أشد عذابات “رابعة”! 10 سنين مرت ولا يزال الأهالي يجهلون مصير أبنائهم المفقودين

بقلم أسامة جاويش

ترجمة وتحرير مريم الحمد

إنها الساعة 7:30 مساء في القاهرة، عاصمة مصر المكتظة بشكل كبير، وبين أصوات الصفير والزمامير في الشوارع المزدحمة وصراخ الأطفال الذين يلعبون كرة القدم في الشوارع يتخلله صوت آذان المغرب، يسود صمت مخيف في منزل السيدة بدرية السيد، بعد أن كان مليئاً بالضحك والحياة قبل 10 سنوات بالضبط، حين رأت بدرية ابنها عمر حماد للمرة الأخيرة!

في صباح يوم 14 أغسطس من العام 2013، كان عمر البالغ من العمر آنذاك 20 عاماً، في طريقه إلى ميدان رابعة العدوية في القاهرة، ولكنه لم يكن يعلم ما كان ينتظره من عنف ووحشية في ذلك اليوم بعد!

كانت الحركة الاحتجاجية، التي طالبت بإعادة الرئيس المنتخب ديمقراطياً محمد مرسي إلى رئاسته، قد دخلت أسبوعها السادس، ومع انتشار الاحتجاج وزيادة الفئات المشاركة، تحول ميدان رابعة إلى مدينة خيام مترامية الأطراف، شارك فيها عمر والعديد من أصدقائه.

بعد فترة، أخبرها ضابط في الأمن القومي أن عمر قد ذهب إلى سوريا، مع متظاهرين آخرين، مردداً كذبة السيسي التي أعلنها عبر البي بي سي عام 2015، ولكن بدرية ما زالت تشعر أن ابنها عمر على قيد الحياة!

بعد شروق شمس ذلك اليوم المشؤوم، امتلأ الميدان بقافلة من المدرعات العسكرية، وأغلقت جميع المخارج الرئيسية للاعتصام، وانقضت القوات المصرية بالعربات والمدرعات والقناصة والذخيرة الحية، لتقتل ما لا يقل عن 817 شخصاً في رابعة و87 آخرين في ميدان النهضة، بحسب هيومن رايتس ووتش، كما أصيب متظاهرون في سن المراهقة برصاص في الرأس والصدر، واندلع حريق هائل في خيم الاعتصام أحرقها بمن فيها وصولاً إلى مسجد رابعة العدوية القريب من المكان.

تصف بدرية السيد ذلك اليوم وهي تغالب دموعها متذكرة الجهود التي فشلت في إيجاد ابنها منذ ذلك اليوم، تقول “لقد كان كابوسًا دام عقدًا من الزمان، فالكلمات الأخيرة التي قالها لي كانت (سأذهب يا أمي إلى المنزل لا تقلقي، سأذهب لأطمئن على أصدقائي “، ولكنه لم يعد من!

تفاؤل رغم الواقع المر

تقول بدرية أنها في البداية سمعت من أحد أصدقاء عمر، أنه قد أصيب في كتفه ثم احتجزه الجيش خلال الهجوم على الميدان، فحاولت الوصول إلى أي خبر عنه عبر الجيش لكن دون جدوى، فقامت ببذل جهود للعثور عليه من خلال التقصي في المستشفيات والمشارح ومراكز الشرطة، حتى وصلت لدرجة تحليل الحمض النووي، ولكن النتيجة جاءت سلبية بعد 9 شهور، تقول “كان املاً حقيقياً، عمر لم يمت أبداً”.

بعد إعلان فوز السيسي عام 2014 في انتخابات تمت إدانتها على نطاق واسع ووصفت بالصورية، توجهت بدرية إلى سجن العزولي بعد أن سمعت بوجود ابنها في السجن العسكري سيء السمعة شمال شرق القاهرة، حتى تم وصفه بأنه “غوانتانامو المصري”، حيث يتم فيه احتجاز المختفين قسرياً أو المختطفين، ويتعرضون للتعذيب الشديد لإكراههم على الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها!

