أنس التكريتي: كمسلم أُغلقت حساباته البنكية في بريطانيا هل سأتلقى نفس المعاملة التي عُومل بها نايجل فاراج؟

بقلم د. أنس التكريتي

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

قبل تسع سنوات، تأثرت حياتي بشكل لا رجعة فيه بعدة رسائل وجدتها على عتبة منزلي، و فجأة وبدون أي إنذار، أخبرني بنكHSBC، الذي اخترته من بين بنوك أخرى في آب/ أغسطس عام 1985 كطالب متفوق يبلغ من العمر 16 عامًا، بقرار إغلاق حساباتي المصرفية الشخصية والخاصة بالعمل دونما أدنى توضيح.

تم توجيه رسائل أخرى إلى زوجتي، وإلى أبنائي الذين كانوا يبلغون من العمر 15 و 12 عامًا فقط في ذلك الوقت.

كانت لهجة الرسائل حادة لا ترحم، فلم أكن لأستفسر عن أسباب القرار، ولم أسعَ لفتح أي حساب لديهم أو لدى أي من البنوك الشريكة.

وعلى الرغم من الحملة طويلة الأمد لمحاولة إقناع HSBC بتقديم نوع من التفسير، والجهود الجادة من بيتر أوبورن لكشف النقاب عما حدث وعن الأسباب الكامنة وراءه، فقد قوبلنا بالصمت التام ليس فقط من قبل البنك، بل وأيضًا من قبل وسائل الإعلام الرسمية.

في الواقع، واجهت حملةً من الخصوم السياسيين، بما في ذلك أولئك المتحالفين مع العديد من الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط التي أعارضها بشدة وأنتقدها بلا هوادة، الذين استغلوا هذه الفرصة للتشكيك في سمعتي ونزاهتي.

علق أحدهم على اتصال إذاعي لهيئة الإذاعة البريطانية قائلاً إن المصارف “عادةً ما تغلق حسابات الإرهابيين أو تجار المخدرات أو مبيضي الأموال”، مع فشل مقدم العرض في اثبات أنني لم أكن مشتبهاً به فيما يتعلق بأي من تلك الجرائم. في الواقع، لم أكن ولا زلت غير مشتبه به بارتكاب أي جريمة على الإطلاق.

منذ ذلك الحين، أُغلقت العديد من الحسابات من قبل عدد كبير من البنوك الكبرى، بما في ذلك NatWest و Royal Bank of Scotland و Lloyds و Santander، وتم رفض عدد لا يحصى من الطلبات الخاصة بالحسابات الشخصية والتجارية.

بينما أكتب هذا المقال، لا يزال بنك Wise يدعي عبر الإنترنت مواصلة “التحقق” من بياناتي على الرغم من التقدم بطلب للحصول على حساب مرة أخرى في أيار/ مايو.

إن التسهيلات المصرفية جزء أساسي من الحياة، وبدون حساب مصرفي، يصبح التوظيف، وتلقي الأجور، ودفع الفواتير، ودفع الضرائب، والسفر، واستئجار أو شراء عقار والعديد من الأنشطة اليومية الأخرى أمرًا مستحيلًا بكل معنى الكلمة.

وعليه، فإن امتلاك حساب مصرفي هو أمر ضروري تماماً كما الحصول على إمدادات المياه أو الكهرباء، إنها حاجة أساسية، وبالتالي فإن حرمان أي شخص منها يعد انتهاكًا لحقوق الإنسان.

ومع ذلك، يتجلى في نظامنا الرأسمالي، أن البنوك هي أنصاف الآلهة الذين يتحكمون بقدر كبير من القوة، إذ يحتاج المرء فقط أن ينظر في عدد المرات التي أنقذت فيها الحكومات البنوك بما يصل إلى مئات المليارات، بينما يواجه الملايين الفقر ويخاطرون بترك أطفالهم بالجوع.

وعلى الرغم من المليارات التي تلقتها البنوك في عمليات الإنقاذ، يبدو أن المسؤولين المنتخبين لدينا إما غير قادرين أو غير راغبين في الحد من القوة الضخمة وغير الديمقراطية للقطاع المصرفي.

وبرغم هذا القلق، لا ينبغي أن يكون هذا مفاجئًا عند إدراك العلاقة الوثيقة التي تربط العديد من السياسيين والمسؤولين بالبنوك والقطاع المالي بطريقة أو بأخرى.

لكن حالتي ليست فريدة من نوعها، فعلى مر السنين، شهد مئات الأفراد والعديد من الشركات والمؤسسات الخيرية إغلاق حساباتهم المصرفية، ولم يكلف هذا عشرات الملايين من التبرعات والرسوم القانونية المفقودة فحسب، بل كلف أيضًا أموراً أخرى من قبيل السمعة والثقة والقدرة على مواصلة العمل. 

والجدير بالذكر أن الغالبية العظمى من عمليات الإغلاق تلك كانت لحسابات تعود لمسلمين.

وعندما انتشرت قصة إغلاق بنك Coutts للحساب المصرفي لنايجل فاراج قبل بضعة أسابيع، كان من الممكن مسامحة المرء إذا ما افترض أنها كانت المرة الأولى التي يتصرف فيها بنك بريطاني بهذه الطريقة وأن جميع الأطراف المعنية قد تصرفت بشكل مثير للإعجاب لمعالجة خطأ فادح.

إن احتقاري لفراج لا يسقط اشمئزازي من أن مصرفه اختار التصرف بهذه الطريقة والذهاب إلى أبعد من ذلك والكذب بشأن الأسباب الكامنة وراء ذلك.

موقف مفصلي

لقد سرني أن رئيس NatWest، أليسون روز، قد أُجبر على التنحي، لكن وفي نفس الوقت لن أحزن إذا حصل فراج على طريقة للخروج من مأزقه و تم فصل مجلس NatWest بأكمله بسبب ذلك. 

ومع ذلك، فإن ما يثير غضبي وغضب العديد من الآخرين هو المعايير المزدوجة التي تكشفها هذه القصة. فأين كانت وسائل الإعلام الرسمية عندما تم اغلاق الحسابات المصرفية الخاصة بي وبعشرات الآخرين، بما في ذلك الجمعيات الخيرية؟

أين كان التحقيق إذن؟ لماذا لم يتم طرح الأسئلة عندما أُجبر أشخاص مثلي على أن يشرحوا لأطفالهم سبب مخاطبتهم من قبل البنوك بطريقة من شأنها أن تهز البالغين حتى النخاع؟

ماذا عن التأثيرات على الحياة، بما في ذلك حياتي، حيث تسببت هذه القرارات في ضغط هائل، مما أدى إلى انهيار الأسرة، وقضايا تتعلق بالصحة العقلية والمزيد؟

لماذا لم يتساءل أحد عن سبب قدرة المؤسسات المالية على اتخاذ قرارات تستند إلى أسباب لا علاقة لها بالاعتبارات المالية؟ هل يجد أي شخص أنه من المقبول أن تسحب شركات الطاقة خدماتها من الأسرة على أساس انتماءاتها السياسية أو الأيديولوجية؟

لحسن الحظ، وفي حالتي وبعد تسع سنوات طويلة وصعبة للغاية، اكتسبت هذه القصة أخيرًا حضوراً كبيراً في كل وسيلة إعلامية، وإن لم يكن للأسباب الصحيحة.

أعتزم أنا والعديد من زملائي وأصدقائي متابعة هذا الأمر حتى النهاية، فإذا كان بمقدور فاراج الحصول على تفسير، وجعل رئيس الوزراء يتدخل، والحصول على اعتذار من البنك، يليه استقالة ودعوة لإجراء تحقيق عام في سلوك البنوك، فأنا وأسرتي نستحق نفس الأمر.

وفي حين علمتني سنوات من الخبرة ألا أقف مكتوف الأيدي عندما لا تقوم السلطات بواجبها تجاه مصالح العامة المالية أو المادية، يصبح الموقف في تلك اللحظة موقفاً مفصلياً بلا شك.

إن استغلال هذه الفرصة للرد على سلطة البنوك المهيمنة سيكون مفيدًا للغاية لجميع المعنيين وتعزيز للديمقراطية وللتوزيع العادل للسلطة. إنها فرصة يجب ألا نضيعها.

للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة