أمهات جدد يكافحهن لإبقاء أطفالهن على قيد الحياة في غزة!

بقلم نور اليعقوبي

ترجمة وتحرير مريم الحمد

لم تكن إسراء تتخيل أن هذا ما سيكون عليه وضعها ووضع رضيعها حين حملت به في شهر مايو من عام 2023، فمثل معظم الأمهات الحوامل، كانت إسراء تأمل في شراء بطانيات أطفال ناعمة وملونة لملاكها الصغير رشدي، إلى جانب أشياء أخرى مثل الجوارب وألعاب النمو المبكر.

أما في الواقع، فقد كانت إسراء طوال فترة حملها تتنقل بشكل متكرر، وبدلاً من التسوق لطفلها أصبحت تجري فراراً سيراً على الأقدام من ملجأ إلى آخر في محاولة لتجنب الغارات الجوية واقتحامات الجنود الإسرائيليين!

“تخيلوا، غارات جوية إسرائيلية استهدفت محيط مستشفى الإمارات وأنا في غرفة الولادة”! إسراء- أم فلسطينية من غزة

تقول الأم الشابة: “لم أتخيل أبداً أنني سألد طفلي الأول بعيداً عن المنزل ومحاطة بالغارات الجوية”، وبدلاً من أن تكون في حالة فرح وابتهاج بمولودها باتت تفكر في الموت غالباً.

كان جناح الأطفال حديثي الولادة، حيث ولدت في جنوب غزة، مليئاً بصرخات المواليد الجدد الذين كان الكثير منهم قد ولدوا قبل الأوان، في ذات اللحظات التي دوت فيها انفجارات غارات جوية إسرائيلية قربهم، مما أدى إلى اهتزاز أساسات المبنى.

كانت ملامح العديد من الأمهات الشابات في مستشفى الإمارات في رفح بلا تعبيرات، حيث حل التعب والخوف والصدمة محل الاحتفالات التي تصاحب عادة ولادة طفل، وفي وصف الشعور تقول إسراء: “تخيلوا، غارات جوية إسرائيلية استهدفت محيط مستشفى الإمارات وأنا في غرفة الولادة”!

تضيف إسراء: “كان المكان الذي ولدت فيه خالياً من أي شكل من أشكال الصرف الصحي والنظافة، ولكن لا يمكنني إلقاء اللوم على المستشفى لأن الضغوط التي يتعرض لها الأطباء والممرضات كانت تفوق قدراتهم”.

لقد جعلت الحرب الإسرائيلية على غزة القطاع غير صالح للعيش فيه تقريباً، حيث يتعرض النازحون الفلسطينيون للضغط في مناطق ضيقة مما يؤدي إلى تفشي الأمراض، والتي يتعرض لها الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية بشكل خاص.

“أسوأ أيام حياتي”

في ظل هذه المعاناة، أصبحت أبسط الأعمال التي تقوم بها الأمهات الجدد مثل تغيير حفاضات الطفل ترفاً، يضاف إلى ذلك أنها العديد من الأمهات أو من يعتني بالمواليد إلى استخدام الحفاضات القماشية، وبدلاً من زجاجات الحليب الصناعي وأغذية الأطفال، انشغلت الأمهات ومن يعتنون بالمواليد منهمكون في محاربة الأمراض والبحث عن غذاء وماء للأطفال.

 تقول إسراء: ” لم أشعر ببهجة الحمل إلا في الأشهر الخمسة الأولى من حملي”، فبعد وقت قصير من الولادة، اضطرت عائلة إسراء إلى مشاركة غرفة صغيرة مع أكثر من 17 شخصاً، مما أدى إلى إصابة إسراء بفيروس كورونا الذي انتقل بعد ذلك إلى مولودها الجديد، تقول: “بدلاً من احتضان طفلي، اضطررت إلى تركه في الحاضنة والنظر إليه من بعيد لمدة أسبوعين تقريباً، لقد كانت تلك أسوأ الأيام في حياتي كلها”.