 “في الوقت الذي وقعت فيه مصر على اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، كان يجب أن توقع على الاتفاقية الأخرى المتعلقة بالاختفاء القسري أيضاً كشرط أساسي لتحقيق العدالة” – حليم حنيش- محامي مصري

أخبر أحد النزلاء في السجن، ويدعى عبد العزيز، بدرية بوجود ابنها هناك، لكن مسؤولي السجن قابلوا طلبها بالنفي والسخرية، لكن لاحقاً، تلقت مكالمتين هاتفيتين من رقم غير معروف أعادتا لها بعض الأمل، تقول “الرجل في الهاتف عرف عن نفسه بأنه الرائد أدهم من مقر الأمن القومي ووعدني بحل الأمر”، ولكن عندما أعطته معلومات عن عمر لم تسمع منه مرة أخرى!

وبعد فترة، أخبرها ضابط في الأمن القومي أن عمر قد ذهب إلى سوريا، مع متظاهرين آخرين، مردداً كذبة السيسي التي أعلنها عبر البي بي سي عام 2015، ولكن بدرية ما زالت تشعر أن ابنها عمر على قيد الحياة!

أصبح الاختفاء أمراً معتاداً!

وفقاً للمحامي والباحث الحقوقي المصري، حليم حنيش، فإنه “لا يوجد إحصاء واضح لعدد المختفين قسرياً سواء يوم مجزرة رابعة أو ما بعدها”، أما مرصد حقوق الإنسان في لندن، فقد وثق أكثر من 400 حالة لأشخاص اختفوا من ميدان رابعة والنهضة، لكنه يرشح أن يكون العدد أكبر من ذلك بكثير.

وعند مقارنة الوضع في مصر مع الأرجنتين بعد انقلاب عام 1976 بقيادة الجنرال خورخي فيديلا، يرى المحامي حنيش، المتابع للقضية عن كثب، أن “المسألة أكثر خطورة في مصر، فالاختفاء القسري أصبح إجراءً معتادًا”، وأضاف ” 90-95 % من المعتقلين تعرضوا لجريمة الاختفاء القسري”.

وعلى غرار حال الأمهات الأرجنتينيات اللواتي تظاهرن للمطالبة بمعلومات عن أبنائهن، تم استهداف الأهالي المصريين الذين يسألون عن أولادهم أيضاً، مثلاً، المحامي إبراهيم متولي، الذي اختطف ابنه عمر بعد رابعة، تم اختفاؤه في مطار القاهرة عام 2017 قبل أن يستقل طائرة متوجهة إلى جنيف، وتقول زوجته سناء أحمد أن زوجها لم يتوقف عن البحث عن ابنهما، “أريد ابني حتى لو كان ميتاً، لدي الحق في زيارة قبره”، مضيفة أن آخر محادثة بينها له على الإطلاق تجعلها تبكي.

“أريد فقط أن يرجع ابني”

يوم 14 أغسطس عام 2013، عند الواحدة صباحاً على وجه التحديد، جلست سناء مع ابنها داخل إحدى خيام رابعة يتناولون آخر وجبة معاً، بعد ساعات، هاجمهم الجيش المصري، واختفى عمر منذ ذلك الحين إلى مصير غامض حتى اليوم.

مثل بدرية، ظلت سناء متشبثة بأمل العثور على ابنها على قيد الحياة، تقول “أريد فقط أن يرجع ابني”. 

وفقاً لمؤسسة الشهاب لحقوق الإنسان، فقد تجاوز عدد حالات الاختفاء القسري 15 ألف حالة منذ يوليو عام 2013، وهو رقم تنفيه الحكومة المصرية، أما المحامي حنيش فيؤكد أن العقبة الرئيسية أمام عائلات المختفين هو أن مصر لم تصدق على اتفاقية الأمم المتحدة لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري أو الاختطاف، وأن قوانينها المحلية لا تجرم ذلك بشكل واضح وتكتفي  بل حتى لا تقوم بتعريفه!

يذكر أن المادة 54 من الدستور المصري تنص على أنه “لا يجوز” القبض على الأفراد أو حبسهم دون أمر قضائي، وأنه “يجب تمكينهم على الفور من الاتصال بأقاربهم ومحاميهم، ويجب أن يمثلوا أمام سلطة التحقيق في غضون 24 ساعة من وقت تقييد حريته / حريتها”.

ومع ذلك، فحوادث الخطف مستمرة، ففي مايو 2023، اختفى الناشط الطلابي معاذ الشرقاوي، قسرياً لمدة 23 يوماً قبل أن يمثل أمام النيابة العامة.

ويقول حنيش أنه “في الوقت الذي وقعت فيه مصر على اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، كان يجب أن توقع على الاتفاقية الأخرى المتعلقة بالاختفاء القسري أيضاً كشرط أساسي لتحقيق العدالة”.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة