بقلم حمد الله بيقر وعلي باكير
ترجمة وتحرير مريم الحمد
لم يكن هجوم حماس في 7 أكتوبر وليد اللحظة أو مفاجأة بلا سبب، وذلك باعتراف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي أرجع السبب الجذري للحدث إلى “56 عاماً من الاحتلال الخانق للأراضي الفلسطينية”.
منذ اللحظة التي سارع فيها الساسة الأمريكيون بربط هجوم 7 أكتوبر بأحداث 11 سبتمبر، كان على الأوروبيين أن يتذكروا جيداً ما كانت عليه السياسة الأمريكية في مرحلة ما بعد 11 سبتمبر، ويتذكروا معها ندم العديد منهم في ذلك الوقت، فقد صرح بايدن بكل بساطة بالقول أنه “بالنسبة لدولة بحجم إسرائيل، كان الأمر أشبه بـ 15 حادثة 11 سبتمبر”.
عندما يتبنى بايدن خطاً أمريكياً متطرفاً تجاه الشرق الأوسط، فسرعان ما تفعل دول الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة أيضاً، فهي لم تتعلم من الأخطاء السابقة جراء اتباع السياسة الخارجية الأميركية بشكل أعمى!
الحقيقة أن تلك المقارنة أبعد ما تكون عن الصحة لعدة أسباب، على رأسها ما صرح به غوتيريش بأن “رؤية الفلسطينيين لابتلاع أراضيهم بالمستوطنات وتعرضهم للعنف المطرد وخنق اقتصادهم وتهجيرهم وهدم منازلهم تسبب في تلاشي آمالهم في التوصل إلى حل سياسي لمحنتهم”.
على ما يبدو أن كل ذلك لا يراه العالم الغربي، ويصر من جديد على خلق بيئة مشابهة لتلك التي حدثت بعد 11 سبتمبر، شاملة للأخطاء نفسها التي ارتكبوها منذ أكثر من 20 عاماً!
اتباع السياسة الأمريكية بشكل أعمى!
إن الإدارة الأمريكية الديمقراطية اليوم تتصرف بتطرف لم يكن متصوراً، حتى أنه أشبه بسياسات الرئيسين الجمهوريين جورج بوش الأب والإبن، فرد بايدن على هجوم حماس ودعمه غير المشروط لإسرائيل يذكر ببوش الإبن، صاحب الحرب المصطنعة ضد العراق.
ولا تتوقف المشكلة هنا، فعندما يتبنى بايدن خطاً أمريكياً متطرفاً تجاه الشرق الأوسط، فسرعان ما تفعل دول الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة أيضاً، فهي لم تتعلم من الأخطاء السابقة جراء اتباع السياسة الخارجية الأميركية بشكل أعمى!
كشفت استطلاعات الرأي الأخيرة عن الفجوة الكبيرة بين الزعماء السياسيين في بريطانيا والشارع الذي أظهر 76% منه رغبته في وقف إطلاق النار
إنها تنسى أو تتناسى أن هجمات 11 سبتمبر انتهت بغزو كارثي لبلدين، أفغانستان والعراق، وتركت المنطقة في اضطرابات لا تزال مستمرة حتى اليوم، بل وتبدو مستعدة مرة أخرى لارتكاب المزيد من الأخطاء.
مرة أخرى، يتجاهل القادة الأوروبيون الاحتجاجات المحلية الضخمة المناهضة للحرب والمطالب العامة بوقف إطلاق النار، كما يتجاهلون نداءات العامة لوقف دعمهم غير المشروط للولايات المتحدة واليوم يضاف لها إسرائيل، بل و يستسهلون تداول “معلومات” لم تثبت صحتها، مثلما تداولوا كذبة أسلحة الدمار الشامل في العراق!
من جهة ثانية، فقد فشلوا في تعلم الدروس من تجربة الولايات المتحدة في أفغانستان، حيث سلمت البلاد لحركة طالبان في نهاية المطاف، ورغم تأييد غزو أفغانستان بشكل أكبر من تأييد الحرب على العراق، إلا أن الرأي العام كان يدرك أن الحملة العسكرية في أفغانستان ستدمر البلاد كلها وليس فقط “القواعد الإرهابية”.
بعيد عما يجري
في بريطانيا مثلاً، اتحد حزب المحافظين بقيادة ريشي سوناك، مع حزب العمل بقيادة كير ستارمر، على إظهار دعمهما الكامل لإسرائيل، رغم امتلاء الشوارع بالمسيرات المؤيدة للفلسطينيين، حتى أن إحداها في 11 نوفمبر اجتذبت 800 ألف شخص ولم يسبق لها مثيل في بريطانيا.
تسبب هذا الإقبال الضخم لدعم الفلسطينيين بغضب في الصحافة البريطانية التي عكست رأي ساستها، حيث كشفت استطلاعات الرأي الأخيرة عن الفجوة الكبيرة بين الزعماء السياسيين في بريطانيا والشارع الذي أظهر 76% منه رغبته في وقف إطلاق النار.
وأظهر استطلاع آخر أجرته مؤسسة يوجوف ونُشر في 24 أكتوبر، تأييد 21% من الجمهور البريطاني لإسرائيل مقابل 18% لفلسطين، أما البقية فكانوا إما داعمين لكلا الطرفين بالتساوي أو لا يعرفون شيئاً عن الأمر.
ويعد التباين بين الحكومة والجمهور كبير جدًا لدرجة أن وزيرة الداخلية السابقة سويلا برافرمان، التي أقالها سوناك مؤخراً بسبب انتقادها للشرطة، وصفت الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين بأنها “مسيرات كراهية”.
ولا تختلف الصورة في دول أخرى في الاتحاد الأوروبي، فباستثناء دول مثل أيرلندا وإسبانيا، هرع زعماء آخرون في الاتحاد الأوروبي إلى إسرائيل، من أجل الوقوف إلى جانب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو!
أما فرنسا وألمانيا فقد ذهبتا إلى ما هو أبعد من بريطانيا، حيث حظرتا جميع المسيرات المؤيدة للفلسطينيين تقريبًا، وجرمتا رفع العلم الفلسطيني أو الهتاف نيابة عن الفلسطينيين، وبالمقابل، تشجيع المسيرات المؤيدة لإسرائيل، تضييق دفع أكثر من 100 كاتب وأكاديمي يهودي في ألمانيا على توقيع رسالة مفتوحة تطالب برفع الحظر عن المؤيدين للفلسطينيين!
نشر الأكاذيب
تاريخياً، لم ترحب الحكومات الغربية يوماً لا بحماس ولا طالبان، فأفغانستان التي تحكمها حركة طالبان كانت الهدف الأول للانتقام الأميركي بعد أحداث 11 سبتمبر، ومع ذلك بعد عقدين من الغزو والحملة العسكرية، التي كلفت آلاف الأرواح ومليارات الدولارات، انسحبت الولايات المتحدة وسلمت البلاد لطالبان، وهذا درس يجب على الأوروبيين التعلم منه.
وإذا ما أردنا إسقاط ذلك المثال على حماس، فإن الإفراط في إضفاء الطابع الأمني عليها أو على أي فصيل آخر في فلسطين، قد يكون مشكلة، لأن الولايات المتحدة سوف تعطي لنفسها الحق في أن تقرر أي فصيل يمكن أن يحكم، في مشهد قد لا يخلو من الفوضى كما حصل في مطار كابول أثناء عملية الإخلاء، على الأوروبيين التفكير في ذلك قبل أن يتبعوا الولايات المتحدة في سياستها نحو حماس على نحو أعمى!
من المحتمل جدًا أن يتبين في نهاية المطاف أن ادعاء إسرائيل بأن الانفجار الذي وقع في المستشفى الأهلي المعمداني في مدينة غزة، كان ناجمًا عن صاروخ فلسطيني ما هو إلا كذبة أخرى!
