أكاديمية الملك فهد في لندن.. القصة من البداية إلى النهاية!

تتذكر منى طه محمود وداعها لوالدها عند أبواب مدرستها الجديدة، أكاديمية الملك فهد (KFA) في يوم دوامها الأول عام 1985 في لندن.

الآن أصبحت منى في الأربعينيات من عمرها وتقول وهي تتحدث من منزلها في نوتنغهام، أن والدها المصري ووالدتها الإنجليزية كانا جزءًا من مجتمع عربي وشمال إفريقي تنامى بهدوء عبر أجزاء لندن.

عمل والد منى في دار الصحافة العربية المملوكة للسعوديين في هولبورن، التي بدأت فيها طباعة صحف مثل الشرق الأوسط أواخر السبعينيات. 

كان الأكاديميون والفنانون والأطباء وأثرياء النفط الجدد يسعون إلى ترسيخ وجودهم في المملكة المتحدة بحثًا عن فرص أفضل أو بغية الهروب من الضبابية السياسية في بلدانهم.

احتاج هؤلاء جميعًا إلى مدارس لأطفالهم، فقدمت أكاديمية الملك فهد التي كانت قد افتتحت حديثًا ما كانوا يبحثون عنه.

وتوضح منى أنه “لم تكن هناك خيارات كثيرة في ذلك الوقت”، وكانت هناك جماعة إسلامية، يديرها يوسف إسلام، لكنها كانت في ذلك الوقت أكثر محافظة.

وتضيف:” كان آباؤنا يبحثون عن بيئة آمنة، حيث يمكننا أن نمزج القيم الاجتماعية العربية بتعليم بريطاني جيد في بيئة إسلامية معتدلة، وقد قدمت المدرسة في ذلك الوقت أفضل ما يمكن لتحقيق ذلك”.

مدرسة لكل العرب

افتتح الملك فهد المؤسسة التعليمية مع تحسن العلاقات السعودية البريطانية بعد الحظر النفطي في السبعينيات.

اختار جميع القادة السياسيين المنفيين والدبلوماسيين ورجال الأعمال السوريين والأطباء العراقيين وقادة الإخوان المسلمين والمجاهدين المدرسة الواقعة في منطقة سكنية في شرق أكتون لتعليم أطفالهم.

وتتذكر عائشة الزير، وهي طالبة سابقة أخرى أن والدها حصل على عمل كمدرس للغة العربية في المدرسة عند افتتاحها، بعدما وصل إلى المملكة المتحدة من حلب السورية عام 1980، حيث ولدت عائشة.

وتضيف:” لقد سمح لنا أن نشعر بالثقة في هويتنا كمسلمين وكأطفال بريطانيين “.

وفي عام 1990، غزا صدام حسين الكويت، فتدفق العشرات من الأطفال الكويتيين على أبواب الأكاديمية التي كانت آنذاك قد استحوذت بالفعل على مبنى آخر في إيلينغ، لتعليم الفتيات في المرحلة الثانوية.

تتذكر الزير أن الأطفال الكويتيين كانوا يحظون بمعاملة تفضيلية، ولا تنسى الشارات التي كانوا يصنعونها والتي تقول” الكويت حرة “، كما تتذكر الأطفال العراقيين الذين كانوا يسخرون من تلك الشارات.

أما بالوشا أمانيار، وهي تلميذة أخرى انضمت إلى المدرسة عندما افتتحت لأول مرة فقد كان والدها محمد أشرف أمانيار رئيس المجاهدين الأفغان في أوروبا.

وتقول أمانيار، التي تعمل الآن مدرسًة للغة الإنجليزية كلغة ثانية (ESOL) “تم وضعي في نفس الفصل مع أختي التي كانت تكبرني بأربع سنوات، كان الجميع يعرفون بعضهم البعض وشعروا وكأنهم أسرة”.

“سوء الإدارة”

كان إغلاق المدرسة بعد 38 عامًا بمثابة صدمة للمدرسين العاملين هناك، ولما يقرب من 500 طالب مسجل.

ففي أيار / مايو وجه مجلس الأمناء، برئاسة السفير السعودي الأمير خالد بن بندر بن سلطان بن عبد العزيز آل سعود رسالة إلى أولياء الأمور أكد فيها إغلاق المدرسة “بأسف شديد”.

وقال إن المملكة العربية السعودية أعادت النظر في تمويل المدرسة بعد تغيير في سياستها التعليمية، وأنه “لن يتم توفير التمويل بدءاً من نهاية العام الدراسي الحالي”.

ترك هذا الإعلان الآباء والطلاب في حالة من الاضطراب، في محاولة يائسة لتأمين مدارس جديدة للعام الدراسي التالي.

“لقد تمت إدارتها بشكل سيئ، يمكنهم تحمل نفقات رعاية لاعبي كرة القدم لكن لا يمكنهم تمويل مدرستنا”. ولي أمر طالبين في أكاديمية الملك فهد

لم يرغب الوالد في الكشف عن اسمه خشية لتداعيات ذلك عليه مثل منعه من السفر للحج أو العمرة.

وسخرت مواقع التواصل الاجتماعي من قدرة البلاد على الاستثمار في لاعبي كرة القدم مثل رونالدو، في الوقت الذي لم تحافظ على التزاماتها التعليمية.

وتُظهر أحدث حسابات المدارس في Companies House لعام 2021 استثمارًا قدره 6،437،909 جنيه إسترليني (8،427،544 دولارًا أمريكيًا) من الحكومة السعودية، بالإضافة إلى 456،624 جنيهًا إسترلينيًا (597،743 دولارًا أمريكيًا) في الرسوم الدراسية من الأطفال غير السعوديين الملتحقين بالمدرسة، حيث يحصل الأطفال السعوديون على التعليم فيها مجاناً.

وتظهر التقارير أن فائض المدرسة المالي بلغ في نهاية العام 119،298 جنيه إسترليني (156،168 دولارًا أمريكيًا)، وأن الأمناء كانوا “واثقين من أن الأكاديمية لديها موارد كافية لتنفيذ مهامها الحالية في المستقبل المنظور”.

اختلطت مشاعر خريجي الأكاديمية مع انتشار الأخبار عن إغلاقها، فقد رأى البعض أن الوقت قد حان لذلك فعلاً، بينما لا يزال آخرون يتوقون لأيام المدرسة القديمة، لكنهم اتفقوا جميعًا على أن المدرسة قد بنت شبكة عائلية وصداقات دائمة في عالمها المصغّر.

عند نشأة الأكاديمية، تم تدريس اللغة العربية والدراسات الإسلامية جنبًا إلى جنب مع المناهج البريطانية، واعتاد الطلبة على تتبع الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم في وقت الاستراحة وعلى أداء صلاة يومية في مسجد المدرسة.

وتؤكد مروة البرهامي، التي درست في المدرسة في التسعينيات، وعادت للتدريس هناك بنفسها بعد سنوات ” كنا جميعاً مسلمين لكننا لم نكن مجموعة متجانسة، ولكن لم يكن هناك أي حكم على الإطلاق، كان هذا هو جمالها.”

عملت الرئيسة السابقة لأكاديمية الملك فهد، ابتسام البسام، والسفير الراحل غازي القصيبي معًا لمدة عشر سنوات، 1992-2002، للتركيز على التميز التعليمي.

وتقول برهامي:” بحكم العلاقات الدبلوماسية بين السعودية والمملكة المتحدة، كان لدينا ضيوف مميزون مثل مارجريت تاتشر أو جون ميجور الذين كانوا يقدمون لنا جوائز في المناسبات الخاصة”.

ولكن مع تغير قيادة المدرسة، تغير اتجاهها أيضًا، حيث تضيف برهامي:” لقد غيروا المناهج، واتخذوا منهجًا سعوديًا، واستبعدوا بذلك قاعدة طلابية أوسع، لقد كانت بداية النهاية”.

وخلال عام 2007، اتُهمت المدرسة باستخدام كتب مدرسية سعودية لتعليم الكراهية، وهو ادعاء ينفيه كل من المعلمين والطلاب.

فقد أصرت سمية اليوسف، مديرة المدرسة في ذلك الوقت، على أن الطلاب لم يتعلموا أبدًا الكراهية الدينية أو التعصب.

وفي عام 2020، اعتمدت أكاديمة الملك فهد التعليم المختلط لأول مرة في تاريخها، لقد كان ذلك تغييرًا ثقافيًا ورمزيًا كبيراً، فتدفق الطلاب في قوائم انتظار للالتحاق بالمدرسة.

لكن هذا لم يكن كافيًا، فقد تم اتخاذ القرار بإغلاق المدرسة بالفعل، حيث تقول برهامي:” لم يتمكن أحد من العثور على الصيغة الرابحة مرة أخرى، والمدرسة التي تألقت في الثمانينيات والتسعينيات أصبحت لغزًا”.

الإصلاحات التعليمية السعودية

ركز التعليم السعودي تقليديًا على دراسة اللغة العربية والقرآن والشريعة، المعروف باسم نظام الكتاب، ولم تقدم المملكة شكلاً أكثر تنظيماً للتعليم حتى عام 1925، وفقاً لورقة نُشرت عام 2020 من قبل تيسير ميرغني، الأكاديمي بجامعة ديربي.

ومع إطلاق رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان 2030، وضعت المملكة الإصلاحات التعليمية على رأس أولوياتها، وخصصت لذلك 22 مليار دولار لمراجعة الكتب المدرسية وتدريب المعلمين وتشجيع التفكير النقدي وتقديم منح دراسية لآلاف الطلاب السعوديين للالتحاق بالجامعات الرائدة في جميع أنحاء العالم.

وبينما أغلقت الأكاديمية أبوابها الحديدية الخضراء للمرة الأخيرة في أوائل شهر تموز/ يوليو، قالت محمود:” إنه لأمر عجيب أن لا تشملها الاستثمارات والإصلاحات التعليمية والأكاديمية”.

للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة