منذ ولادته قبل أكثر من عامين، يعيش زياد دون أي جنسية رسمية رغم استحقاقه للجنسية المصرية بحكم ولادته لأبوين مصريين، وفقاً لما ينص عليه القانون في مصر.
زياد هو واحد من تسع حالات وثقها موقع ميدل إيست آي، وربما يكون واحداً من عشرات الأطفال المصريين الذين ولدوا في تركيا ومازالوا يكافحون للحصول على شهادات ميلاد تؤكد جنسيتهم المصرية.
تشترط مصر إصدار شهادات الميلاد من قبل سلطاتها لمنح مواطنتها للمولودين في الخارج، الأمر الذي يترك أسر المواليد التي لا تستطيع تسجيل أبنائها في مصر عاجزة عن الحصول على الخدمات في البلد المضيف.
وفي الوقت نفسه، يتطلب الحصول على الإقامة أو الجنسية التركية وثائق من البلد الأصلي لمقدم الطلب، حتى للأطفال الأجانب المولودين في تركيا.
كانت تركيا وجهة مفضلة للمعارضين السياسيين المصريين الذين فروا من إجراءات عبد الفتاح السيسي ضد معارضي الانقلاب الذي أوصله إلى السلطة عام 2013.
وقد حصلت يمنى، والدة الطفل زياد على شهادة من المستشفى تؤكد وضعه كطفل ولد على الأراضي التركية لأبوين مصريين.
قامت يمنى بترجمة الشهادة إلى اللغة العربية في القنصلية المصرية بإسطنبول وأرسلتها إلى والدها في مصر لاستخراج شهادة ميلاد رسمية لزياد من الإدارة العامة للجوازات والهجرة والجنسية بالعباسية بالقاهرة، دون أن يتمكن من ذلك رغم جهوده المضنية.
وتقول يمنى أن والدها استفسر عن حالة الأوراق خلال زيارته الأخيرة لإدارة الجوازات، فقيل له:” الأمر ليس في أيدينا، انها مع الأمن الوطني، اذهب إليهم.”
وتنص المادة السادسة من الدستور المصري على أن “الجنسية حق لمن ولد لأب مصري أو أم مصرية، والاعتراف القانوني بهم ومنحهم الوثائق الرسمية التي تؤكد بياناتهم الشخصية حق يكفله القانون وينظمه.”
لكن يبدو أن هذا الحق لا ينطبق على العديد من الأطفال المصريين المولودين في تركيا، الذين تتسم متابعة قضاياهم في مصر بالتعقيد.
إذ تنصح يمنى والدها الذي اعتقل سابقًا لمشاركته في الاحتجاجات على انقلاب عام 2013 بعدم الإلحاح في متابعة موضوع حفيده كي لا يتعرض للاعتقال مجدداً.
ومثل حالة يمنى، لم تتمكن إيمان المقيمة في تركيا أيضاً من الحصول حتى الآن على شهادة ميلاد لابنتها البالغة من العمر عامين رغم استعانتها بأقاربها لمتابعة الأمر داخل مصر.
وقالت:” توقفنا عن المتابعة في العباسية بسبب إرهاق والدتي المسنة من الرحلة”، مضيفة أن شهادة ميلاد ابنتها ظلت عالقة في مرحلة “التصريح الأمني” لسنوات.
ورغم حضور البعد السياسي في مثل هذه القضايا، إلا أن إيمان تؤكد أنها بعيدة هي وزوجها “عن أي مشاكل سياسية تسبب هذا التأخير”.
وقالت امرأة ثالثة تدعى رفيدة، اختارت مثل يمنى وإيمان عدم الكشف عن اسمها الكامل خوفا من العواقب، إن طلبها للحصول على شهادة ميلاد لابنتها عالق كذلك في مرحلة “الموافقة الأمنية”.
لكن العقبات البيروقراطية تحول دون حصول مصريين آخرين في تركيا على أي وثيقة رسمية، حيث تؤكد يمنى أن أحد موظفي القنصلية المصرية في إسطنبول طلب منها العودة إلى مصر للحصول على الوثائق التي تريدها.
وتملك مصر سجلاً حافلاً في اعتقال من تعتبرهم معارضين سياسيين لدى وصولهم إلى بلادهم.
و يتعين على يمنى العودة لمصر بوثيقة سفر مؤقتة بسبب انتهاء صلاحية جواز سفرها الأمر الذي يستدعي تعرضها لفحوصات أمنية إضافية عند الوصول إلى القاهرة.
وباعتبارها ابنة معتقل سياسي سابق له سجل في العمل من أجل قضايا حقوق الإنسان، فإنها مرشحة للاعتقال عند عودتها، وأضافت:” حرفياً، نحن عالقون”.
من جهتها ذكرت سيدة أخرى تدعى زينب، إنها لم تواجه مشكلة في الحصول على شهادة ميلاد لطفلها، لكن المشكلة ظهرت عندما احتاجت لتجديد جواز سفرها.
وقالت:” حصلت على شهادة ميلاد ابني من مصر خلال 14 يومًا فقط، لكن للأسف حاولت التقديم على جواز سفر لابني في القنصلية المصرية بإسطنبول منذ عامين، لكنه لا يزال معلقًا لعدم وجود موافقة أمنية”.
حياة بلا أوراق
وتتجاوز عواقب المكوث دون وثائق في تركيا القدرة على السفر لتطال الحصول على العلاج في المستشفيات الحكومية.
توضح يمنى ذلك بالقول:” وفرنا الطعوم واللقاحات لزياد عن طريق عيادة صحية رسمية لمدة ستة أشهر، لكنهم رفضوا ذلك لاحقًا بسبب عدم وجود تصريح إقامة”.
اضطرت الأم إلى تأخير بعض تطعيمات طفلها حتى يتم إضفاء الطابع الرسمي على إقامته بموجب تصريح الإقامة الإنسانية، والذي استغرق الحصول عليه سنة ونصف.
وفي حالة أخرى لم تتمكن زهرة التي تبلغ من العمر ست سنوات من الالتحاق بالمدرسة لأن وثائقها لم ترسل من المصريين بعد، ثم تفاقمت مشكلتها بعد إلغاء إقامتها الإنسانية في تركيا لسبب غير مفهوم.
تحولت المشاكل التي يواجهها المصريون في تركيا نتيجة للبيروقراطية الحكومية إلى قضية عامة حتى ظهرت مجموعات تعمل على مساعدة من يواجهون تلك الصعوبات.
وفي عدد من الحالات، نجحت بعض هذه المنظمات مثل مجموعة الجالية المصرية في تركيا التي تأسست عام 2018 عبر الضغط السياسي والاتصالات الشخصية، من مساعدة المصريين في الحصول على أوراق الإقامة التركية التي يحتاجون إليها.
وقال نادر فتوح، عضو مجلس الجالية ورئيس اللجنة الإعلامية، إن “هناك مشكلة عامة مع القنصلية المصرية بإسطنبول في الحصول على الوثائق الرسمية”.
وأضاف:” معظم الأوراق متوقفة وجوازات السفر وبطاقات الهوية والتفويضات محتجزة أو تحتاج إلى تصريح أمني من مصر”، موضحاً أن القنصلية تعتبر المعارضين السياسيين المصريين المقيمين في تركيا “خصوما”.