الدول… تبحر الإنسانية

بقلم دينيز باران

ترجمة وتحرير مريم الحمد

لقد تحرك أسطول الصمود العالمي بالفعل، بعد أن أبحرت أكثر من 50 سفينة، وهي أكبر قافلة مساعدات يتم تجميعها لغزة، من موانئ عبر أوروبا.

وقد رسا جزء من الأسطول في تونس، حيث استقبله الآلاف من المؤيدين قبل أن يتوجه للانضمام إلى بقية الأسطول، ومن المقرر أن تبحر تلك السفن من ميناء سيدي بوسعيد في 10 سبتمبر الجاري، بعد تأخيرات جوية ولوجستية.

حيثما فشلت الركيزة الأساسية للمجتمع الدولي  وهي الدول، فإن المجتمع المدني العابر للحدود الوطنية يمكنه التدخل، وبهذا يشكل أسطول الصمود العالمي أوضح تعبير عن هذا التدخل

لا نبالغ إن أطلقنا على هذه المهمة صفة أجرأ تحرك للمجتمع المدني الإنساني في التاريخ الحديث، لتسجل بالتاريخ مع حوادث كبرى شبيهة مثل مسيرة الملح التي قام بها غاندي.

يجمع الأسطول أشخاصاً من 44 دولة ومن خلفيات متنوعة، ومن بينهم الناشطون والفنانون والأطباء والسياسيون والصحفيون، يجمعهم هدف عاجل وهو تقديم المساعدات الإنسانية الأساسية للفلسطينيين في غزة، الذين حرموا عمداً من وسائل البقاء على قيد الحياة منذ ما يقرب من عامين.

في غياب التحرك من جانب الدول والحكومات، فإن أسطول الصمود العالمي لا يسعى إلى توصيل المساعدات وفتح ممر إنساني فحسب، بل يسعى أيضاً إلى التأكيد على عدم قانونية الحصار الذي تفرضه إسرائيل وشرعية كسره.

حصار غير قانوني

إن عدم قانونية الحصار واضحة تماماً كوضوح شرعية مهمة الأسطول، وأساسها هو حق شعب غزة المعترف به دولياً في تلقي المساعدات الإنسانية دون تدخل.

يصنف نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية “تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب” باعتباره جريمة حرب، حيث تحظر اتفاقية جنيف الرابعة العقاب الجماعي، ويحظر البروتوكول الإضافي الأول تجويع المدنيين كوسيلة من وسائل الحرب.

علاوة على ذلك، وبموجب المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية، فإن فرض ظروف معيشية متعمدة تهدف إلى تدمير مجموعة ما، بما في ذلك من خلال التجويع، قد يصل إلى مستوى الإبادة الجماعية.

ويحظر القانون الإنساني الدولي فرض حصار بحري يؤدي إلى إلحاق الأذى بالمدنيين على نحو غير متناسب أو تجويع السكان أو منع المساعدات الإنسانية، وكل هذا ينطبق على الحصار الذي تفرضه إسرائيل على غزة، وهذا هو السبب وراء إدانتها مراراً وتكراراً من قبل هيئات الأمم المتحدة وخبرائها.

وقد اعترفت محكمة العدل الدولية في فتواها الصادرة في يوليو عام 2024، بأن إسرائيل هي قوة احتلال في غزة، ولذلك فهي ملزمة، بأقصى ما تستطيع، بتوفير الاحتياجات الأساسية للفلسطينيين.

بموجب البروتوكول الإضافي الأول، حتى في النزاعات المسلحة، لا يجوز عرقلة إيصال المساعدات الأساسية ولا يمكن اعتبار ذلك تدخلاً في النزاع أو عملاً غير ودي، بل يجب على أطراف النزاع السماح بمرور جميع مواد الإغاثة، حتى عندما تكون هذه المساعدة موجهة إلى السكان المدنيين في الجانب الآخر.

الحق في الإبحار

لقد فشلت الأوامر الملزمة الصادرة عن محكمة العدل الدولية في كبح جماح إسرائيل، كما لم يتبع القرارات المتكررة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والجمعية العامة التي تطالب بوضع حد لأعمال الإبادة الجماعية، أي تنفيذ حقيقي.

لم تفشل الدول في التحرك رغم انتهاك إسرائيل للقواعد القطعية للقانون الدولي فحسب، بل يمكن اعتبار العديد منها متواطئة من خلال دعمها المستمر، فحيثما فشلت الركيزة الأساسية للمجتمع الدولي  وهي الدول، فإن المجتمع المدني العابر للحدود الوطنية يمكنه التدخل، وبهذا يشكل أسطول الصمود العالمي أوضح تعبير عن هذا التدخل.

أوقعت إسرائيل نفسها في شرك مواجهة عميقة مع الرأي العام العالمي، ولذلك فإن أي رد فعل عنيف على أسطول الصمود العالمي لن يؤدي إلا إلى تشديد هذا الفخ، فكل عنف إسرائيلي سوف يضمن استمرار موجات جديدة من الأساطيل في الوصول إلى شواطئ غزة

لا يقدم قانون البحار الدولي أي مبرر لإسرائيل للتدخل بالقوة في رحلة الأسطول، بل يضمن القانون الدولي العرفي واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (Unclos) لجميع السفن حق الملاحة الحرة في أعالي البحار، ويسمح Unclos بالتدخل فقط في حالات استثنائية مثل القرصنة أو تجارة الرقيق أو البث غير المصرح به أو إذا كانت السفينة عديمة الجنسية، ومن الواضح أن الأسطول لا تنطبق عليه أي من هذه الاستثناءات.

إن القانون الإنساني الدولي، كما هو موضح في اتفاقيات جنيف، يقوم على حماية المدنيين، ولذلك يحق للناشطين الموجودين على متن الأسطول الحصول على الحماية باعتبارهم غير مقاتلين.

من ناحية أخرى، فقد أوضحت الدورات التدريبية أن جميع المشاركين ملتزمون بنبذ العنف بشكل صارم كما تعهدوا بالبقاء غير نشطين حتى في مواجهة الاعتراض العنيف من قبل البحرية الإسرائيلية.

ويأتي ذلك التأكيد رغم السابقة المأساوية لسفينة مافي مرمرة عام 2010، عندما قُتل تسعة مدنيين أتراك، حيث سعت إسرائيل إلى تبرير هجومها آنذاك بتوجيه اتهامات ضد النشطاء، والتي سرعان ما فقدت مصداقيتها من خلال التحقيقات المستقلة، وقد تكرر نفس النمط مع الأساطيل الأخرى، فقد انهارت ادعاءات إسرائيل تحت المجهر!

والآن، تقوم الحكومة الإسرائيلية بتهديد المشاركين في الأسطول الحالي بمعاملتهم باعتبارهم “إرهابيين” والاستيلاء على سفنهم رغم مهمتهم السلمية!

اختبار للضمير

يتعين الآن على إسرائيل أن تقرر ما إذا كانت ستطلق العنان للعنف ضد الإرادة الموحدة للمجتمع المدني العالمي، وتضيف طبقة أخرى إلى سجلها في انتهاكات القانون الدولي أم لا.

ورغم فشل آليات إنفاذ القانون الدولية حتى الآن في وقف جرائم إسرائيل، إلا أن القانون ما زال يشكل عاملاً حيوياً وهو الشرعية، فقد أيقظت هذه الشرعية الوعي العالمي وحشدت التضامن مع الفلسطينيين وأدت بشكل مباشر إلى ظهور هذا الأسطول التاريخي.

من خلال الاعتماد المفرط على القوة الخام وتجاهل القانون الدولي، فقد أوقعت إسرائيل نفسها في شرك مواجهة عميقة مع الرأي العام العالمي، ولذلك فإن أي رد فعل عنيف على أسطول الصمود العالمي لن يؤدي إلا إلى تشديد هذا الفخ، فكل عنف إسرائيلي سوف يضمن استمرار موجات جديدة من الأساطيل في الوصول إلى شواطئ غزة.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة