بقلم ياسمين صباوي
ترجمة وتحرير مريم الحمد
خلال المناظرة الرئاسية الأمريكية بين كامالا هاريس ودونالد ترامب في فيلادلفيا في ولاية بنسلفانيا، تبادل المرشحان الانتقادات اللاذعة حول الحرب الإسرائيلية على غزة، كما دافع كل منهما عن أوراق اعتمادهما المؤيدة لإسرائيل.
كانت هذه هي المناظرة الرئاسية الثانية هذا العام بالنسبة لترامب بعد أن واجه بايدن سابقاً في يونيو، حيث أثار أداء بايدن المتعثر اضطرابات داخل الحزب الديمقراطي أدت في النهاية إلى تنحيه وترأس هاريس للحزب، وتصدرها في المناظرة من حيث الأسلوب والجوهر بعد أن تدربت بشكل جيد.
لم تكن المناظرات الرئاسية الأمريكية مناقشات سياسية موضوعية لسنوات، على الأقل منذ ظهور المقاطع التي انتشرت على على الإنترنت، حيث تصدر الرئيس السابق عناوين الأخبار عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي من خلال سخريته على قضايا المهاجرين غير الشرعيين والعمليات الجراحية للأجانب غير الشرعيين والمتحولين جنسياً في السجن وعمليات الإجهاض التي تحدث عند عمر 9 أشهر، ولماذا يحب الألواح الشمسية ويكرهها في نفس الوقت!
رغم ما اعتبره الكثيرون أداءً ناجحاً لهاريس، إلا أن ترامب هيمن على عناوين الصحف الرئيسية في صباح اليوم التالي للمناظرة، وبحسب استطلاعات الرأي الوطنية، فإن هاريس وترامب متقاربان بفارق 3 نقاط مئوية فقط، فما هي أهم الدروس المستخلصة في السياسة الخارجية الأمريكية من هذه المناظرة؟
-
هاريس جددت تعهدها بمواصلة تسليح إسرائيل
عندما سئل كل المرشحين عن حرب إسرائيل على غزة، كرر كلاهما نفس النقاط البالية، حيث أكدت هاريس أنها تدعم اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، لكنها جددت تعهدها بمواصلة تسليح إسرائيل، كما أعربت عن دعمها لحل الدولتين الذي لم يعد قابلاً للتطبيق على الأرض.
قالت هاريس: “في 7 أكتوبر، ذبحت حماس 1200 إسرائيلي، كثير منهم من الشباب الذين كانوا يحضرون حفلاً، وتعرضت النساء للاغتصاب بشكل فظيع”، رغم تحقيق الأمم المتحدة الذي فند ذلك بعدم إمكانية الوصول إلى روايات مباشرة أو أدلة على وقوع جريمة الاغتصاب، وأضافت: “لقد قلت بالتأكيد حينها وأقول الآن، لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها”.
لقد أثارت الحرب، التي أودت بحياة ما لا يقل عن 41 ألف فلسطيني، احتجاجات في جميع أنحاء الولايات المتحدة وأذكت انقساماً حاداً بين الأجيال، حيث يتعاطف الشباب الأمريكي مع الفلسطينيين بشكل كبير، وخلال الأشهر الستة الأولى، رفضت إدارة بايدن وهاريس الدعوة إلى وقف إطلاق النار.
في وقف إطلاق النار، قالت هاريس: “يجب أن يكون هناك أمن للشعب الإسرائيلي وإسرائيل وإجراء مساوٍ للفلسطينيين، لكنني سوف أظل أؤكد لكم دائماً أنني سأمنح إسرائيل دائماً القدرة على الدفاع عن نفسها ضد أي تهديد تشكله إيران ووكلاؤها، ولكن يجب أن يكون لدينا حل الدولتين لإعادة بناء غزة حتى يتمتع الفلسطينيون بالأمن وتقرير المصير والكرامة التي يستحقونها”.
لم تأتِ هاريس بجديد، بل رددت التصريحات السابقة التي أدلت بها هي ومسؤولون ديمقراطيون آخرون!
-
ترامب قال أن هاريس “تكره إسرائيل
من جانبه، جدد ترامب موقفه بأن الحرب في الشرق الأوسط لم تكن لتندلع لو كان في منصبه، فقال: “هي تكره إسرائيل، لم تقم حتى بمقابلة نتنياهو عندما ذهب إلى الكونغرس لإلقاء خطاب مهم، فقد رفضت أن تكون هناك لأنها كانت في حفل نادي نسائي خاص بها”.
أضاف ترامب: “إذا أصبحت هاريس رئيسة، أعتقد أن إسرائيل لن تكون موجودة في غضون عامين من الآن، لقد كنت جيداً في التنبؤات وآمل أن أكون مخطئاً هذه المرة، ولكنها تكره إسرائيل، وفي الوقت نفسه تكره العرب”.
عندما طلب منها الرد على ما إذا كانت تكره إسرائيل، أكدت هاريس أن ذلك “ليس صحيحاً على الإطلاق”، وأضافت: “طوال مسيرتي المهنية وحياتي، دعمت إسرائيل والشعب الإسرائيلي، وهو يعرف ذلك، ولكنه يحاول مرة أخرى صرف الانتباه عن الواقع، فمن المعروف أن دونالد ترامب ضعيف ومخطئ فيما يتعلق بالأمن القومي والسياسة الخارجية”.
