“أهلاً فلسطين”… جولات سياحية في ربوع فلسطين

"أهلاً فلسطين"... جولات سياحية في ربوع فلسطين

بقلم بولين إرتل

نمطية طالما أحاطت الحديث عن كل ما يخص فلسطين، يقابلها شح في إلقاء الضوء على جمال طبيعتها وتنوعها الثقافي، أسباب دفعت الصديقتان الشغوفتان بيسان الحاج حسن (33 عام) وملك حسن (32 عام)، إلى ابتكار فكرة جديدة، تسلط الضوء هذه المرة على فلسطين البلد الجميل، بعيداً عن الاحتلال الإسرائيلي.

ويعود منشأ الفكرة إلى هواية الفتاتين الفلسطينيتين، حيث كانتا تحبان التجوال سواء بالدراجات أو بالسيارة أو على الأقدام في أرجاء الضفة الغربية منذ 2019، شغفاً في استكشاف أماكن جديدة مخفية خاصة في الطبيعة، وبعد مجيء وباء كوفيد الذي تسبب بحبسهما في رام الله، لم تستطع الفتاتان المكوث بالمنزل، كانت تلتقي بيسان وملك بشكل مستمر فيمشيان أو يركبان الدراجة، حتى اكتشفا أماكن جديدة لم يكن يعرف عنها سكان المنطقة.

استجمعت بيسان وملك خبرتهما من تجربة تجول خاضاها خلال سنوات مضت، أنشأت الفتاتان  صفحة انستغرام وبدأتا بالإعلان عن قيامهما بتنظيم جولات سياحية في ربوع فلسطين،  هكذا ولد مشروعهما للجولات السياحية “أهلا فلسطين”.

الباحثون عن المغامرة

بدأ فريق الباحثين عن المغامرة رحلتهم الأولى، والتي كانت جولة على الدراجات من رام الله إلى العقبة، المدينة التي تقع على البحر الأحمر جنوب الأردن، ومن هنا بدأ تنظيم الرحلات الجماعية، ففي حديثها لموقع ميدل إيست آي، قالت بيسان ” خلال تجربتنا، وجدنا أن معظم السكان المحليين لم يكونوا على علم بوجود تلك المناطق، فالكثير منهم يسكن في رام الله المدينة، ولا يعلم شيئاً عن محيطها من قرى وطرق خلوية أو منتجات محلية، أما الأجانب فلا يعرفون إلا الأماكن العشرة الأكثر شهرة، ولكن فلسطين فيها الكثير من الأماكن الأخرى، كان يجب أن يريهم إياها أحد”.

بعد سنوات من الخبرة والتجوال، صار لدى بيسان وملك حصيلة من المعلومات حول الطرق وأماكن النوم والمطاعم والأنشطة التي يمكن القيام بها في كل مكان، وهي معلومات مهمة خاصة في منطقة مثل الضفة الغربية، حيث يتم تقييد حرية التنقل بشدة من خلال حواجز التفتيش وأنظمة الطرق المعقدة التي وضعها الاحتلال الإسرائيلي، فالتعقيدات الإسرائيلية هدفها التضييق على حركة الفلسطينيين، فمن يعرف كيف يجد طرقاً أخرى ويصل إلى أماكن محددة يملك معلومات قيمة فعلاً.

جولات شخصية

أنشأت بيسان وملك صفحة رسمية لمشروعهما على الانستغرام في مايو 2020، وسرعان ما امتلأت الصفحة بالصور والفيديوهات التي وثقتا فيها رحلاتهما إلى مزارع الزيتون والبلح، بالإضافة إلى الرحلات الخلوية، حتى وصل عدد المتابعين للصفحة 26 ألف متابع حتى تاريخ كتابة القصة.

لم تكن الصفحة بالنسبة للفتاتين مجرد طريقة لإطلاع الناس على جمال الطبيعة في فلسطين فحسب، وإنما شكلت وسيلة لتوثيق التغيرات المناخية والتاريخ والموسيقى والفلكلور والأكل والدبكة في فلسطين، حتى باتت الصفحة أرشيفاً للموروثات الفلسطينية، وقد أكدت بيسان في حديثها مع ميدل إيست آي على أن هذا الجانب من عملهما مهم للغاية، في ظل وجود احتلال إسرائيلي يحاول محو الوجود الفلسطيني.

بيسان وملك تقدمان اليوم عروضاً على جولات شخصية مصممة خصيصاً لتناسب حاجات من يطلبها من ساعات ورغبة في المبيت من عدمه، حيث تتراوح أسعار الجولات بين 100-250 دولاراً، ويمكن لمن أراد أن يحجز جولة التواصل عبر صفحة الانستغرام، لتصميم رحلة تناسب الشخص بعد استفسارات عن العمر والاهتمامات وغير ذلك، تؤكد بيسان بحماس “بعض الناس لا يطلب شيئاً محدداً بل يقول أنه يريد أن يرى فلسطين، وهذا الأمر يسعدنا كثيراً”.

وتعتبر جولة بيت لحم من أهم الجولات المطلوبة في مشروع “أهلا فلسطين”، حيث تبدأ الجولة بفطور فلسطيني في وسط المدينة ثم زيارة لكنيسة المهد التاريخية، أما “رحلة الطبيعة”، فتتضمن جولة خلوية حول رام الله وبيت لحم، غداء في أحضان الطبيعة، ثم السباحة في ينابيع المياه العذبة، بالإضافة إلى جولات موسمية مثل فترة حصاد الزيتون مثلاً، وهي جولة تتضمن زيارة مزارع الزيتون والمعاصر.

وفي حال كان الشخص رحلة مليئة بالمغامرة، يمكنه الخروج في جولات مغامرة تتضمن مبيتاً في الصحراء قرب بيت لحم، يليها جولة في سيارة دفع رباعي في صباح اليوم التالي على طول البحر الميت، تقول بيسان ” في فلسطين هناك الكثير من المغامرة التي لا يمكن أن يتوقعها البعض”.

قيود على السفر!

رغم ترتيب الجولات لاكتشاف فلسطين، تبقى عروض بيسان وملك رهن تقييد حرية التنقل، بين الحواجز ونقاط التفتيش وهجمات المستوطنين، فتأثير الاحتلال الإسرائيلي يظهر في كل مكان ولا يمكن التخلص منه، لكن بيسان ترى أن رؤية ذلك مهم لأنه يدلل بوضوح على اضطهاد الاحتلال للفلسطينيين، خاصة قمع المواطنين العاديين، ومع ذلك تظل أيضاً أهمية إظهار طبيعة وثقافة فلسطين لتغيير صورة نمطية سلبية عن البلاد.

 

في حديثها مع ميدل إيست آي، تقول بيسان بثقة ” يوجد الكثير من المنصات التي تكتب عن الاحتلال اليوم، نحن نريد أن نظهر شيئاً مختلفاً، في كل مكان نذهب إليه يتعامل معنا سكان المنطقة بود وكرم”، وتضيف ” بالنسبة لفلسطينيي الشتات الذين ينتظرون رؤية وطنهم، من أمريكا اللاتينية إلى الولايات المتحدة والخليج، لكل هؤلاء لا تعتبر هذه الجولات مجرد معلومات جديدة، بل تجربة تؤثر بهم عاطفياً بشكل كبير”، في إشارة إلى إقبال الناس على جولاتهما.

حلم التوسع

قد يصبح تنظيم الجولات تجربة محبطة في بعض الأحيان بالنسبة لبيسان وملك، فإلى جانب أحداث قد تظهر فجأة فتقوم بتعطيل جولة ما، هناك الاحتلال الإسرائيلي الذي يضع قيوداً على توسع المجموعة السياحية حتى الآن.

“نحن فلسطينيون ولكننا لا نستطيع وصول نصف مناطق فلسطين”   بيسان الحاج حسن- مؤسسة مشروع “أهلاً فلسطين”

تضيف بيسان “نحن فلسطينيون، ولكننا لا نستطيع وصول نصف مناطق فلسطين، نتمنى أن نرتب جولة في غزة أو حيفا يوماً ما، ولكننا لا نستطيع لأننا نحمل هوية فلسطينية”، حلم بيسان يتمثل برحلة خلوية لمدة 30 يوماً تبدأ من أعلى نقطة في فلسطين التاريخية إلى أدنى نقطة.

ما زال مشروع “أهلاً فلسطين” يواجه صعوبات من أحداث مفاجئة أو هجمات أو أحداث سياسية تتسبب بإيقاف الجولات بشكل مفاجئ حتى بعد ترتيبها أحياناً، لذلك تملك بيسان وملك وظائف أخرى توازنان بينها وبين جولات مشروعهما الذي يأملان أن يتوسع ويصبح عملهما الرئيسي يوماً ما، وتؤكد بيسان بتفاؤل أن “ردة فعل الناس هي ما تجعل الأمر يستحق الصبر والمثابرة على إنجاحه، فكثير من السياح يترددون في زيارة فلسطين بسبب ما يشاهدونه في وسائل الإعلام، لابد أن نسعى لتغيير ذلك”.

مقالات ذات صلة