لم تعد عمليات الحمل والولادة آمنة في غزة بسبب القصف الإسرائيلي المتواصل، ففي ديسمبر الماضي، أي بعد 3 أشهر فقط من العداون، كانت لجنة الإنقاذ الدولية قد أعلنت أن هناك ما لا يقل عن 155 ألف أم حامل أو مرضعة في غزة معرضات بشدة لخطر سوء التغذية.

“لن أنسى ذلك اليوم أبداً، فعندما دخلت غرفة الجراحة لم أكن متأكدة مما إذا كنت سأموت بسبب الولادة أو بسبب صاروخ إسرائيلي” – مها- أم فلسطينية من غزة

تقول أم أخرى تدعى مها: “كانت عائلتي تسخر من قولي أن كل طفل أنجبه يبدو مرتبطاً بحرب جديدة”، فقد ولدت طفلتها الأولى كندة خلال الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2021.

منذ 7 أكتوبر، نزحت مها من منزلها في حي الشيخ رضوان في مدينة غزة وأجبرت على البحث عن ملجأ لدى أكثر من 50 من أقاربها في مبنى سكني مكتظ، ترى مها في مطبخ المنزل الذي تقيم فيه، بنافذته الصغيرة المنعزلة، “الركن الأكثر أماناً” في المنزل، تقول : “أمضينا الليالي على الأرض خوفاً من ضربات جوية قد تودي بحياتنا”.

خطر المجاعة

مع كل هذا القصف، كان هناك خطر داهم آخر وهو المجاعة، فمع غياب الدقيق عن الأسواق وندرة المنتجات الطازجة، كانت مها تكافح من أجل إطعام نفسها وطفلها الذي لم يولد بعد.

تقول مها: ” من فترة وأنا أعيش على حصص ضئيلة من الخبز والأرز والفاصوليا، ونتيجة لذلك، فقد ولد طفلي بوزن 2.6 كجم فقط”، ووفقاً للأمم المتحدة، فإن الطفل الذي يولد بوزن أقل من 2.5 كجم، بغض النظر عن عمر الحمل، يعتبر طفلاً منخفض الوزن عند الولادة.

اضطرت مها لإجراء عملية قيصرية بسبب وضعها الصحي، وهي تعلم أن الدبابات الإسرائيلية كانت على مسافة قريبة من مستشفى الصحابة، المنشأة الوحيدة المجهزة للولادة في شمال غزة، تقول: “كنت أخشى أن يتم تطويق المستشفى في أي لحظة، وفي المقابل، فإن التأخير ليوم واحد عن العملية كان من الممكن أن يكون له عواقب وخيمة”.

أضافت: “لن أنسى ذلك اليوم أبداً، فعندما دخلت غرفة الجراحة لم أكن متأكدة مما إذا كنت سأموت بسبب الولادة أو بسبب صاروخ إسرائيلي”، وبعد أن استيقظت من التخدير، طُلب منها مغادرة المستشفى لأن الأطباء كانوا يخشون أن تحاصر الدبابات الإسرائيلية المستشفى في أي لحظة.

كانت مها محظوظة بالوصول إلى سيارة أحد أقاربها مع مولودها الجديد، على عكس آخرين اضطروا إلى اللجوء إلى وسائل النقل البدائية، وخاصة العربات التي تجرها الحيوانات.

على أية حال، لم تنته التحديات عند هذا الحد، فبعد 4 أيام فقط من ولادتها، هددت القوات الإسرائيلية بغزو المكان الذي لجأت إليه مها، حي الدرج، وأصبحت هي ومولودها أسامة، الذي سمي على اسم عمه الذي قُتل في غارة جوية إسرائيلية في أكتوبر 2023، في مواجهة نزوح جديد!

تقول مها: “بدلاً من تلقي الرعاية الطبية ومتابعة وضعي الصحي، اضطررت إلى جمع أمتعتي وحمل أطفالي الاثنين والبحث عن مأوى في مكان آخر، وهذه المرة كانت أصعب، لأنني لم أتحمل آلام الولادة فحسب بل تحملت أيضاً آلام النزوح”.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة