بقلم ماركو كارنيلوس
ترجمة وتحرير مريم الحمد
لقد ظهر كل من رئيس الولايات المتحدة ورئيس أوكرانيا، ترامب وزيلينسكي، في موقف لا يحسد الأخير عليه داخل المكتب البيضاوي داخل البيت الأبيض، فقد تحولت الصورة الفوتوغرافية المعتادة للقمة السياسية إلى خلاف غير مسبوق بين الحلفاء السابقين.
سارت الأمور بشكل جيد في البداية، لكنها سرعان ما انحدرت إلى شجار محرج لعب فيه التنافر المعرفي والاتهامات المضادة والغرور والمظالم القديمة أدوارها في ما مشهد أقرب لكوميديا تراجيدية.
ربما يستحق زيلينسكي جائزة أشجع وأغبى زعيم في نفس الوقت، فالمقابلة التي أجراها مع شبكة فوكس نيوز بعد لقاء ترامب والبيان الذي أصدره من لندن في اليوم التالي، لم تفعل أي شيء لتحسين موقفه لدى الإدارة الأمريكية
لقد أحدث السجال اللفظي داخل المكتب البيضاوي بين الرئيس دونالد ترامب والرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، صدمة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة كما اتضح من الوجه الكئيب الذي ظهر به وزير الخارجية ماركو روبيو.
لقد كان هذا التصعيد نموذجاً مثالياً للشعار الشهير المنسوب إلى وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر حين قال: “قد يكون من الخطر أن تكون عدواً لأمريكا، ولكن أن تكون صديقاً لأمريكا فهو أمر قاتل”.
لا شك أن الشائعات سوف تدور لأسابيع وأشهر حول ما حدث، فربما تعرض زيلينسكي لكمين متعمد أو ربما اعتمد بشكل كبير على فرنسا وبريطانيا، اللتين زار قادتهما البيت الأبيض قبله مباشرة في محاولة لتمهيد الطريق لاتفاق وقف إطلاق النار لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية.
الحقيقة أن ترامب الأناني عازم على إيجاد تسوية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقد كان مستعداً لمعاملة زيلينسكي، الذي قدم قائمة طويلة من المظالم ضد بوتين، بهذا الشكل، خاصة وأن زيلينسكي لم يكن متقبلاً لفكرة التوصل إلى اتفاق سريع لوقف إطلاق النار بأي ثمن.
ربما قرر الزعيم الأوكراني لعب كل الأوراق التي كانت بحوزته ضد إدارة ترامب، بعد أن تم توجيه مسدس إلى رأسه داخلياً على يد اليمين المتطرف الذي يريد محاربة روسيا حتى آخر أوكراني.
في الوقت نفسه، تبدو رسالة زيلينسكي الموجهة إلى الرئيس الأمريكي بعد هذا الخلاف المذهل وكأنها محاولة يائسة للسيطرة على الضرر الذي حصل، فكانت النتيجة المؤسفة أن ترامب قتل آمال وأحلام زيلينسكي وحلفائه الأوروبيين في 10 دقائق!
تجاهل أوروبي
ربما يستحق زيلينسكي جائزة أشجع وأغبى زعيم في نفس الوقت، فالمقابلة التي أجراها مع شبكة فوكس نيوز بعد لقاء ترامب والبيان الذي أصدره من لندن في اليوم التالي، لم تفعل أي شيء لتحسين موقفه لدى الإدارة الأمريكية.
لقد أصبح بوضوح الشخص غير المرغوب به في واشنطن، وما تعليق ترامب للمساعدات العسكرية لأوكرانيا إلا دليل على أن الحرب ليست كلامية فحسب، وبالتالي قد يكون من المقدر لأوكرانيا أن تصطف إلى جانب الدول التي أرهقتها الولايات المتحدة من فيتنام الجنوبية عام 1975، إلى إيران عام 1979، إلى لبنان عام 1984، إلى بنما عام 1989، إلى أفغانستان عام 2021.
لقد كان المشاركون في قمة لندن يشبهون الملوك الأوروبيين في صيف عام 1914، وهم يسيرون نحو الهاوية، فهل يقدم المجلس الأوروبي الخاص المقرر انعقاده يوم الخميس نهجاً أكثر واقعية؟ أشك في ذلك
على صعيد آخر، فإنه من المؤسف الطريقة التي يواجه فيها الزعماء الأوروبيون هذا التحول الصادم للأحداث، فهم لم يتمكنوا من توقع رؤية ترامب وفضلوا بدلاً من ذلك مواصلة مشاهدة عرض ترومان الذي استمتعوا به طوال السنوات الثلاث الماضية.
إن فكرة أن يحل الأوروبيون محل الولايات المتحدة في دعم أوكرانيا ضد روسيا أمر مثير للضحك، فهم لن يتمكنوا أبداً من سد الفجوة الهائلة الناجمة عن كسلهم الذي دام عقوداً من الزمن في المشتريات العسكرية، ولن يتمكنوا من العثور على الموارد المالية اللازمة بعد تقلص ميزانياتهم إلى درجة دفعت أوروبا إلى حافة ثورة اجتماعية.
إذا كانت هذه “لحظة سبوتنيك” حقيقية بالنسبة لحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، فسوف تكون هناك حاجة إلى قيادات عظيمة وملهمة للرد بشكل حقيقي، ولكن يبدو أن أوروبا غير قادرة على تقديم مثل هذه الحلول.
يدرك زعماء الاتحاد الأوروبي تمام الإدراك الخطر الذي يشكله توسع حلف شمال الأطلسي شرقاً على روسيا، والآن يصدر هؤلاء القادة نفس التصريحات لدعم زيلينسكي، ولكن الحقيقة أن كل تلك التصريحات بلا قيمة دون عمل جماعي ذي معنى.
تنافر معرفي
أكد البيان الضعيف الذي صدر بعد القمة الأوروبية الأطلسية التي انعقدت على عجل في لندن، تصميم الزعماء على “العمل من أجل سلام دائم في أوكرانيا بالشراكة مع الولايات المتحدة”، لذا، فإن ما يدركه الاوروبيون بعد انسحاب الولايات المتحدة من أوروبا، هو أن أوروبا لابد وأن تستمر في العمل بشكل وثيق مع الولايات المتحدة رغم أي تنافر معرفي.
جاء في البيان: “يجب ألا نكرر أخطاء الماضي عندما سمحت الصفقات الضعيفة للرئيس بوتين بالغزو مرة أخرى”، وإذا كانت الإشارة هنا إلى اتفاقيات مينسك، فمن الجدير أن نتذكر ما اعترف به قادة ألمانيا وفرنسا السابقون حول الروح التي عملت بها بلدانهم لضمان نجاح تلك الصفقات.
يضيف البيان: “لقد اتفقنا على أن المملكة المتحدة وفرنسا وآخرين سوف يعملون مع أوكرانيا على خطة لوقف القتال وسوف نناقشها بشكل أكبر مع الولايات المتحدة ونمضي بها قدماً معاً”.
بعبارة أخرى، كانت النتيجة العظيمة التي أسفرت عنها قمة لندن تتلخص في وضع “خطة لوقف القتال”، وليس اقتراح السلام الذي من المفترض أن يتم تقديمه إلى الولايات المتحدة، وليس روسيا، والتفاوض بشأنه معها.
لا يصدق مدى تغير العالم منذ تنصيب ترامب في 20 يناير الماضي، فقد كان تعهد البيان “بإحضار الرئيس بوتين إلى الطاولة” من خلال ممارسة “المزيد من الضغط على روسيا من خلال زيادة العقوبات التي تشمل عائدات الطاقة الروسية” أمراً غير متوقع.
هؤلاء الأوروبيون أبعد ما يكونون عن المساعدة، فهم ما زالوا يعتقدون أنهم من خلال المثابرة على السنوات الثلاث الأخيرة من السياسات الفاشلة سوف يحققون نتائج مختلفة، ويتذكرون تعريف ألبرت أينشتاين الشهير للجنون: “فعل الشيء نفسه مراراً وتكراراً وتوقع نتائج مختلفة”.
من ناحية أخرى، فقد كانت أكثر الخطوات ذكاء لدخول المرحلة الجديدة هي الإطاحة بممثلة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كاجا كالاس، التي لا تزال تصرخ ضد روسيا والصين، ولذلك فمن غير المستغرب أنه خلال رحلتها الأخيرة إلى واشنطن، تم إلغاء اجتماع كالاس مع روبيو.
كيف يمكن للاتحاد الأوروبي إذن أن يتظاهر بإشراك الولايات المتحدة في حين يتم تجاهل وزيرة سياسته الخارجية من قِبَل نظيرتها الأمريكية؟!
لقد كان المشاركون في قمة لندن يشبهون الملوك الأوروبيين في صيف عام 1914، وهم يسيرون نحو الهاوية، فهل يقدم المجلس الأوروبي الخاص المقرر انعقاده يوم الخميس نهجاً أكثر واقعية؟ أشك في ذلك.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)