عليهم أن لا ينسوا أيضاً أن سجل الولايات المتحدة حافل في نشر الأكاذيب، مما أدى إلى غزو العراق عام 2003، حيث خلص تقرير تشيلكوت البريطاني عام 2016، إلى أن أساس الغزو العراقي الذي كان ادعاء الولايات المتحدة بأن صدام كان يمتلك أسلحة دمار شامل لا أساس له.
رغم ذلك، لم يتردد رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، توني بلير، في إظهار دعمه الكامل للولايات المتحدة معتبراً أن بريطانيا تقف “كتفاً بكتف مع الأمريكيين لهزيمة الإرهاب الدولي والقضاء عليه، وأننا “مثلهم، لن نرتاح نقضي على هذا الشر من عالمنا”.
وفي الحرب الحالية، ادعى الرئيس بايدن أنه شاهد مقاطع فيديو تظهر حماس تقطع رؤوس الأطفال، قائلاً “لم أعتقد قط أنني سأرى، وتأكدت من صور الإرهابيين وهم يقطعون رؤوس الأطفال”، ولكن لم يطل الأمر حتى صحح البيت الأبيض موقف بايدن مشيراً إلى أن الرئيس لم ير صوراً وأنه “استند إلى كلام المتحدث باسم نتنياهو والتقارير الإعلامية الواردة من إسرائيل”.
“نموذج لما لا ينبغي لك فعله”
إسرائيل نفسها لديها سجل طويل من الأكاذيب حول أسباب قتلها للمدنيين، من أبرز أمثلتها أكاذيب حول غارة جوية عام 2014 قتلت فيها أطفالاً يلعبون كرة القدم على شاطئ في غزة.
زعمت إسرائيل في الحادثة أن الهجوم كان صاروخًا أطلقته حماس، لكن صحفيين أجانب، كانوا يقيمون في مكان قريب، شهدوا بعدم صحة ذلك، فاضطرت إسرائيل إلى الاعتراف بالقتل مع الإصرار على أن هدفها كان مجمعًا لحماس، ثم خلص تحقيق لاحق إلى أن مشغلي الطائرات بدون طيار أطلقوا النار دون اكتراث للتمييز بين الأطفال والمسلحين.
وعليه، فمن المحتمل جدًا أن يتبين في نهاية المطاف أن ادعاء إسرائيل بأن الانفجار الذي وقع في المستشفى الأهلي المعمداني في مدينة غزة، كان ناجمًا عن صاروخ فلسطيني ما هو إلا كذبة أخرى!
ولو عدنا لحادثة قتل الصحفية شيرين أبو عاقلة في مايو 2022، فسوف نجد مثالاً آخر على أكاذيب إسرائيل، ففي الأيام التي تلت مقتلها، أنكرت إسرائيل مسؤوليتها وادعت أن المسلحين الفلسطينيين هم من فعلوا ذلك، ثم عادت بعد أشهر من الإنكار، لتقول بأن شيرين على الأرجح قتلت على يد القوات الإسرائيلية.
يجب أن يكون سجل الولايات المتحدة وإسرائيل الحافل بالأكاذيب سبباً كافياً لكي لا تستعجل القوى الأوروبية في تصديق الولايات المتحدة وإسرائيل وتقديم الدعم الكامل وغير المشروط لهما، فكما كتبت الصحفية في النيويورك تايمز، زينب توفيقي، أنه “إذا كان رد الولايات المتحدة بعد 11 سبتمبر نموذجاً، فهو نموذج لما لا ينبغي فعله”.
يمكن أيضاً الاستعانة في هذا الموضع بعبارة ألبرت أينشتاين، الذي كان هو يهودي، حين قال “الجنون هو فعل الشيء نفسه مراراً وتكراراً وتوقع نتائج مختلفة”، وفي هذه الحالة، فإن الجنون هو تتبع خطى الولايات المتحدة رغم سجلها الحافل بالكذب ومن ثم توقع نتائج مختلفة!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)