أعمال الشغب في بريطانيا… صعود مشؤوم للعنصرية البيضاء في البلاد

بقلم جون هولموود

ترجمة وتحرير مريم الحمد

لقد كانت الاضطرابات العنيفة الأخيرة التي شهدتها المملكة المتحدة والتي قادها الغوغاء اليمينيون المتطرفون في البلاد، موضع استنكار من قبل أطياف واسعة في المجتمع البريطاني، ولكن ذلك لم يمنع أن القلق حول تعليقات محافظين وليبراليين في الإعلام على حد سواء،  الأمر الذي يطرح أسئلة حول الأسباب الكامنة وراء ذلك.

لقد تم تعريف أعمال الشغب بشكل مختلف هذه المرة، باعتبارها فشلاً في التعددية الثقافية أدى إلى فشل بعض المجتمعات في الاندماج، مضافاً إليه الضيق الذي تعاني منه مجتمعات الطبقة العاملة البيضاء والتي اعتبرت “مهملة”، بالإضافة إلى مخاوف حول الهجرة.

هذا السيناريو يشبه إلى حد كبير إلقاء اللوم على الضحية، فقد كان العنف موجهاً نحو منازل المسلمين وشركاتهم وأماكن عبادتهم، فضلاً عن الفنادق التي تستضيف اللاجئين وطالبي اللجوء، فهل يمكن أن يكون صحيحاً السبب الذي يدعي أن المخاوف حول قضية الهجرة والتعددية الثقافية قد تم تجاهلها أو قمعها؟!

يُنظر إلى التعددية الثقافية على أنها العامل الشرير على اعتبار أنها دعمت عنصرية الأقليات العرقية، متغافلين عن أنها دعمت في ذات الوقت العنصرية البيضاء المرضية، وهذا هو جوهر ما ينتقدونه باعتباره “يقظة” على مستوى النخب الليبرالية!

من ناحية، فإن الادعاء بأن المسلمين يعيشون حياة منعزلة بشكل ذاتي لطالما كان سمة من سمات النقاش العام السائد ولعقود من الزمن، ومن ناحية ثانية، فقد تم توضيح الحاجة إلى استيعاب اهتمامات الطبقة العاملة البيضاء على جانبي الانقسام السياسي. 

إضافة إلى ذلك، فقد تحولت قضية الهجرة من كونها مصدر قلق مع المستويات الحالية للهجرة إلى العداء تجاه مجتمعات الأقليات القديمة والمواطنين، ولذلك فإن الادعاء بأن التعددية الثقافية هي السبب قد فشل أمام التدقيق وفق هذه المعطيات.

ببساطة، لم يسبق لأي حزب سياسي أن اعتنق التعددية الثقافية، حيث بدأ استخدام هذا المصطلح لأول مرة في أروقة السياسة البريطانية بعد نشر تقرير باريخ عام 2000، والذي دعا إلى اتباع نهج تعددي في التعامل مع التنوع الثقافي، حيث تتمتع المجموعات المختلفة ذات التاريخ المختلف، بحق متساوٍ في تحديد ما يعنيه أن تكون بريطانياً داخل دولة واحدة وهو الالتزام المشترك بالمعايير المدنية.

رفضت حكومة حزب العمال آنذاك هذا التقرير، كما رفضته الحكومات اللاحقة، وقد أعلنها ديفيد كاميرون عام 2011 حين قال أن “التعددية الثقافية المدعومة من الدولة قد فشلت”.

“العنصرية”

السؤال هنا، ما هو الشيء الذي تم وصفه بالتعددية الثقافية وفشل؟! وهنا يمكننا التوقف عند تفكير الأكاديميين اليمينيين مثل مات جودوين وإيريك كوفمان، بالإضافة إلى إعلاميين بارزين مثل دوغلاس موراي.

عبر برنامج المتاهة الأخلاقية الذي تبثه البي بي سي وفي أعقاب الاضطرابات الأخيرة، حرص جودوين في كلامه على التمييز بين العرق البريطاني والجنسية البريطانية، مشيراً إلى أن الأقليات العرقية يُنظر إليها كمواطنين، لكنها لا يمكن أن تكون بريطانية من حيث العرق.

ماذا يقصد بارتباط الأقليات بـ “تقاليد وثقافة الأغلبية”، فاعترافه هذا قد يعني حرمان الأقليات من أساليب حياتهم “غير المألوفة” بالنسبة للأغلبية

لقد كان هدف جودوين من هذا التمييز هو الدفاع عما أسميه “العنصرية”، وتحديداً “العنصرية البيضاء”، أو ما يسميه كوفمان “المصلحة الذاتية للعرق الأبيض”، حيث يقترح كلاهما أن الأقليات العرقية قد نظمت نفسها من خلال هوياتها العرقية وسعياً لتحقيق مصالحها الذاتية، مما تسبب في حرمان الأغلبية البيضاء خاصة الطبقة العاملة البيضاء من نفس الفرصة.

ضمن هذه النظرية، يُنظر إلى التعددية الثقافية على أنها العامل الشرير على اعتبار أنها دعمت عنصرية الأقليات العرقية، متغافلين عن أنها دعمت في ذات الوقت العنصرية البيضاء المرضية، وهذا هو جوهر ما ينتقدونه باعتباره “يقظة” على مستوى النخب الليبرالية!

هناك خلل عميق في التمييز بين العرق والمواطنة، صحيح أن الأقليات المختلفة وليس الأقليات العرقية فقط، قامت بتنظيم نفسها بشكل جماعي لتحقيق مصالحها، إلا أن ذلك جاء بشكل طبيعي تحت مسمى المساواة في الحقوق والمعاملة المتساوية، أي حقوقهم كمواطنين.

ولم تسعَ تلك الأقليات إلى إنكار الحقوق المتساوية للآخرين، لأن مطالباتها ترتكز أصلاً على معالجة الظلم وعدم المساواة، ولذلك يمكنها أن تحظى بدعم الآخرين وصولاً إلى التعبير عنها في التدخلات الحكومية!

“قيم الأغلبية”

بدأت تيريزا ماي رئاستها للوزراء في يوليو عام 2016 على التزام “محاربة الظلم الشديد”، الذي شمل الظلم الذي واجهه السود وأيضاً الظلم بين الجنسين التي واجهها الأولاد البيض من الطبقة العاملة.

كما استصعب الرجال البيض زيادة مشاركة المرأة في الحياة العامة، فإن المشاركة المتزايدة للأقليات العرقية تعتبر بمثابة مزيد من النزوح المحتمل بالنسبة لهم، فليست مشكلتهم التحدث في أماكن مختلفة، لكن صوتهم لم يعد هو الصوت السائد، لذلك يشعرون بالإلغاء!

لقد أقرت ماي بوجود نظام عدالة من مستويين، ولكن ليس بالطريقة التي يجادل بها اليمين الآن، حيث قالت: “إذا كنت أسوداً، فإن نظام العدالة الجنائية يعاملك بقسوة أكبر مما لو كنت أبيضاً”، أما جودوين ورفاقه، فيعتقدون أن “الأبيض” لا يحصل على نفس القدر من المساواة، ويقدمون ذلك من خلال منطق “فقدان المألوف” المرتبط بالتغير الديموغرافي.

كتب جودوين يقول: “في السنوات الأخيرة، تفاقم هذا الشعور بالخسارة إلى حد كبير ليس فقط بسبب معدلات الهجرة الجماعية التي لم يسبق لها مثيل في تاريخنا، ولكن أيضاً بسبب نموذج التعددية الثقافية الفاشل والذي يسمح للأشخاص من الأقليات بالحفاظ على هويتهم وثقافتهم وسلوكياتهم وأساليب حياتهم وتعزيزها، بينما يقومون بتوبيخ أو قمع الأشخاص من الأغلبية عندما يحاولون فعل الشيء نفسه”.

أضاف جودوين أن “المخاوف بشأن تراجع الأغلبية والتغير الديموغرافي لا تستحوذ عليها الأغلبية فحسب، بل يتقاسمها الأشخاص من مجموعات الأقليات الذين غالباً ما يشعرون بنفس القدر من الارتباط بتقاليد مجموعة الأغلبية وثقافتها وقيمها وأساليب حياتها، ولذلك أشعر بنفس القدر من القلق والحيرة والقلق عندما يكون هذا في تراجع أو تحت التهديد”.

ماذا يقصد بارتباط الأقليات بـ “تقاليد وثقافة الأغلبية”، فاعترافه هذا قد يعني حرمان الأقليات من أساليب حياتهم “غير المألوفة” بالنسبة للأغلبية.

هناك سؤال مهم أيضاً، ما هي “قيم الأغلبية” التي يؤيدها جودوين؟! فهي لا يمكن أن تكون “القيم البريطانية الأساسية” التي يتم تدريسها الآن في جميع المدارس الإنجليزية، وهي الالتزام بالديمقراطية وسيادة القانون والحرية والاحترام المتبادل والتسامح بين تلك الأديان والمعتقدات المختلفة، فعلى الرغم من وصفهم بأنهم “بريطانيون”، إلا أن هذه القيم بالنسبة لجودوين تعبر عن المواطنة المتساوية وهي ما يساهم برأيه في قمع “اليقظة” لدى العنصرية البيضاء.

أمر مشين

هناك أمر آخر، لماذا ارتدى بعض المهنيين البيض عباءة الطبقة العاملة البيضاء؟ إنهم يفعلون ذلك باسم “الثقافة”، ولكن يبدو أن مصلحتهم المهنية المتمثلة في الحفاظ على مناصب مميزة في الأوساط الأكاديمية ووسائل الإعلام هي التي تواجه تحدي التساوي في المشاركة.

ينظرون إليها باعتبارها هيمنة وميزة يمكن أن تحل محلها الإنجازات التعليمية للأقليات العرقية، فكما استصعب الرجال البيض زيادة مشاركة المرأة في الحياة العامة، فإن المشاركة المتزايدة للأقليات العرقية تعتبر بمثابة مزيد من النزوح المحتمل بالنسبة لهم، فليست مشكلتهم التحدث في أماكن مختلفة، لكن صوتهم لم يعد هو الصوت السائد، لذلك يشعرون بالإلغاء!

هناك أمر مشين أيضاً في هذا المشهد، فأعمال الشغب اليمينية المتطرفة أظهرت عنصرية ومعاداة للإسلام، ورغم أن العنصرية مرفوضة من قبل الأغلبية البريطانية، إلا أن العنصرية البيضاء شيء مختلف وأكثر شراً، فهم يهاجمون التعددية الثقافية والمساواة ويعاملون مجتمعات الأقليات العرقية على أن وجودها مرض.

يجب علينا أن نلاحظ أيضاً أن العنصريين البيض “يخالفون” الطبقة العاملة البيضاء ويستغلونها بعرض فكرتهم الخاصة عن هوية العرق الأبيض، فهذا إسقاط خاطئ غرضه خدمة المصلحة الذاتية المهنية للبيض فحسب!

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة