لعبت المعلومات المضللة دوراً كبيراً في تحفيز موجة الهجمات الغوغائية العنصرية والمعادية للإسلام التي تتواصل في جميع أنحاء المملكة المتحدة.
جاء ذلك بعد أن انتشرت معلومات كاذبة على نطاق واسع عبر الانترنت مفادها أن منفذ هجوم الطعن الذي أسفر عن مقتل ثلاثة أطفال في ساوثبورت يوم الاثنين الماضي مسلم ومهاجر غير شرعي.
ومن بين المتورطين في نشر الأخبار الكاذبة ناشرون بارزون على منصة X مثل الناشط المناهض للإسلام تومي روبنسون ومقدم أخبار GB السابق لورانس فوكس.
غير أن أحد المصادر الرئيسية للمعلومات المضللة، التي أثارت العنف ضد المسلمين، كان هو نفسه مسلماً وهو أندرو تيت.
وأندرو تيت ملاكم بريطاني أمريكي تحول إلى مؤثر، ويقول إنه كسب ملايين الدولارات من خدمات كاميرا الويب، وقد وقد أعلن اعتناقه الإسلام في أواخر عام 2022.
حظي اسم تيت ذات يوم بأعلى عدد من عمليات البحث على محرك غوغل في العالم، وهو يصف نفسه بأنه كاره للنساء وتعرض لانتقادات بسبب إدلائه بتصريحات مهينة لهنّ.
وينتظر تيت، الذي يقيم حالياً في رومانيا، المحاكمة بتهمة الاتجار بالبشر والاغتصاب، وهي اتهامات ما لبث ينفيها.
وقد التقى تومي روبنسون “مرات لا تُحصى”، بعد أن أشار ذات مرة إلى الناشط اليميني المتطرف وزعيم رابطة الدفاع الإنجليزية السابق بأنه “رجل قوي” و”طيب القلب”.
وفي مقابلة أجريت معه عام 2022، زعم تيت أن روبنسون “يبذل قصارى جهده لحماية إنجلترا من الأسلمة”.
ومنذ إعلانه اعتناق الإسلام في أكتوبر/تشرين الأول 2022، يواصل تيت، وهو مختلط العرق، التعبير عن آراء معادية للمهاجرين.
يجهر تيت بدعمه للسياسي اليميني نايجل فاراج، الذي اتُهم أيضاً بإثارة القلاقل بعد عملية الطعن في ساوثبورت، وهو الدي سبق له أن أدلى بسلسلة من التعليقات الموصوفة بأنها معادية للإسلام.
وقال تيت في أواخر يوليو/تموز: “يمكن للروس أن يأتوا ويستولوا على إنجلترا، فكل المهاجرين يستولون عليها على أي حال”.
وأضاف: “أفضل أن يستولي الروس على إنجلترا بدلاً من مجموعة من البنغاليين اللعينين”، ثم شرع في توجيه إهانات عنصرية إلى الوافدين من جنوب آسيا إلى المملكة المتحدة.
هذه هي “ماتريكس”
وبعد ساعات من هجوم ساوثبورت يوم الاثنين، نشر تيت مقطع فيديو على منصة X زعم فيه زوراً أن المهاجم مهاجر غير شرعي، وقد حقق الفيديو 15 مليون مشاهدة في غضون يومين، قبل أن يتم تقييد عرضه من قبل المنصة.
وفي وقت لاحق من ذات اليوم، قال تيت في منشور منفصل أن المهاجم “وصل على متن قارب قبل شهر واحد”.
وذكرت بي بي سي نيوز يوم الثلاثاء الماضي أن المشتبه به البالغ من العمر 17 عاماً ولد في كارديف لأبوين روانديين وانتقل إلى منطقة ساوثبورت في عام 2013.
وبعد هذه التطورات، ضاعف تيت من ادعائه غير الدقيق، فأعلن في منشور على منصة X حصل على أكثر من 4.5 مليون مشاهدة قبل ساعات من هجوم الغوغاء على مسجد في ساوثبورت: “هذه ماتريكس تحاول منعك من فهم الحقيقة حول المهاجرين غير الشرعيين الذين يسمحون لهم بالدخول”.
وقال أن إيواء الحكومة لهؤلاء اللاجئين في فنادق مجانية في كارديف بعد دعوتهم للبلاد، “لا يعني أنهم من كارديف”، رغم ثبوت ولادة المشتبه به في كارديف.
دأب تيت على ذكر “ماتريكس” بانتظام في محتواه عبر الإنترنت، كما نشر صورة مفبركة للمهاجم المفترض، قائلاً إنه “حضر مباشرة من قارب”.
وبحلول يوم الخميس، ضربت أعمال عنف من اليمين المتطرف أجزاء من بريطانيا على مدار ليلتين متتاليتين، حيث اعتدت حشود على رجل آسيوي وهاجموا عشرات من رجال الشرطة يوم الأربعاء.
في اليوم التالي، نشر تيت صورة لرجل ذو مظهر آسيوي يحمل نقوداً وسكيناً كبيراً في قارب مطاطي، مع تعليق: “رجل نموذجي من كارديف”.
وفي نفس اليوم، رد تيت على منشور يظهر رئيس الوزراء كير ستارمر وهو يخبر الجالية المسلمة أنه “سيتخذ كل خطوة” للحفاظ على سلامتهم، وعلق عليها بالقول: “من الخطر أن تكون أبيض اللون”.
كما زعم أن “الحكومة البريطانية تكره البيض كثيراً لدرجة أنها لا تعاقب مثيري الشغب إلا عندما يكونون من البيض، أيها البيض دولكم محتلة”.
مقارنة اليمين المتطرف بالفلسطينيين
وتعرض تيت لانتقادات على منصة X عندما رد على مقطع فيديو لتومي روبنسون قائلاً: “كمسلم، تومي روبنسون محق في الكثير مما يقوله هنا”.
وبدا أن تيت يقارن بين حشود اليمين المتطرف والفلسطينيين في غزة، بحجة أن “البريطانيين غاضبون لنفس السبب الذي يجعل سكان غزة غاضبين، فقال: “الرجال المضطهدون الذين يواجهون خسارة أراضيهم سيقاومون”.
وبحلول نهاية الأسبوع، واجه تيت انتقادات كبيرة من المسلمين على الإنترنت وبدأ في نشر رسائل تدعو إلى السلام وتطلب من المسلمين إظهار التضامن مع “السكان الأصليين”.
وقال يوم الأحد في مناظرة مع المؤثر المسلم محمد حجاب: “أشعر بالاشمئزاز عندما أرى غزة تحتلها إسرائيل، لذا فأنا أفهم كيف يشعر الرجل الإنجليزي الأصلي”.
ومضى يقول متسائلًا: “كمسلمين، ألا نفهم وجهة نظره؟ ألا يمكننا إظهار التعاطف واللطف والتفاهم؟ يجب أن نقف متضامنين مع السكان الأصليين ونساعدهم على توجيه غضبهم في الاتجاه الصحيح، وهي حكومة نسيتهم”.
وعندما طُلب منه إدانة عنف الغوغاء اليمينيين المتطرفين، ندد تيت بدلاً من ذلك بالعنف “من كلا الجانبين”.
وخلال الأيام الأخيرة، تجمعت مجموعات من المسلمين للدفاع عن المساجد وأماكن العبادة الأخرى في مواجهة مثيري الشغب من اليمين المتطرف.
ويوم الاثنين، تجمهر مئات المسلمين بالقرب من مسجد في برمنغهام بعد انتشار شائعات كاذبة على الإنترنت عن تجمع لليمين المتطرف هناك.
وقد جرى تصوير بعض هؤلاء المسلمين، الذين انفصلوا عن الحشد الرئيسي، وهم يهاجمون حانة قريبة تسمى Clumsy Swan، وفي وقت لاحق من ذلك المساء، زار مسلمون آخرون الحانة للاعتذار للموظفين.
وخلال يوم الأحد، قال تيت أن أي مسلم “منزعج من أنني ضد الهجرة غير المقيدة هو أحمق”، متسائلًا: “هل تسمح دبي بالهجرة غير المقيدة؟ أم أنها من أكثر الدول صرامة في العالم؟”.
وحملة لهجة تيت تغييراً حين نشر يوم الإثنين على الإنترنت أنه “يتعرض لإهانات عنصرية خطيرة من البيض لأول مرة في حياته لكونه بني اللون”.
ويوم الثلاثاء، سأل أتباعه: “هل يمكننا العودة إلى إطلاق النكات العنصرية دون أن يبكي الجميع؟”
وفي خضم ذلك كله، تخشى الشرطة في بريطانيا من اندلاع المزيد من الفوضى، حيث أفادت التقارير أن منظمي اليمين المتطرف يخططون لشن هجمات على عشرات مراكز الهجرة والشركات القانونية ليلة الأربعاء.