بقلم إميل ألكلاي
ترجمة وتحرير مريم الحمد
لا أدري من أين أبدأ بتلخيص ما حصل منذ 7 أكتوبر! فهذا الهجوم غير المسبوق على غزة والذي لم يكن ليستمر لولا دعم ومباركة الإدارة الأمريكية وحلفائها الغربيين، هو أشبه باختبارات أسلحة طالما كانت سمتاً للقوى الغربية.
يشمل ذلك الاستخدام الإسرائيلي لبرامج الذكاء الاصطناعي مثل “لافندر” لزيادة قدرات الاستهداف إلى مستويات لم يتم تحقيقها من قبل، والتدمير الشامل للجامعات والمدارس والمستشفيات والمرافق الصحية ومحطات معالجة المياه والأراضي الزراعية والشوارع والطرق والمنازل وجميع البنية التحتية الضرورية للحياة المدنية، وحجب الدواء والعلاج واستخدام المجاعة كأداة للحرب.
من خلال دفاعهم عن “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، فقد قام المدافعون السابقون عن حرية التعبير وأنصار أمريكا بتمزيق الدستور والدوس فعلياً على سيادة الولايات المتحدة وقانونها
لا أدري من أين نبدأ حتى بفهرسة هذه الأحداث! من المقابر الجماعية والجثث التي لا تزال مدفونة تحت الأنقاض، أم من أسر وتعذيب الأطباء والممرضات والممرضات والاغتيالات التي تستهدف الأكاديميين والشعراء، ناهيك عن المهندسين والصحفيين وعمال الإغاثة وسائقي سيارات الإسعاف وموظفي البلدية والشرطة وأولئك الذين يبحثون عن الطعام أو الاتصال بالإنترنت، أم من أطفال يلعبون؟!
كل هذا يرتكبه الجيش الأكثر تقدماً من الناحية التكنولوجية في العالم، ويدفع ثمنه دافعو الضرائب الأمريكيون!
إن من يبعث برسائل الأمل عن أداء الإدارة الأمريكية إنما يشتري المزيد من الوقت لهذا الدمار والإبادة الجماعية، في حين يتجاهل الأدلة المستمرة منذ عقود على البنية التحتية العميقة التي جعلت كل هذا ممكناً، وبينما يستعد الكونغرس الأمريكي لاستقبال مجرم الحرب المعترف به دولياً، بنيامين نتنياهو، يبدو أن الجمباز الإيديولوجي المتقن الذي يمارسه الناخبون الأمريكيون من الحزبين يتحدى قوانين الجاذبية!
الدوس على سيادة القانون
بعد تكشف حقيقة أن وسائل الإعلام لا تميل في حقيقتها إلا إلى جيوب مموليها، استحوذت أشكال جديدة من التعبير عن الأسباب والهوية في جميع جوانب الحياة السياسية الأمريكية، تخلى فيها السياسيون تماماً عن أي ادعاء بتمثيل ناخبيهم، فأصبحت الدوافع مبنية على كل ما يمكن تخيله ما عدا المبدأ الأخلاقي!
أولاً، ومن خلال دفاعهم عن “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، فقد قام المدافعون السابقون عن حرية التعبير وأنصار أمريكا بتمزيق الدستور والدوس فعلياً على سيادة الولايات المتحدة وقانونها.
في الواقع، فإن الليبراليين الذين هللوا لتواطؤ جميع الوكالات الرسمية ووسائل الإعلام خلال رئاسة ترامب لتشويه صورة روسيا، إلى جانب التواطؤ الذي أعقب ذلك بين شركات التكنولوجيا الكبرى وشركات الأدوية الكبرى للرقابة وإصدار القرارات خلال فترة كوفيد-19، هم أنفسهم من انزعجوا فجأة من حرية التعبير عندما تم ذكر فلسطين.
“لو لم تكن هناك إسرائيل، لكان على الولايات المتحدة الأمريكية أن تخترع إسرائيل لحماية مصالحها في المنطقة” جو بايدن- الكونغرس الأمريكي عام 1986
خلال السبعينيات والثمانينيات وحتى التسعينيات، كان العديد من المعلقين والنقاد والمحللين والمواطنين العاديين يشيرون عادة إلى الحكومة الأمريكية باسم “الحكومة الصهيونية المحتلة”، وقد كان جميعهم يعتبرون من “منظري المؤامرة”، ذلك المصطلح المخزي الذي استحضرته وكالة المخابرات المركزية في الأصل لتشويه سمعة أي شخص يشكك في مقدمات أو استنتاجات لجنة وارن التي أنشئت ظاهرياً للتحقيق في اغتيال الرئيس جون كينيدي.
وعلى الجانب الآخر، فهناك القليل ممن تحدث عن تفاصيل سياسات كينيدي فيما يتعلق بإسرائيل، ففي سعيه نحو منع الانتشار النووي، على سبيل المثال، اشتبك كينيدي وجهاً لوجه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك ديفيد بن غوريون، فيما يتعلق بمطالب تفتيش ومراقبة المفاعل النووي الإسرائيلي في ديمونا.
في رسالة مؤرخة في 15 يونيو عام 1963، كتب كينيدي: “كما كتبت إلى السيد بن غوريون، فإن التزام هذه الحكومة ودعمها لإسرائيل يمكن أن يتعرض للخطر إذا اعتقدنا أننا لم نتمكن من الحصول على معلومات موثوقة حول موضوع مثل مسألة جهود إسرائيل في المجال النووي”.
