أنس الشريف.. عين غزة التي لطالما لاحقتها قوات الاحتلال 

بقلم ميرا العدم

ترجمة وتحرير نجاح خاطر 

في صباح الأحد الأخير، خيم الصمت على أروقة مستشفى الشفاء في مدينة غزة، حين اغتالت قوات الاحتلال أنس الشريف، أحد أبرز الصحفيين في غزة، في هجوم مباشر شنته على خيمة تؤوي عدداً من الصحفيين الفلسطينيين.

وأعلنت قناة الجزيرة، التي كان يعمل بها الشريف نبأ استشهاده برفقة الصحفي محمد قريقع وثلاثة زملاء آخرين، قُتلوا عمدًا عندما قصفت قوات جيش الاحتلال خيمتهم خارج مستشفى الشفاء في مدينة غزة.

كان الشريف متمركزًا خارج البوابة الرئيسية للمستشفى مع المصورين الصحفيين إبراهيم زاهر، ومحمد نوفل، ومؤمن عليوة، عندما تعرضت خيمتهم للقصف المباشر، كما استشهد الصحفي المستقل محمد الخالدي في الهجوم نفسه.

لم يكن أنس الشريف، البالغ من العمر 28 عامًا،  بالمراسل العادي لقناة الجزيرة، فقد واصل نقل أصوات الفلسطينيين وسط العدوان والحصار المفروض على قطاع غزة، وقد حصل على جائزة “المدافع عن حقوق الإنسان” من منظمة العفو الدولية في أستراليا، تقديرًا لمثابرته والتزامه بحرية الصحافة وتغطيته “الشجاعة والاستثنائية”.

وكان آخر ظهور مباشر له في بث يوم الأحد، عبر تقرير تناول المجاعة التي أصابت سكان غزة البالغ عددهم نحو مليوني نسمة، حيث يشكل الأطفال ما يقرب من نصف عدد الوفيات المتزايدة بسبب سوء التغذية.

وعلى الرغم من انتشاره الواسع وشهرته – حتى بين الجماهير الغربية – إلا أن الشريف نشأ في ظروف متواضعة في مخيم جباليا للاجئين شمال غزة، وكان خريج جامعة الأقصى من بين عدة صحفيين محليين انضموا إلى قناة الجزيرة في بداية الحرب، لتغطية أخبار الجرحى وزملائهم المستهدفين، مثل الشهيد إسماعيل الغول والمراسل المخضرم الجريح وائل الدحدوح.

ومثل جميع الصحفيين في غزة، عمل الشريف رغم الجوع الشديد والتهديد المستمر بالقتل على يد قوات جيش الاحتلال.

ووفقًا للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فقد استشهد 238 صحفيًا فلسطينيًا في القطاع منذ بداية الحرب.

تهديدات مستمرة 

وجهت دولة الاحتلال عدة اتهامات مزعومة للشريف بأنه “إرهابي” ولاحقته بتهديدات متواصلة طوال فترة الحرب.

ووفقًا للجنة حماية الصحفيين (CPJ) التي تتخذ من نيويورك مقرًا لها، صعّد المتحدث باسم جيش الاحتلال باللغة العربية، أفيخاي أدرعي، من هجماته على الصحفي عبر الإنترنت في الأيام التي سبقت اغتياله.

سأواصل أداء واجبي ونقل معاناة شعبنا، حتى لو كلفني ذلك حياتي” – أنس الشريف

وفي 24 يوليو/تموز، أطلقت لجنة حماية الصحفيين نداءً أخيرًا لحماية الشريف في مواجهة حملة التشويه الإسرائيلية، وقالت سارة قداح المديرة الإقليمية للجنة، في ذلك الوقت: “نشعر بقلق بالغ إزاء التهديدات المتكررة التي وجهها المتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي ضد مراسل الجزيرة في غزة أنس الشريف، ونناشد المجتمع الدولي لحمايته”.

وأضافت: “ليست هذه المرة الأولى التي يستهدف فيها جيش الاحتلال الشريف، لكن الخطر على حياته أصبح الآن شديدًا، لقد اغتالت دولة الاحتلال ما لا يقل عن ستة صحفيين من قناة الجزيرة في غزة خلال هذه الحرب، وتشكل هذه الاتهامات الأخيرة التي لا أساس لها محاولة لتهيئة الرأي العام لقتل الشريف”.

وقال الشريف للجنة حرية الصحافة في الشرق الأوسط إن الضجة الإسرائيلية ضده ترجع إلى تغطيته التي “تضر بهم وتلحق الضرر بصورتهم في العالم”، وأضاف: “يتهمونني بالإرهاب لأن الاحتلال يريد اغتيالي معنويًا”.

وتابع: “أعيش وأنا أشعر أنني قد أتعرض للقصف والاستشهاد في أي لحظة، عائلتي أيضًا في خطر، وقد دفعت الثمن من قبل”.

وفيما أقرّ الشريف بالمشاعر “الصعبة والمؤلمة” التي أثارتها التهديدات، قال إنها لم تزدّه إلا عزماً على مواصلة “الوفاء بواجبي ونقل معاناة شعبنا، حتى لو كلفني ذلك حياتي”.

وقال: “تشكل هذه التهديدات تحريضًا واضحًا ومحاولة لاغتيال صوتي، سواء من خلال القصف أو التشويه، لكنني لن أتوقف عن نقل الحقيقة”.

فقدان عائلي وتجربة شخصية مع الجوع

قتلت دولة الاحتلال أكثر من 61 ألف فلسطيني منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، فأنس الشريف، وهو أب لطفلين، عانى بنفسه من فقدان أحد أفراد أسرته؛ فقد استشهد والده البالغ من العمر 90 عامًا في غارة على منزل العائلة في ديسمبر/كانون الأول 2023، بعد شهرين فقط من بدء الشريف تغطية الحرب.

كما شهد مراسل الجزيرة استشهاد العديد من زملائه، ووثق تجربته الشخصية مع الجوع، وأشيد به لتعبيره عن إرهاقه على الهواء مباشرة، لكنه استمر في عمله رغم ذلك.

في أحد مقاطع الفيديو، شوهد أنس وهو ينهار بعد سقوط امرأة من الجوع في الشارع، بينما تقول له عدة أصوات مشجعة أن يواصل عمله الصحفي.

عزلة عن العائلة ووصية أخيرة

قبل أشهر من استشهاده، لم يتمكن الشريف من رؤية عائلته، التي نزحت وتعرضت لخطر الاستهداف معه، تاركاً وصية مؤثرة قبل رحيله، كان قد أعدها تحسبًا لاستشهاده، وتعهد الصحفي بأن يكون صوتًا ثابتًا لشعبه، حتى في مواجهة الموت، وأن يوكل إلى العالم مهمة نقل حقيقة معاناة غزة والأمل في الحرية.

وكتب:”أحثكم على ألا تدعوا القيود تسكتكم، ولا الحدود تقيدكم، كونوا جسورًا نحو تحرير الأرض وشعبها، حتى تشرق شمس الكرامة والحرية على وطننا المسلوب”.

وأضاف: “لا تنسوا غزة… ولا تنسوني من دعواتكم الصادقة من أجل المغفرة والقبول”.

ترك أنس الشريف زوجته بيان وطفليه شام وصلاح، ورحل شهيدًا للكلمة، وصوتًا صادقًا لا يمكن للرصاص أن يمحوه من ذاكرة غزة.

للاطلاع على المقال الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة