بقلم بيتر أوبورن وعمران ملا
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
من المقرر أن تشهد الهند، خلال الربيع المقبل، أهم انتخابات عامة في تاريخها في سباق سيحدد ما إذا كانت البلاد ستواصل الانحدار نحو التعصب الأعمى والاستبداد، أو ستعود إلى التقاليد التعددية الغنية التي كانت سائدة في السابق.
وعلى الرغم من أن الانتخابات لن تعقد قبل حلول شهر نيسان/ أبريل، إلا أن حملة رئيس الوزراء ناريندرا مودي ستنطلق فعليًا في تشرين الأول/ أكتوبر القادم، عندما تستضيف الهند، المهووسة بلعبة الكريكيت، كأس العالم.
وعلى نهج القادة الشعبويين الآخرين، يصر مودي على تحقيق الاستفادة القصوى من الميزات السياسية للحدث الرياضي.
ذلك لأن مودي أمر مؤخرًا بإنشاء أكبر ملعب كريكيت في العالم لتُلعب فيه أولى مباريات كأس العالم، فيما أعيدت تسمية الملعب ليحمل اسمه وهو ما يرسل رسالة مفادها أن فريق الكريكيت الهندي يمثل حزبه السياسي، حزب بهاراتيا جاناتا (BJP)، وليس الأمة ككل.
حتى الآن، لم يجرؤ عالَم الرياضة الدولي على مواجهة استيلاء مودي على لعبة الكريكيت الهندية، لقد حان الوقت للقيام بذلك.
تفتخر لعبة الكريكيت بالعدالة والاحترام، لكن مودي يعتبر عدواً للمؤسسات الديمقراطية وسيادة القانون في الهند، ليس هذا فقط، بل هو بذاته زعيم الحركة التي شنت هجمات قاتلة على الأقليات في الهند.
أولئك الذين يتابعون الأحداث عن كثب يتحدثون عن إبادة جماعية محتملة ارتكبت ضد 200 مليون مسلم في الهند، في الحقيقة، لا يوجد سبب وجيه للاعتقاد بأن ذلك نابع من قلق مبالغ فيه.
بوادر مبكرة للإبادة الجماعية
يخشى المسلمون في الهند على مستقبلهم، حيث يتعرضون في العديد من المناطق لهدم منازلهم تعسفياً وإلى التهديد المستمر من قبل الغوغائيين دون محاكمة.
ففي شرق ولاية آسام، سُلبت الجنسية من ما يقارب مليوني شخص، كما قتل إمامٌ يوم الثلاثاء عندما هاجم مجموعة من الهندوس اليمينيين المتطرفين مسجداً في ضواحي نيودلهي، فيما تعد مثل هذه الهجمات أمراً شائعاً.
وفي عام 2019، جُرد إقليم جامو وكشمير، الذي كان خاضعاً لاحتلال عسكري هندي امتد طويلاً، من وضعه المستقل.
وفي العام الماضي، قال جريجوري ستانتون، رئيس منظمة مراقبة الإبادة الجماعية، إن “علامات الإنذار المبكر للإبادة الجماعية موجودة في الهند”، وكان قد أصاب، في تنبؤه بوقوع الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994 قبل خمس سنوات من وقوعها.
كما وأشار ستانتون إلى أوجه التشابه بين الوضع في الهند وميانمار قبل عمليات القتل هناك.
وأظهر تقرير صادر عن مبادرة الجسر الخاصة بجامعة جورج تاون أن ثماني مراحل من كل 10 من مراحل من الإبادة الجماعية تتوفر في الهند، مع ظهور مؤشرات على أن المرحلة التاسعة، وهي الإبادة التامة، باتت ” أكثر وأكثر وضوحًا”.
وليس مستنكراً إجراء مقارنات بين الاستغلال السياسي من قبل مودي لكأس العالم هذا الخريف في الهند وأولمبياد برلين سيئة السمعة التي استضافها أدولف هتلر عام 1936.
فقد اقتنص جوزيف جوبلز، عبقري الترويج الخاص بهتلر، فرصة الألعاب الأولمبية لتحويلها إلى حدث سياسي، بينما لعب بقية العالم على نفس الوتر، مرسلاً رسالة إلى الشعب الألماني مفادها أن هتلر كان شخصية محترمة على المسرح العالمي.
ضع في اعتبارك أن مودي تلقى تكوينه السياسي في RSS (Rashtriya Swayamsevak Sangh)، وهي منظمة شبه عسكرية تضم ما يقرب من 600 ألف عضو، تأسست في عام 1925 على غرار الحركات الفاشية الأوروبية، وهي المؤيد الرئيسي للقومية الهندوسية، والتي تركز على فكرة أن المسلمين الهنود يشكلون تهديدًا خارجيًا.
ويعد حزب بهاراتيا جاناتا، في السلطة اليوم، هو الجناح السياسي لهذه المنظمة.
كان مادهاف جولوالكار، وهو أحد الشخصيات البارزة في المنظمة مؤيداً لهتلر، وأشار في عام 1939 إلى أن “تطهير ألمانيا من العرق السامي، اليهود” كان “درسًا جيدًا لنا في هندوستان (الهند) لنتعلمه ونكسب منه”.
وعلى الرغم من أن RSS نفسها تبرأت عام 2006 من أحد كتب جولوالكار، إلا أنه اليوم يحظى بالاحترام بين متابعي المنظمة.
العنف ضد المسلمين
في أولمبياد برلين عام 1936، وعلى الرغم من توفر كافة المؤشرات تقود إلى المحرقة، إلا أن القليل كان لديهم الخيال لتوقع وقوع محرقة الشعب اليهودي، والتي بدأت لاحقاً في عام 1941.
الآن، هناك بعض الإشارات الشبيهة لإبادة جماعية محتملة في الهند.
وبرغم أن هذه حالة أخلاقية طارئة إلا أن أحداً لم يلاحظها حتى الآن على ما يبدو، فقد استقبل الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي يفترض أنه زعيم العالم الحر، مودي مؤخرًا وسط ترحيب كبير في واشنطن.
ولم تكن بريطانيا أفضل حالاً، كما بينّا في وقت سابق من هذا العام، فقد فشل رئيس الوزراء ريشي سوناك في الوقوف في وجه مودي عندما شنت الحكومة الهندية غارة ضريبية، كثيراً ما ينظر إليها على أنها تكتيك تخويفي ضد بي بي سي بعد أن قامت ببث فيلم وثائقي يوضح بالتفصيل دور مودي في مذبحة المسلمين في غوجارات عام 2002.
وفي حين تفصلنا عن كأس العالم للكريكيت ثلاثة أشهر فقط، إلا أن هناك غياب لأي جدل كبير حول سجل حقوق الإنسان في الهند، وهو ما يعد أمرًا محيرًا للغاية مقارنةً بالاستعداد لكأس العالم لكرة القدم في قطر العام الماضي.
لقد كانت التغطية الإعلامية آنذاك تركز على قطر و حقوق الإنسان أكثر من تركيزها على كرة القدم، حيث قررت بي بي سي عدم بث حفل الافتتاح على الهواء مباشرة، بينما ألقى مقدم البرنامج النجم غاري لينيكر محاضرة على الهواء حول سجل حقوق الإنسان في قطر، فيما قاطع زعيم حزب العمال كير ستارمر الحدث.
من المؤكد أن قطر لديها قضايا حقوق إنسان، لكن هذه القضايا باهتة مقارنة بما يحدث في الهند اليوم، فالوضع لا زال يتصاعد يوماً بعد يوم، حيث اعتقل الشهر الماضي في غوجارات مسلمون احتجوا على هدم محتمل لضريح إسلامي وتعرضوا للجلد علنا.
كما أن المسيحيين الهنود أصبحوا عرضة للهجوم أيضاً، فمنذ أيار/ مايو، قتل متشددون هندوس أكثر من 100 مسيحي في شمال شرق مانيبور، ودمروا الكنائس وشردوا 50 ألف شخص في حملة إرهابية وحشية.
ولم يكن هذا العنف ضد المسلمين بعيدا عن ملعب الكريكيت، فقد ألقت الشرطة الهندية القبض على مسلمين بزعم دعمهم لفريق الكريكيت الباكستاني بعد فوز باكستان على الهند في إحدى مباريات كأس العالم T20 قبل عامين.
وفي كشمير التي تحتلها الهند، تم رفع دعاوى جنائية ضد طلاب في كليتين طبيتين لاحتفالهم بفوز باكستان، حتى أن ثلاثة طلاب كشميريين سُجنوا بتهمة التحريض على الفتنة لمدة ثلاثة أشهر لإرسالهم رسائل لدعم باكستان عبر الواتساب.
لكي نكون منصفين، تصرف لاعبو الكريكيت في الهند بشكل جيد عندما تعرض اللاعب المسلم الوحيد في تشكيلة الهند، محمد الشامي، للإساءة على وسائل التواصل الاجتماعي، فقد دافع عنه قائد المنتخب الهندي فيرات كوهلي بشجاعة وقال: “مهاجمة شخص ما بسبب دينه هو أكثر الأمور التي يمكن أن يفعلها الإنسان إثارة للشفقة”.
لكن رئيس وزراء الهند لم يظهر الإنسانية نفسها، فسوف تستضيف أحدث أدواته الدعائية، ملعب ناريندرا مودي، المباراتين الافتتاحية والنهائية في كأس العالم، بالإضافة إلى المواجهة الهندية الباكستانية التي طال انتظارها.
يقع الملعب في ولاية غوجارات، وهي موطن مودي وموقع مذبحة عام 2002 الوحشية عندما كان يشغل منصب رئيس وزراءها.
كما استضاف مودي رئيس الوزراء الأسترالي، أنتوني ألبانيز، في استاد ناريندرا مودي في وقت سابق من هذا العام لمشاهدة مباراة استعراضية بين الهند وأستراليا، قبل محادثات رسمية بين الزعيمين اللذين قاما بجولة شرفية حول الملعب في عربات تجرها الدواب حيث التقطا الصور مع قادة الفريق، وأهدي مودي صورة له وضعت في إطار.
وعلق على ذلك جدعون هاي، الصحفي البارز في صحيفة The Australian، بمقال مؤثر يتساءل فيه “لماذا نتسامح مع غير المتسامحين؟” ولفت الانتباه إلى الطريقة التي أفسد بها حزب مودي الـ بهاراتيا جاناتا حكم الكريكيت الهندي.
ولطالما أتُهم مجلس مراقبة لعبة الكريكيت في الهند (BCCI)، بخدمة المصالح الحزبية لحزب بهاراتيا جاناتا، حيث إن سكرتير المجلس هو جاي شاه، نجل وزير الداخلية أميت شاه، و أمين الصندوق هو أشيش شيلار، وهو سياسي بارز من حزب بهاراتيا جاناتا.
كما أن شيلار حرص على شكر مودي وأميت شاه، من بين آخرين، “على توجيهاتهم” عندما حصل على المنصب في أكتوبر 2022.
من المسلّم به، أن حكومة حزب بهاراتيا جاناتا سوف تستخدم كأس العالم للكريكيت لتعزيز شعبيتها، فهل نريد حقًا مساعدة مودي في تحويل حدث رياضي عالمي إلى تجمع سياسي في وقت تنقلب فيه الهند بقوة، وهي قوة عظمى عالمية وأكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، ضد الأقليات السكانية فيها؟
مع اقتراب سلسلة Ashes المثيرة من نهايتها في إنجلترا، وتحول انتباه عالم الكريكيت إلى بطولة كأس العالم القادمة للكريكيت، حان الوقت الآن لطرح السؤال.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)