يضاف إلى ذلك أنه وقبل 3 أيام فقط من اغتيال كينيدي، كان السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة، أدلاي ستيفنسون، يدعو لصالح عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم، وهي سياسة دافع عنها ستيفنسون في وقت مبكر من عام 1961 في اشتباكات مع بن غوريون، عندما ذهب إلى أبعد من ذلك ليقول بأن إسرائيل بحاجة إلى إصدار إعلان عام بقبول مبدأ العودة إلى الوطن على النحو المنصوص عليه في قرار الأمم المتحدة رقم 194.
واقع جيوسياسي جديد
في عهد الرئيس جونسون، تحول الدعم لإسرائيل قبل وأثناء وبعد حرب عام 1967 إلى دعم حزبي بالكامل، مما أدى إلى تغيير جذري في الحياة السياسية والثقافة الأمريكية، فقد كان تستر جونسون على الهجوم الإسرائيلي الوحشي والمستمر على السفينة يو إس إس ليبرتي في 8 يونيو عام 1967، والذي قُتل فيه 34 من أفراد الطاقم وجُرح 173 آخرين، بمثابة واقع جيوسياسي جديد.
مع احتدام حرب الولايات المتحدة في فيتنام، تم تصوير الجنود الإسرائيليين على أنهم أبطال ويحتلون مركز الصدارة، مقابل تصوير جنود أمريكيين في فيتنام قاموا بقتل بعض ضباطهم تمرداً ومع تنامي الحركة المناهضة للحرب بين الجنود والمحاربين القدامى، باعتبارهم مختلين عقلياً!
مع تعرض المعلومات وحرية التعبير لنوع مختلف من الحصار في الغرب، يبدو أنه لا توجد حدود لما قد تقوم به الولايات المتحدة وحلفاؤها من أجل الحفاظ على الهيمنة، ويتضمن ذلك اللعنة على مواطنيهم وعلى بقية العالم، ويعد التفكير بخلاف ذلك إهداراً لطاقة ثمينة من الأفضل استخدامها لمواجهة هذا العملاق بدلاً من التأمل فيه!
انتهى التجنيد الإجباري واختفت آلة الحرب الأمريكية، وانخرطت الولايات المتحدة في حرب سرية استمرت 15 عاماً، وكان الشعب الامريكي قد نال كفايته.
لاحقاً، عندما جاءت حرب الخليج والعقوبات على العراق وأحداث 11 سبتمبر عام 2001، والإعلان الفوري لـ “الحرب على الإرهاب”، الذي أعقبه غزو أفغانستان والعراق والمزيد من العمليات في ليبيا وسوريا والعديد من البلدان الأخرى، إلى جانب التنسيق الأيديولوجي والسياسي والعسكري الكامل مع إسرائيل، تحقق بالكامل تصريح جو بايدن، الذي كان عضواً في لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس عام 1986: “لو لم تكن هناك إسرائيل، لكان على الولايات المتحدة الأمريكية أن تخترع إسرائيل لحماية مصالحها في المنطقة”.
مع اختفاء الأجيال التي شهدت حرب الولايات المتحدة في فيتنام، ومع تطهير النتيجة الفعلية لسياسات الولايات المتحدة في العراق وأماكن أخرى، فقد أصبح لزاماً اختفاء ما يسمى “تفاهة الشر”، وتم استبدالها بسياسة المبدأ الواضح، بغيداً عن المتغيرات وتفاهات سياسات الهوية.
نداء اليقظة العالمي
إن عودة الاشتراك في النظر إلى القضايا بين الحزبين الأمريكيين تشير إلى خطر عظيم، ليس فقط على العالم بل وأيضاً على المواطنين الأمريكيين.
في كتابها “الحرب غير المرئية: الولايات المتحدة والعقوبات على العراق”، كتبت جوي جوردون : “لم يكن من المفيد أن تنكر الإدارات الثلاث، سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية، خطورة الوضع ولذلك نفت مسؤولية الولايات المتحدة عن أي جزء منها، حتى عندما ضغط عليها أعضاء الكونغرس”.
وأضافت: “لكن ذلك في النهاية لم يحدث فرقاً كبيراً، فلم يكن الكونغرس مبالياً بالمعاناة الناجمة عن العقوبات في العراق، بغض النظر عن دور الولايات المتحدة، فما كان واضحاً هو أنه ببساطة لا يوجد حد لمدى الضرر الذي ترغب الولايات المتحدة في إلحاقه بالعراق”.
في حالة غزة، فقد كان الدور الأبرز لإطلاق نداء اليقظة العالمي للعمل البطولي الذي قام به الصحفيون الفلسطينيون والمواطنون الصحفيون الفلسطينيون تحت الحصار عبر وسائل الإعلام البديلة ومن خلال منصات وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، ولكن إلى متى يمكنهم الصمود في ظل الظروف الحالية؟
مع تعرض المعلومات وحرية التعبير لنوع مختلف من الحصار في الغرب، يبدو أنه لا توجد حدود لما قد تقوم به الولايات المتحدة وحلفاؤها من أجل الحفاظ على الهيمنة، ويتضمن ذلك اللعنة على مواطنيهم وعلى بقية العالم، ويعد التفكير بخلاف ذلك إهداراً لطاقة ثمينة من الأفضل استخدامها لمواجهة هذا العملاق بدلاً من التأمل فيه!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)