بقلم آنا ستافريانكيس
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
أثار الرد الإيراني على هجوم إسرائيل على قنصلية طهران في دمشق الحديث عن وصول منطقة الشرق الأوسط إلى “حافة الهاوية”، بعدما بلغ الجدل السياسي والإعلامي المحموم حول ما سيحدث بعد ذلك حد التوقع بخروج غزة من إطار المشهد.
ومع ذلك، فقد تم دفع الفلسطينيين بالفعل إلى حافة الهاوية بسبب عدوان الإبادة الجماعية الذي تنفذه دولة الاحتلال بحقهم منذ تشرين الأول/أكتوبر، فيما لا تزال مسألة الدور الذي تضطلع به المملكة المتحدة تحت التركيز.
في وقت سابق من هذا الشهر، مررت بتجربة سريالية إلى حد ما عندما ظهرت في برنامج “نيوزنايت” على قناة بي بي سي لمناقشة صادرات الأسلحة البريطانية إلى إسرائيل في ظل الدعوات المتنامية لفرض حظر على توريد الأسلحة.
ظهرت في البرنامج إلى جانب اللورد كيم داروش، سفير المملكة المتحدة السابق لدى الولايات المتحدة، وبوب سيلي، النائب المحافظ عن جزيرة وايت، حيث دعا داروش إلى الانتقال من الخطابة إلى العمل والتوقف عن إمداد الاحتلال بالأسلحة، نظراً لاستراتيجيتها العسكرية المتهورة ومستوى الضرر الذي يلحق بالمدنيين في غزة.
لكن سيلي رفض تلك الدعوة واعتبرها لفتة سياسية ضحلة بالنظر إلى ما أسماه المستوى “الضئيل غير ذي المعنى” من حجم صادرات الأسلحة البريطانية إلى تل أبيب، ودعا بدلاً من ذلك المملكة المتحدة إلى “مضاعفة علاقتنا مع إسرائيل”.
لماذا يوضع ملف حظر الأسلحة على الطاولة في هذه المرحلة؟ لقد كان مقتل ثلاثة رجال بريطانيين بيض، وهم عناصر عسكريون سابقون يعملون مزودين لوكالات الإغاثة في غارات الاحتلال الجوية على مركبات المطبخ المركزي العالمي، هو الدافع وراء ذلك، وتلا هذا الاستهداف نشر رسالة كتبها أكثر من 600 قاض ومحام وقانوني متقاعد وأكاديمي ذكّروا فيها الحكومة بالتزامها بموجب القانون الدولي بتعليق توفير الأسلحة والأنظمة الحربية لحكومة الاحتلال.
ومع ذلك فقد قتل الاحتلال أكثر من 34 ألف فلسطيني منذ شهر تشرين الأول/أكتوبر وهذا هو فقط عدد الضحايا الذين أمكن إحصاؤهم، والذين لم يوّلد قتلهم على يد دولة الاحتلال الطلب بوقف تصدير السلاح.
ومع ذلك، فإن قواعد المملكة المتحدة واضحة: لن تسمح الحكومة بتصدير الأسلحة إلى حيث يوجد خطر واضح من احتمال استخدامها في انتهاك خطير للقانون الإنساني الدولي، وبعيداً عن ابتذال وزير الخارجية ديفيد كاميرون، كان من الواجب على حكومة المملكة المتحدة أن توقف بالفعل مبيعات الأسلحة بموجب شروط قانونها وسياستها.
“أنا لست محامياً”
إن إحدى الأمور التي غالباً ما يتم إغفالها في ظل الوضع الحالي اليائس هي أنه كانت هناك دعوات متكررة لفرض مثل هذا الحظر في الماضي، على سبيل المثال في الأعوام 2009 و2014 و2018 و2021 بعد جولات سابقة من عنف الاحتلال ضد الفلسطينيين.
والحقيقة أن الدعوة إلى الحظر كانت مطلباً أساسياً للنقابات العمالية الفلسطينية، ومع ذلك، فقد أصبحت الأصوات والمطالب الفلسطينية غير مرئية في معظم الحوارات العامة البريطانية.
نادراً ما تمكنت قواعد تصدير الأسلحة في المملكة المتحدة من الاتصال بالواقع، بل إن الاحتجاجات المنتظمة والمتكررة، والعمل المباشر المتزايد ضد شركات الأسلحة، ومثابرة عدد من أعضاء البرلمان، هي التي أوصلت المملكة المتحدة إلى النقطة التي يثار فيها حوار عام حول وقف إمدادات الأسلحة إلى الاحتلال وممارسة ضغوط كبيرة على حكومته.
وتتجلى آثار هذا الضغط في الردود المتهورة على الانتقادات حيث تدور مجموعة من المبررات حول الطبيعة الانتقائية للقانون الدولي، فحتى أقل الانتقادات الموجهة للاحتلال من دوائر المؤسسة لا بد أن يسبقها التأكيد على الالتزام بحق إسرائيل في الدفاع عن النفس على الرغم من أن التعقيدات القانونية التي ينطوي عليها قانون حق الحرب للجوء إلى القوة في سياق الاحتلال والقانون الإنساني الدولي تخالف ذلك بشكل كبير، لقد حطم عدوان الاحتلال وحصاره لغزة بشكل تلقائي العتبات المتعلقة بالسلوك في الحرب.
لقد بذل كاميرون قصارى جهده ليقول للجنة الشؤون الخارجية “أنا لست محامياً”، وقد كررها أربع مرات خلال نصف ساعة من الاستجواب الشفوي عندما كان محامو وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية واضحين معه في أن تقييمهم هو أن الدعم العسكري للاحتلال ينطوي على مخاطر سياسية كبيرة، وعندما ذكروه بأن الحكم على مدى التزام الاحتلال بالامتثال للقانون الإنساني الدولي هو قرار سياسي يقع على عاتقه.
السياسة الرمزية
وتتمحور مجموعة أخرى من المبررات حول القيمة المالية لصادرات الأسلحة، لقد أفصح سيلي في برنامج نيوزنايت عن أن مساهمة المملكة المتحدة في واردات الأسلحة للاحتلال قدرها 0.02% واصفاً هذا الرقم بأنه “صغير لا معنى له”، مما يجعل أي وقف لإمدادات الأسلحة مثالاً على سياسة الإيماءات الضحلة.
ويبدو أن نسبة 0.02% تعود إلى العام 2022، عندما بلغت تراخيص تصدير الأسلحة القياسية في المملكة المتحدة إلى الاحتلال 42 مليون جنيه إسترليني.
لكن هذا الرقم لا يشمل سوى تراخيص تصدير الأسلحة التي تجمع الحكومة بيانات عن قيمتها المالية، فهناك أيضاً تراخيص “مفتوحة”، تسمح للشركات بتصدير كميات غير محدودة من المعدات لمشاريع وعقود معينة.
على سبيل المثال، توفر الشركات البريطانية 15% من كل طائرة مقاتلة من طراز F35 يتم تصنيعها، بما في ذلك تلك المخصصة للاحتلال، وقد أصدرت حكومة المملكة المتحدة ترخيصاً مفتوحاً لمشروع F35 الذي يغطي 79 شركة يقع مقرها في المملكة المتحدة.
لا يمكننا تحديد قيمة مالية لصادرات تلك الشركات لبرنامج F35 لأن الحكومة لا تجمع تلك البيانات، لذا فإن مبيعات الأسلحة البريطانية للاحتلال هي أكثر أهمية مما يتصوره المدافعون عن سياسة المملكة المتحدة.
وصحيح أن المملكة المتحدة مورد صغير نسبياً للسلاح إلى دولة الاحتلال مقارنة بالولايات المتحدة، التي توفر نصيب الأسد من المساعدات العسكرية والأمنية لها، وهذا يطرح سؤالاً عن الأهمية التي يعنيها وقف مبيعات الأسلحة البريطانية؟
لقد رفض سيلي وجد أي قيمة لتصدير السلاح البريطاني للاحتلال واعتبر إثارة الموضوع لفتة ضحلة وغير ذات صلة على الإطلاق، لكن داروك طرح حجة معاكسة، استناداً إلى السياسة الرمزية لمثل هذه الخطوة، فالوقف سيكون بمثابة رمز لـ “ما نفكر فيه حول الأشياء”، ويشير إلى استنكار المملكة المتحدة لسلوك الاحتلال، ويجعل المملكة المتحدة متماشية مع مواقف موردي السلاح الثانويين الآخرين مثل كندا وبلجيكا وإسبانيا.
وأشار داروك إلى أنه حتى الأميركيين كانوا يتحدثون عن قيود محتملة على تصدير السلاح بالنظر إلى حجم الضرر الذي يلحق بالمدنيين، خاصة إذا تم تنفيذ أي غزو بري لرفح، في ضوء رد إيران على هجوم الاحتلال على سفارتها في سوريا.
فرصة استراتيجية
هناك حجة قوية لصالح سياسة الإيماءات تتمثل في إبراز القوة الرمزية، ففي نهاية المطاف، تريد الحكومة أن تلعب رمزية صادرات الأسلحة في كلا الاتجاهين: فإمدادات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية ضخمة للغاية لدرجة أننا لا نستطيع على ما يبدو أن نؤيد قطعها بسبب التهديد الذي تتعرض له الوظائف في المملكة المتحدة وتوفير السعودية للمعلومات الاستخبارية، في حين أن إمدادات الأسلحة إلى الاحتلال ضئيلة للغاية لدرجة أننا لا نستطيع أن نؤيد قطعها بسبب المخاطر التي تهدد العلاقة الاستخباراتية.
هنا يظهر السؤال عن من أين يأتي “النفوذ” الذي يتبجح به داعمو مبيعات الأسلحة؟ عند نقطة معينة، يجب أن تكون الأسئلة المبدئية ذات أهمية، حتى بالنسبة لأكثر الواقعيين عناداً، إذ يمكن لحكومة المملكة المتحدة أن تنطلق من مبدأ عدم استعدادها للمخاطرة بتسهيل الإبادة الجماعية والعمل بشكل عكسي من هذا المبدأ
وبعيداً عن المسائل المبدئية، فإن حكومة المملكة المتحدة لديها فرصة استراتيجية في الظروف الحالية، فهي المورد للأجزاء المتخصصة من طائرة F35 والتي تعتبر ضرورية للإنتاج وكذلك لصيانة الطائرات المقاتلة وخروجها من المعادلة سيخلق فجوة في سلسلة التوريد.
لذا فإن تأثير التوقف سيكون مادياً ورمزياً معاً، فإذا لم تكن هناك قطع غيار من المملكة المتحدة، فسوف يفقد الاحتلال ميزة استخدام طائراته من طراز F35
وتولي وزارة الدفاع الأمريكية اهتماماً وثيقاً بقدرة إسرائيل على صيانة طائرات F35 وتجديدها في ضوء زيادة انتشارها بمقدار خمسة أضعاف منذ تشرين الأول/أكتوبر حيث تنخرط المملكة المتحدة في عمليات الصيانة والاستدامة التي تعتمد على شحنات قطع الغيار من الدول الشريكة لطائرة F35.
إن وقف توريد أجزاء F35 من شأنه أن يسبب احتكاكاً في علاقة المملكة المتحدة مع الولايات المتحدة، ولكن مع تردد الأخيرة الآن، على يبدو، في تقديم الدعم العسكري على الأقل علناً، فقد يكون الآن هو الوقت المثالي لحكومة المملكة المتحدة لإبلاغ الولايات المتحدة والإسرائيليين أنها لم يعد بوسعها دعم الإبادة الجماعية بعد اليوم.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)