بعد انقضاء أكثر من 70 يومًا على العدوان الإسرائيلي، توقفت المستشفيات عن العمل في كافة أرجاء قطاع غزة بما فيها مستشفى العودة في الشمال ومجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة، مما ألحق أضراراً مأساويةً بالنازحين الفلسطينيين الذين يعانون من أمراض مزمنة.
وتوفي خليل أبو ضلفة، 68 عاماً، في 19 كانون الأول / ديسمبر، بعد إصابته بالفشل الكلوي الكامل الذي تفاقم بسبب عدم القدرة على إجراء غسيل الكلى بشكل منتظم.
وأوضحت نور زوجة ابن أبو ضلفة أنا حماها أصيب بارتفاع ضغط الدم المزمن والسكري من النوع الثاني حين كان في العشرينات من عمره، ثم تطورت الامراض معه حيث بتر إصبع قدمه بعد إصابته بالغرغرينا قبل أن يتعرض قبل عامين لمضاعفات أثرت على القلب والكلى، حيث تم تشخيص إصابته بالفشل الكلوي.
ظل أبو ضلفة يخضع لغسيل الكلى في مستشفى الشفاء ثلاث مرات في الأسبوع، وكان يقضي أربع ساعات في كل جلسة، وقد أرهقته هذه العملية، خاصة وأنه “كان بحاجة إلى الالتزام بنظام غذائي صارم”، وفقاً لنور.
وفي 9 تشرين الأول / أكتوبر، اضطر أبو دلفا وستة من أفراد عائلته إلى ترك منزلهم في منطقة المقوسي شرق غزة والانتقال إلى منطقة النفق للنجاة من القصف الإسرائيلي المدمر.
ومع ذلك، فقد واصل غسيل الكلى في مستشفى الشفاء، قبل أن ينتقل إلى مستشفى ناصر بعد نزوحه إلى خان يونس في 19 تشرين الأول / أكتوبر، حيث طوقت الدبابات الإسرائيلية المستشفى واقتحمته.
وفي 6 كانون الأول / ديسمبر، نزحت الأسرة مرة أخرى إلى رفح، مما اضطر أبو ضلفة إلى طلب العلاج في مستشفى أبو يوسف النجار.
وشرحت نور ظروف حياة العائلة الصعبة أثناء النزوح في رفح، حيث تجمع 40 نازحاً من خمس عائلات في منزل واحد كانوا جميعاً يعانون من شح الغذاء الذي حرم حماها من الالتزام بنظامه الغذائي.
وأشارت السيدة الفلسطينية إلى أن الأطباء اضطروا إلى تقليل جلسات غسيل الكلى إلى أربع ساعات أسبوعياً بدلا من 12 ساعة بسبب ازدحام المرضى ما أدى إلى تراكم اليوريا والسوائل في جسد أبو ضلفة الذي دخل في غيبوبة يوم 17 كانون الأول / ديسمبر وتوفي بعد يومين.
وذكر محمد عبسي استشاري أمراض الكلى، أن ضعف عمليات غسيل الكلى غالباً ما تعرض المرضى للوفاة بالسكتة القلبية بسبب زيادة نسبة البوتاسيوم وتركيز الأحماض في الدم.
وأوضح: ” حامضية الجسم ترتفع مع الجوع، وإذا لم يتم غسيل الكلى بشكل متكرر فإن مرضى غسيل الكلى سيعانون من زيادة حمل السوائل مما يؤدي إلى الاختناق والوفاة”.
وزاد عدد الشهداء في غزة عن 20 ألفاً وأكثر من 53 ألف جريح، فيما بلغ عدد النازحين أكثر من 1.9 مليون فلسطيني ودمرت البنية التحتية الحيوية للقطاع.
وفي حالةٍ أخرى، تم تهجير محمد أبو عيشة يوم 20 تشرين الأول/أكتوبر وهو مريض يبلغ من العمر 82 عامًا ويتلقى رعاية في مرحلة الاحتضار من منزله في مدينة غزة.
وقالت حفيدته إيناس، وهي طبيبة تبلغ من العمر 30 عاماً وتقيم في المملكة المتحدة أن جدها وجدتها قاما باللجوء إلى منزل لأحد أقاربهم وسط غزة بسبب القصف المكثف.
وأضافت: ” لقد وجدا نفسيهما مع عشرات الأشخاص في منزل واحد، ويتشاركون في مرحاض واحد، ولا يحصلون على مياه صالحة للشرب، وما يتوفر لهم من طعام كان محدوداً للغاية”.
وأوضحت أن صحة جدها تدهورت خلال الأشهر القليلة الماضية، ” وكان من المقرر أن يتم إدخاله إلى دار رعاية المسنين” قبل أن يصبح ذلك مستحيلاً بعد العدوان على غزة.
وقبل السابع من أكتوبر، كان على أبو عيشة أن يتبع نظاماً غذائياً يتضمن البروتين، لكنه أخذ يستهلك الأرز بشكل أساسي نظرًا لندرة الطعام بعد القصف.
وتابعت إيناس: ” وصل فقدان وزنه إلى نقطة حرجة، واقترب من الإصابة بالدنف، وكان يعاني من مرض السكري من النوع الثاني وارتفاع ضغط الدم، لكنه لم يتمكن من الحصول على العلاج”.
وأضافت: ” لم نتمكن من الحصول على الأدوية الأساسية، بما في ذلك الأنسولين، ولم نتمكن من الوصول إلى أي مرافق طبية للحصول على الرعاية الصحية المناسبة”.
واجه أبو عيشة مضاعفات تقرحات الفراش في أسفل ظهره ومؤخرته وساقيه، ولم يتمكن من الحصول على المضادات الحيوية أو الضمادات المناسبة.
وزاد من تعقيد حالته أن المستشفيات في منطقته كانت مشغولة بالكامل بالتعامل مع الجرحى بسبب الحرب المستمرة، مما أدى إلى إطالة معاناته.
وأوضحت إيناس: ” في 27 تشرين الأول / أكتوبر توفي وكان السبب المحتمل للوفاة هو تعفن الدم بسبب تقرحات الفراش الشديدة التي لم يتم علاجها”.
وختمت: ” بسبب القصف المستمر والعنيف، لم يحالف الحظ والدتي لإلقاء نظرة الوداع على والدها الحبيب”.