بقلم جنان عبدو
ترجمة وتحرير مريم الحمد
لم يعد يخفى بالتأكيد أن أحد المبادئ الأساسية للحكومة الإسرائيلية الحالية هو إنشاء وتوسيع المستوطنات، والتأكيد على سيادة الدولة اليهودية بل والمطالبة بتلك السيادة على “كامل أرض إسرائيل”، حيث ينص البند الأول من خط سياسة الحكومة صراحة على ما يلي: “للشعب اليهودي الحق الحصري الذي لا جدال فيه في كل أرض إسرائيل”، يأتي إلى جانب ذلك الحفاظ على تراث إسرائيل وهوية الدولة اليهودية!
بالتوازي مع تلك القناعة، تلتزم الحكومة بتكثيف الهجرة وترحب بالوافدين الجدد من جميع أنحاء العالم، بهدف التعويض عن تضاؤل عدد السكان اليهود من الإسرائيليين، وتواصل تطوير المستوطنات على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، كل ذلك لتحقيق هدفها الاستراتيجي، ويتربع على رأس ذلك الهدف ترسيخ مكانة القدس كاملة كعاصمة لإسرائيل.
أما تطوير المستوطنات، فهو عملية مستمرة ليس في الضفة والقدس فقط، وإنما في جميع أنحاء البلاد، بما فيها الجليل والنقب ومرتفعات الجولان.
تهجير الفلسطينيين
مصطلح “التنمية” الذي تستخدمه الحكومات الإسرائيلية هو في الواقع مزيد من المصادرة للأراضي الفلسطينية، مما يعني ترسيخ الاحتلال، فهذا هو الحال في النقب حيث تقوم إسرائيل بطرد الفلسطينيين، ففي نهاية مايو 2023، هدمت السلطات الإسرائيلية خياماً فلسطينية في قرية العراقيب، التي ترفض الحكومة الاعتراف بها، هذه ليست المرة الأولى لهدمها، بل المرة رقم 216 التي يتم فيها هدم العراقيب وإجبار أهلها على المغادرة!
مصادرة أراضي الفلسطينيين وهدم منازلهم وتهجيرهم، وهي عملية مستمرة منذ إنشاء الدولة، لكن بالنظر إلى الحكومة بمكوناتها الجديدة، فمن المتوقع أن يكون التطبيق أسرع وأكثر دموية!
فور انتخابها، بدأت الحكومة الحالية في تنفيذ خطة ديسمبر لعام 2021 القاضية بتوسيع المستوطنات في مرتفعات الجولان ومضاعفة عدد سكانها إلى 100 ألف بحلول عام 2050، باعتبارها منطقة ذات أهمية استراتيجية لدولة إسرائيل، وعملت الحكومة على تعزيز الطابع اليهودي للدولة من خلال البرامج التعليمية التي تعزز المبدأ القائل بأن “الشعب اليهودي وحده يمتلك الحق في جميع أراضي إسرائيل”.
تم منح زعيم حزب الصهيونية الدينية ووزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، سلطة واسعة في الضفة الغربية، حيث أشرف على تطوير المستوطنات وسياسات الاحتلال لتحتفظ إسرائيل بالسيطرة الأمنية والمدنية الكاملة، كما يشغل عضو آخر في حزب سموتريتش منصباً رئيسياً في وزارة الأمن، حيث يلعب هذا العضو دوراً حاسماً في اختيار رئيس الإدارة المدنية للأراضي المحتلة عام 1967، فضلاً عن تنسيق أنشطة الحكومة الإسرائيلية هناك.
وهذه بالطبع، سلطات غير مسبوقة لحزب سموتريتش لتنفيذ سياساته المتعلقة بالفلسطينيين والمستوطنين على حد سواء في الضفة، وبما يتماشى مع أيديولوجية المستوطنين الصهيونية بكل تأكيد!
في نفس الوقت، تم تكليف زعيم يميني آخر وعضو في حزب “القهوة اليهودية”، الذي يتزعمه إيتمار بن غفير، وهو يتسحاق فاسرلاف، بوزارة الصمود الوطني والجليل، ليشرف بذلك على حقيبتي النقب والجليل، بالإضافة إلى السعي لإضفاء الشرعية على 70 مستوطنة جديدة في الضفة.
بات من الواضح أن عبارات مثل “تطوير المستوطنات” و”تطوير المبادرات” و”الإنتاج” المستخدمة في إطار الخطوط العريضة المتعلقة بالجولان والضفة والنقب، ما هي إلا إشارات مستترة تدلل على تعزيز وتوسيع المستوطنات، وعلى أرض الواقع، يعني المزيد من مصادرة أراضي الفلسطينيين وهدم منازلهم وتهجيرهم، وهي عملية مستمرة منذ إنشاء الدولة، لكن بالنظر إلى الحكومة بمكوناتها الجديدة، فمن المتوقع أن يكون التطبيق أسرع وأكثر دموية!
لقد أعطت سياسة الاستيطان الضوء الأخضر لمزيد من الانتهاكات للحقوق وسرقة الأراضي الفلسطينية
مؤخراً، أصدر سموتريتش تعليماته بالاستعداد لاستيعاب 500 ألف مستوطن إضافي في الضفة الغربية، ولتطوير البنية التحتية في تلك المستوطنات، في خطوة تكلف مليارات الشواكل، وكوزير للمالية، لا شك أن سموتريتش سوف يخصص ميزانيات للمستوطنات على حساب أشياء أخرى.
إلغاء خطة “فك الارتباط”
قام الكنيست الإسرائيلي بإدخال عدة قوانين جديدة من أجل تعزيز المستوطنات القائمة، مما أدى إلى إصدار قانون يلغي أي فك ارتباط عن الضفة الغربية وغزة، خطوة حصلت على موافقة الكنيست بالفعل، حيث يلغي هذا القانون فعلياً “خطة فك الارتباط” لعام 2005 التي تم فيها تفكيك 4 مستوطنات فقط شمال الضفة، بالإضافة للمستوطنات في غزة.
ويهدف التشريع الجديد بوضوح إاى إضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية المخصصة في شمال الضفة الغربية، وتسهيل عودة المستوطنين إلى هذه المستوطنات التي تم تفكيكها سابقاً، ويشمل القرار إلغاء العقوبات الجنائية التي كانت مفروضة على المستوطنين الذين يدخلون أو يقيمون في هذه المستوطنات.
لقد أعطت سياسة الاستيطان الضوء الأخضر لمزيد من الانتهاكات للحقوق وسرقة الأراضي الفلسطينية، فقد قام المستوطنون مؤخراً بإعادة البناء والإقامة في موقع مستوطنة حومش التي تم إخلاؤها من قبل، وشقت الجرافات الإسرائيلية طريقاً جديداً يحيط بالمستوطنة، يطل على قرية برقة قرب نابلس، لتسهيل وصول المستوطنين، كما استبدل المستوطنون الخيام الموجودة بالمكان بمبنى من الحجر لإثبات وجودهم وأغلقوا المكان ببوابة حديدية كما تمركز الجنود لحماية المستوطنين!
قامت الحكومة الحالية حتى الآن بتقديم 7 تشريعات تهدف إلى ضم غور الأردن وفرض “السيادة الإسرائيلية” والقانون الإسرائيلي على المستوطنات والمستوطنين اليهود المقيمين بالغور، أحد المقترحات كان في 16 يناير من هذا العام، تبعه اقتراح آخر في 20 من فبراير، من خلال التشريع المقترحن يتم تحديد مجموعة من الأهداف الأساسية، مثل التطبيق المتساوي للقانون والحكم والإدارة والسيادة على جميع مواطني إسرائيل، بما في ذلك المقيمين في وادي الأردن، حيث تقع هذه التركيبة السكانية خارج نطاق اختصاص القانون المدني الإسرائيلي بسبب هيمنة المحاكم العسكرية في المنطقة.
تسعى المقترحات أيضاً إلى توسيع القانون الإسرائيلي ليشمل المناطق الصناعية التي تخدم المستوطنين والمواقع الأثرية في المنطقة والطرق المؤدية إليها، من أجل توفير حماية للمستوطنين، فالهدف النهائي هو ضمان منح هؤلاء السكان اليهود نفس الحقوق التي يتمتع بها المواطنون اليهود الآخرون في أنحاء الدولة.
ولتحقيق ذلك، تم تقديم مقترح تشريعي في 30 يناير للتأكيد على السيادة الإسرائيلية الكاملة على وادي الأردن، ليشمل القانون الإسرائيلي جميع المناطق داخل وادي الأردن بما فيها 30 مستوطنة إسرائيلية في المنطقة، مقترح نابع من الأهمية الفريدة للمنطقة بالنسبة لإسرائيل، معتبرين أن غور الأردن هو بمثابة حزام أمني لإسرائيل، كما يؤكد المقترح على الحيوية الاقتصادية للمستوطنين في المنطقة، حيث يسيطرون على 66% من التصدير.
هذا الخطاب يرقى إلى حد التحريض على ارتكاب جرائم حرب، فضلاً عن بشاعة تقنينه في تشريعات تنتهك حقوق الفلسطينيين، من أجل تحقيق مفهوم “إسرائيل الكبرى”!
لا شك أن اعتماد القوانين لفرض السيادة الكاملة والقانون الإسرائيلي على وادي الأردن، سوف يؤدي إلى تقنين وترسيخ المستوطنات فيها، سواء كانت عشوائية أو مخططة!
الضم الفعلي
رغم تعهد إسرائيل في قمة شرم الشيخ الأخيرة في 19 مارس، بوقف الاستيطان لمدة 4 شهور، إلا أنها قامت على الفور بفتح 940 منزلاً جديداً، ووفقاً لتقرير فبراير 2023 الصادر عن منظمة “السلام الآن” الإسرائيلية، فقد أعطى مجلس الوزراء الإسرائيلي الأمني الضوء الأخضر لإنشاء 9 مستوطنات جديدة، على أراضٍ فلسطينية خاصة.
أشارت أيضاً منظمة “السلام الآن” إلى أن المجلس الأعلى للتخطيط الإسرائيلي، وهو لجنة فرعية تابعة للإدارة المدنية التي تترأس الاحتلال في الضفة، صادق على خطط لبناء أكثر من 7 آلاف وحدة استيطانية جديدة، كما أعطى الضوء الأخضر لإضفاء الشرعية على 4 بؤر أخرى، حيث تتألف الوحدات المعتمدة من 43 مخططاً لإنشاء 37 مستوطنة وبؤرة عشوائية وتخصيص 1900 وحدة إضافية للحصول على الموافقة النهائية، تم الموافقة مرحلياً على 3 بؤر جديدة.
يقع 80% من هذه المخططات الجديدة في مستوطنات تقع في عمق الضفة الغربية، في مناطق أشار خبراء إلى أنها سوف “تخلق عقبات كبيرة أمام إنشاء دولة فلسطينية مستقبلاً”، فالموافقة على بناء آلاف الوحدات وإضفاء الشرعية على 15 بؤرة في غضون أسبوع واحد يشكل ضماً فعلياً!
زد على ذلك تصريحات بن غفير وسموتريتش التي تؤيد عنف المستوطنين، وما حدث من حريق في حوارة ليس ببعيد، وقتها، أشاد الوزيران علناً بما فعله المستوطنون، حتى أن سموتريتش دعا إلى “محو حوارة من على وجه الأرض”، وفي فعالية في باريس، أكد سموتريتش على موقفه بالادعاء أنه “لا يوجد شيء اسمه الشعب الفلسطيني”، معتبراً الفلسطينيين “اختراعاً وهمياً”.
تجسد هذه التصريحات الفكر الصهيوني الديني، الذي أصبح جزءاً اصيلاً في تشكيل سياسات الحكومة الحالية، ولعل من أهم تداعيات هذه التصريحات تشجيع المستوطنين على الاستمرار في مهاجمة الفلسطينيين، حتى أن هذا الخطاب يرقى إلى حد التحريض على ارتكاب جرائم حرب، فضلاً عن بشاعة تقنينه في تشريعات تنتهك حقوق الفلسطينيين، من أجل تحقيق مفهوم “إسرائيل الكبرى”!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)