بقلم ديفيد هيرست
تعرضت المنطقة التي تبلغ مساحتها 12 ضعفا مقارنة بمساحة بلجيكا إلى 20 هزة أرضية في يومين.
تسبب الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، والذي بلغت قوته 7.8 درجة على مقياس ريختر، بدمار يعادل انفجار 7.5 مليون طن من مادة تي إن تي.
وسرعان ما تبع الزلزال هزة ارتدادية بلغت قوتها 6.7 درجة في وسط وشرق تركيا، وهزة أخرى بقوة 5.6 درجة على الحدود التركية السورية.
قدمت بريطانيا 2.7 مليار دولار من الأسلحة لأوكرانيا مقابل 6 ملايين دولار للإغاثة من الكوارث لـ 23 مليون شخص في تركيا وسوريا، هل هذا حقيقي؟ على ما يبدو نعم.
لقد تم تسجيل ما يقرب من 800 هزة ارتدادية، تأثر بها ما يصل إلى 23 مليون شخص.
وإلى وقت كتابة هذا التقرير – وهذه الأرقام تتغير كل ساعة – فقد 17674 شخصا حياتهم في تركيا و3377 في سوريا، وبلغ عدد الجرحى 72879، في حين نزح أكثر من 100 ألف شخص في تركيا و300 ألف آخرين في سوريا.
وتحولت مئات المباني متعددة الطوابق، التي يبلغ ارتفاع بعضها نحو 12 طابقًا، إلى أكوام من الأنقاض، ودمرت مناطق بأكملها، وطرق رئيسية وخطوط السكك الحديدية بين المدن الكبرى، بينما اختنقت طرق أخرى بحركة مرور المساعدات.
فقدان الاهتمام العام
أرسلت عشرات الدول فرق البحث والإنقاذ، ولكن بعد مرور ثلاثة أيام من وقوع هذه الكارثة، بالضبط في اللحظة التي تتحول فيها عملية البحث والإنقاذ إلى عملية بطيئة وكئيبة لانتشال الجثث، في حين تتغافل العناوين الرئيسية في أوروبا، الجار المباشر لتركيا، عن المأساة.
نحن نعلم ما يلي فقدان الاهتمام العام، فخلال هذا الأسبوع، حلت زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى بريطانيا وبروكسل مكان الزلزال.
وأصبح زيلينسكي الشجاع الذي يرتدي الكاكي، والذي تحول في الوعي السياسي إلى تقاطع بين تشرشل وبوديكا وجان دارك، ورقة سياسية ساخنة، تتنافس على استضافته البرلمانات.
وشكلت زيارته لبريطانيا أولاً بشكل مفضل عن فرنسا وبروكسل مصدر فخر وطني، وكذلك كانت المساعدات العسكرية التي قدمتها بريطانيا لأوكرانيا العام الماضي بقيمة 2.3 مليار جنيه استرليني (2.7 مليار دولار)، وهو ذات المبلغ الذي سيقدمه رئيس الوزراء ريشي سوناك لأوكرانيا هذا العام، مما يجعل بريطانيا ثاني أكبر مانح عسكري لأوكرانيا.
هذا هو نوع المال المتاح في بريطانيا عندما تتوفر الإرادة السياسية، قارنه بالمبلغ الذي قالت حكومة المملكة المتحدة إنه سيتم إنفاقه على الزلزال التركي السوري!
عندما أطلقت المنظمات الخيرية الـ 15 التي تشكل لجنة طوارئ الكوارث نداءها يوم الخميس لتقديم مساعدات الإنقاذ والخدمات الطبية والمأوى والبطانيات والطعام، أعلن وزير الخارجية جيمس كليفرلي أن المملكة المتحدة ستقدم ما يصل إلى 5 ملايين جنيه إسترليني (6 ملايين دولار) من تبرعات الجمهور.
2.3 مليار جنيه استرليني من الأسلحة إلى أوكرانيا و 5 ملايين جنيه إسترليني فقط لإغاثة 23 مليون شخص؟ هل هذا حقيقى؟ على ما يبدو نعم.
تجاوز السياسة
على المستوى الإنساني، تتطلب الكوارث استجابة عالمية تتجاوز السياسة أو الدرجة التي يُعامل بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أو الرئيس السوري بشار الأسد على أنهما منبوذين في تجمعات العظماء والفضلاء مثل دافوس.
في غضون يوم واحد من وقوع الكارثة، نشرت مجلة شارلي إبدو الفرنسية الساخرة رسما كاريكاتوريا يظهر مبنى مدمرا وسيارة مدمرة وكومة من الأنقاض مع التعليق: “لا داعي لإرسال دبابات”.
كان هذا أكثر من مجرد رسم كاريكاتوري يعكس ذوقا سيئا، كما أن تشارلي إبدو ليست مجرد مجلة ساخرة.
ففي عام 2015، أصبحت شارلي إبدو بؤرة لما وُصف بالدفاع عن الديمقراطية وحرية التعبير ضد هجمات المتعصبين والإرهابيين – مثلما يتم تقديم أوكرانيا اليوم، وتعرضت مكاتبها في باريس لهجوم من سعيد وشريف كواشي الذين زعما تمثيل منظمة القاعدة المتشددة، مما أسفر عن مقتل 12 شخصًا وإصابة 11 آخرين.
أثار الهجوم مظاهرات حاشدة، وانتشر وسم “أنا شارلي” على نطاق واسع، وأصبحت شارلي إبدو رمزاً لحرية التعبير وعرضة للهجوم من البرابرة الملتحين.
ولتحقيق هذه الغايات، تم إخفاء عنصرية شارلي إبدو في ذلك الوقت، كما هو الحال حتى يومنا هذا.
خطأ ذو أبعاد كبيرة
إن إحجام الاتحاد الأوروبي عن أن يكون المستجيب الأول في هذه الأزمة هو أمر طوعي تمامًا، لكنه خطأ غير مقصود وله أبعاد كبيرة.
هذه فرصة لإظهار القيادة الأخلاقية والإنسانية لملايين الناس، إنها فرصة للتحدث مباشرة معهم لا مع حكوماتهم أو رؤسائهم الذين يناورون من أجل إعادة انتخابهم.
هذه فرصة لجعل العالم يرى أن الغرب يمكنه إعادة البناء كما يمكنه التسبب بالتدمير، لكن هذا هو الشعور الأخير في ذهن أوروبا المحصنة اليوم حيث تتحصن القلعة الأوروبية الثرية بالأسوار المكهربة العالية والطائرات بدون طيار لإبعاد جحافل الوثنيين.
وفي حين لم يتم جمع مبالغ كبيرة حتى الآن في بريطانيا أو فرنسا أو ألمانيا، فقد جمع السعوديون أكثر من 51 مليون دولار بعد أربعة أيام من إطلاق منصة سهم لإغاثة سوريا وتركيا.
إنه فول سوداني لأي فرد من العائلة المالكة السعودية، لكنه تبرع كبير من قبل السعوديين أنفسهم، الأمر الذي يضع بريطانيا في موقف محرج، ومع ذلك، دعونا نتخلى عن الأخلاق أو أي شعور بالإنسانية المشتركة، دعونا نتبع روح المصلحة الذاتية!
أرقام مذهلة
قبل الحرب في أوكرانيا، كان الشرق الأوسط يمثل 25 بالمائة من طالبي اللجوء في أوروبا في عام 2021، وجاء أكثرهم من سوريا والعراق وحلت تركيا في المرتبة الخامسة فيما احتلت أفغانستان المرتبة الثانية.
حولت الحرب في سوريا تركيا إلى أكبر دولة مضيفة للاجئين في العالم، حيث تأوي أكثر من 3.6 مليون لاجئ سوري و320 ألف شخص من جنسيات أخرى، وقد أنفقت 5.59 مليار دولار على شكل مساعدات إنسانية العام الماضي، وهو ما يمثل 0.86 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي، مما يجعلها رائدة على مستوى العالم، وفقًا لتقرير صادر عن مؤسسة مبادرات التنمية.
من مصلحة أوروبا بكل تأكيد أن تضمن قدرة تركيا على الاستمرار في سياستها المتمثلة في إعادة توطين اللاجئين في شمال سوريا
ومن حيث الأموال التي يتم إنفاقها، تأتي تركيا في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة، هذه أرقام مدهشة بالنسبة لحكومة كثيراً ما يتم تشويه سمعتها في الغرب.
لكن هذا الجهد ليس ثابتًا، حيث تقوم الأحزاب التركية اليمينية المتطرفة، مثل حزب النصر، بتنظيم حملات للتجول، وجمع الأموال لشراء تذاكر الحافلات لترحيل السوريين.
وبحثا عن جهة يلقون باللوم عليها بشأن جهود الإغاثة البطيئة، ينقلب بعض الأتراك على اللاجئين في أعقاب هذه الكارثة.
هذه أحداث كبيرة بما يكفي للدفع بالمزيد من موجات اللاجئين في المستقبل لأن عملية إعادة البناء ستستغرق سنوات، إن لم تستغرق عقودًا.
وبالتالي فمن مصلحة أوروبا بكل تأكيد أن تضمن قدرة تركيا على الاستمرار في سياستها المتمثلة في إعادة توطين اللاجئين في شمال سوريا.
لكن سوريا أيضًا، التي كانت ذات يوم محور تسليح غربي سري، قد تم التخلي عنها، حيث كان اللاجئون السوريون يموتون من البرد لفترة طويلة قبل أن يضرب الزلزال حلب وإدلب.
يُعتقد أن ثلث الضحايا سقطوا في محافظة هاتاي على الجانب الآخر من الحدود السورية، وكان للدمار في هاتاي تأثير فوري على الإغاثة التي تمر عبر معبر باب الهوى، وهو الحبل السري لمساعدة ملايين الأشخاص في شمال غرب سوريا الذين يعيشون في مناطق خارج سيطرة حكومة دمشق.
أما السوريون الخاضعون لسيطرة الحكومة ليسوا أفضل حالاً، فالدولة ممزقة بسبب الحرب، وكما كانت إيران في الأيام الأولى للجمهورية الإسلامية، فإن سوريا تعاني الآن من العقوبات.
في كل عام تتسع الهوة بين الصحيح الذي يجب فعله وما نقوم به فعلا في نهاية المطاف، وفي كل عام، تصبح الكلمات التي ينطق بها القادة الأوروبيون أكثر بشاعة.