-
من الطرف الأقسى على إيران؟
بعد دقائق، اتهم ترامب إدارة بايدن بتمكين إيران، قائلاً: “لقد تم إفلاس إيران في عهد دونالد ترامب، الآن لدى إيران 300 مليار دولار لأنهم أزالوا جميع العقوبات التي فرضتها، فلم تكن إيران تستطيع تمويل حماس أو حزب الله أو أي من مجموعة الـ 28”.
في ظل إدارة ترامب، انسحبت الولايات المتحدة مما كان يُنظر إليه آنذاك على أنه خطة العمل الشاملة المشتركة التي تم التفاوض عليها بنجاح، والمعروفة باسم الاتفاق النووي الإيراني، بين الولايات المتحدة ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وألمانيا وإيران، حيث أوضحت الوكالة الدولية للطاقة الذرية آنذاك، أن طهران التزمت بالاتفاق عندما قررت واشنطن الانسحاب من جانب واحد.
تابع ترامب: “لقد كانوا مفلسين، والآن هم أمة غنية، فهم يوزعون الأموال في كل مكان، انظروا إلى ما يحدث مع الحوثيين واليمن، انظروا إلى ما يحدث في الشرق الأوسط، هذا لم يكن ليحدث أبداً، لقد حدث وأنا سوف أقوم بتسوية الأمر بسرعة”.
-
“لقد تفاوضت مع طالبان”
خلال المناظرة، دافعت هاريس عن سحب الرئيس بايدن للقوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي من أفغانستان عام 2021، فقالت: “لقد وافقت على قرار الرئيس بايدن بالانسحاب من أفغانستان. ونتيجة لذلك، لم يعد دافعو الضرائب الأمريكيون يدفعون مبلغ الـ300 مليون دولار يومياً والذي كنا ندفعه مقابل تلك الحرب”.
قُتل مئات الأفغان، خلال الانسحاب الفوضوي، حتى أن العديد منهم كانوا يعملون جنباً إلى جنب مع القوات الأمريكية والشركات الأمنية الخاصة، وأضافت هاريس أن بعض عائلات هؤلاء الجنود قد ألقوا اللوم بشكل مباشر على إدارة بايدن، رغم أن ترامب هو من خطط للانسحاب في المقام الأول، قبل أن يخسر الانتخابات الرئاسية أمام بايدن.
قالت هاريس: “حتى اليوم، لا يوجد فرد واحد من الجيش الأمريكي في الخدمة الفعلية في منطقة قتال في أي مكان حرب حول العالم، وهذا للمرة الأولى في هذا القرن”.
يذكر أنه لا يزال هناك أفراد من الجيش الأمريكي منخرطين بنشاط في العراق، كما يحتفظون بوحدة صغيرة في شمال سوريا، وتستخدم القوات الجوية الأمريكية أيضاً قواعدها في أنحاء بلاد الشام والخليج لشن ضربات جوية على اليمن، فالفرق الوحيد هو أنه لم يصدر قط قرار حرب من قبل الكونغرس فقط، لكن لا تزال واشنطن تعمل بموجب تفويض استخدام القوة العسكرية الصادر في سبتمبر عام 2001، والذي بدأت بموجبه ما سميت “الحرب على الإرهاب”.
من جانب آخر، فقد لاحق نائب الرئيس ترامب بسبب اتفاقه في فبراير عام 2020 مع طالبان، من أجل إطلاق سراح الآلاف من أعضائها من سجون الحكومة الأفغانية، وكان هذا هو نفس الاتفاق الذي قرر ترامب بموجبه أن تخرج الولايات المتحدة من أطول حرب لها.
قالت هاريس: “إنه يطلق على نفسه اسم صانع الصفقات، ولكن حتى أن مستشاره للأمن القومي قال أنها كانت صفقة ضعيفة، وهكذا جرت الأمور، فقد تجاوز ترامب الحكومة الأفغانية وتفاوض مباشرة مع منظمة إرهابية تسمى طالبان، كما تضمنت المفاوضات قيام طالبان بإطلاق سراح 5000 إرهابيي من أعضاء الحركة”.
واضافت: “هل تفهم معنى هذا؟ لا تفهم هذا بالتأكيد، حيث دعا الرئيس في ذلك الوقت طالبان إلى كامب ديفيد، وهو مكان ذو أهمية كبيرة بالنسبة لنا كأمريكيين”، فرد ترامب بإصراره على أن التفاوض مع الطرف الأقوى يؤدي إلى نتائج مدعياً أنه يعرف زعيم طالبان شخصياً.
قال ترامب: “لقد تفاوضت مع طالبان لأنها من كانت تقوم بالقتل، فهي القوة المقاتلة داخل أفغانستان، أما بايدن وهاريس فلا يكلفان أنفسهما عناء ذلك لأنهم، كما تعلمون، يتعاملون مع الأشخاص الخطأ طوال الوقت، أما أنا فقد تفاوضت مع عبدول زعيم طالبان”.
أضاف ترامب: “إنه لا يزال زعيم طالبان، وقد قلت له لا تفعل ذلك بعد الآن، فإذا فعلت ذلك بعد الآن، يمكن أن تواجه مشاكل، فقال (لماذا ترسل لي صورة لمنزلي؟)، فقلت (عليك أن تكتشف ذلك يا عبدول فلمدة 18 شهراً لم يقتل أحد)”.
يذكر أن زعيم طالبان اليوم هو هبة الله آخند زاده، الذي يحمل لقب المرشد الأعلى لأفغانستان منذ عام 2021، أما “عبد” الوحيدان المعروفان في طالبان هما نائبي رئيس الوزراء الحاليين، واللذين كانا في السابق جزءاً من فريق طالبان المفاوض في قطر، وهما عبد الغني بارادار والملا عبد السلام حنفي.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)