بقلم دجويدة سياجي
ترجمة وتحرير مريم الحمد
لقد تحملت النساء والأطفال وطأة حرب الإبادة الجماعية في غزة حقاً، فالإحصائيات مأساوية، حيث قُتل أكثر من 38 ألف فلسطيني، منهم 17 ألف طفل، كما أن هناك ما لا يقل عن 20 ألف طفل في عداد المفقودين، إما ضائعين أو محتجزين أو مدفونين تحت الأنقاض، بالإضافة إلى آلاف الأمهات اللواتي قتلن ونحو 19 ألف طفل يتيم!
أما من نجا من الإبادة حتى الآن، فقد تم تشريده وترك ليصارع مزيجاً مميتاً من المجاعة التي صنعها الإنسان مصحوبة بالجفاف المزمن والأمراض المعدية.
هناك أيضاً تأثير للحرب من جانب آخر، وعلى المرأة تحديداً يتعلق بالحقوق الإنجابية وهو أمر سوف يستمر لأجيال قادمة، حيث تعاني النساء والفتيات في حالات النزاع، حتى أن أجساد النساء كانت لفترة طويلة جزءاً من تضاريس الحرب وتفاصيلها، وفي غزة، يراقب العالم اليوم المعاناة التي لا توصف وآثارها المدمرة.
منذ 7 أكتوبر، اتخذ الاعتداء على حقوق المرأة الفلسطينية وكرامتها أبعاداً جديدة ومرعبة، حيث أصبح الآلاف منهن ضحايا لجرائم الحرب والإبادة الجماعية التي تحمل في طياتها منظوراً جنسانياً، يُقتل فيها الرجال والفتيان، فيما تتعرض النساء والفتيات لمجموعة من الانتهاكات على مدى فترة أطول.
بمعنى آخر، فإن الفظائع المرتكبة في غزة تؤثر على الرجال والنساء على حد سواء، إلا أن تأثيرها ممتد على النوع الاجتماعي وعلى النساء بشكل أكبر، فبينما تحاول النساء التأقلم مع الحزن والإصابات من فقدان أطفالهن وأزواجهن وآبائهن وأقاربهن ومنازلهن وسبل عيشهن، فإنهن يواجهن رعباً آخر أيضاً.
قمع ممنهج
في القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، والتي اتهمت فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة، سلطت جنوب إفريقيا الضوء على أمر بالغ الأهمية وكثيراً ما يتم تجاهله فيما يتعلق بقضية الإبادة الجماعية، وهي جرائم العنف الإنجابي.
أشارت جنوب إفريقيا في دعواها إلى أن سلوك إسرائيل قد يرقى إلى انتهاك المادة 2 (د)، والتي تحظر “فرض تدابير تهدف إلى منع الولادات بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لأي جماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية”.
“العنف الإنجابي الذي تمارسه إسرائيل على النساء الفلسطينيات والأطفال حديثي الولادة والرضع والأطفال يمكن وصفه بأنه انتهاكات لحق الإنسان في الحياة بموجب المادة 6 من ميثاق الأمم المتحدة وفق العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية” ريم السالم- المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالعنف ضد النساء والفتيات
تسلط قضية محكمة العدل الدولية الضوء على القمع الفظيع والمنهجي الذي تتعرض له المرأة الفلسطينية، فالهجوم العسكري الإسرائيلي على الحقوق الإنجابية يعد عنصراً أساسياً في الدلالة على كيفية تأثير الحرب على النساء الفلسطينيات في غزة، حيث تواجه أكثر من مليون امرأة وفتاة في غزة جوعاً كارثياً، مع عدم إمكانية الحصول تقريباً على الغذاء ومياه الشرب والمراحيض الصالحة للاستخدام والمياه الجارية، وفقاً لهيئة الأمم المتحدة للمرأة.
من المعلوم أن الحصول على المياه النظيفة أمر بالغ الأهمية للنساء الحوامل والمرضعات، اللاتي لديهن احتياجات يومية أكبر من الماء والسعرات الحرارية، غير أن منظمة أوكسفام تشير إلى أنه بدون الماء، “يكاد يكون من المستحيل” على هؤلاء النساء والفتيات إدارة نظافة الدورة الشهرية بأمان وكرامة، فهن يواجهن تحديات هائلة وسط السياسة الاستعمارية الإسرائيلية وحرب الحصار.
لقد أدى الحصار الإسرائيلي إلى الحد من إمكانية الوصول إلى الأدوية ومنتجات النظافة المهمة، ولذلك تعتبر النساء الحوامل من بين الفئات الأكثر عرضة للخطر، فمع عدم وجود مكان آمن في غزة، تواجه الحوامل تحديات تهدد حياتهن في الحصول على الرعاية، مما يعرض صحتهم وصحة أطفالهن لخطر كبير.
أما تجربة الولادة، فقد أصبحت تجربة أشد إيلاماً في غزة اليوم، بعد استهداف مرافق الرعاية الصحية بشكل متكرر، مما أدى إلى شبه انهيار النظام بأكمله، كما أدى القصف المستمر والنزوح الجماعي ونقص إمدادات المياه والأدوية والوقود إلى إحداث فوضى في خدمات صحة الأم لحوالي 50,000 امرأة حامل في غزة، 180 منهن يلدن كل يوم.
وفقاً لتقرير صادر عن مجموعة من خبراء الأمم المتحدة فقد “أدت الظروف المروعة إلى زيادة حالات الإجهاض بنسبة تصل إلى 300%، كما أن 95% من النساء الحوامل والمرضعات يواجهن فقراً غذائياً حاداً”.
تؤكد المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالعنف ضد النساء والفتيات، ريم السالم، إلى أن “العنف الإنجابي الذي تمارسه إسرائيل على النساء الفلسطينيات والأطفال حديثي الولادة والرضع والأطفال يمكن وصفه بأنه انتهاكات لحق الإنسان في الحياة بموجب المادة 6 من ميثاق الأمم المتحدة وفق العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وباعتبارها أعمال إبادة جماعية بموجب المادة 2 من اتفاقية منع الإبادة الجماعية، وعدة مواد من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والمادة 6 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية”.
من المفترض أن يكون للدول التي لديها أجندات سياسية خارجية تتعلق بحقوق المرأة دور خاص في حماية حقوق المرأة الفلسطينية، حيث ينبغي لنهج حقوق المرأة في السياسة الخارجية لتلك الدول أن يعطي الأولوية لحماية الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية
تعود انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان إلى ما قبل 7 أكتوبر، وذلك من خلال فرض سياسات الحصار والفصل العنصري لفترة طويلة، فالمزيج القاتل من الهيمنة المؤسسية والحرمان من حقوق الإنسان الأساسية، الذي ميز نظام الفصل العنصري الإسرائيلي لعقود، والاحتلال العسكري الراسخ للأراضي الفلسطينية، كان مدمراً بشكل عام وللنساء بشكل خاص.
لطالما كانت التكتيكات الإسرائيلية تشكل سياسة مخططة ومنسقة على أعلى المستويات في الحكومة الإسرائيلية ومؤسستها العسكرية، حتى أدت هذه السياسة وما زالت إلى منع الولادات بين النساء الفلسطينيات في غزة، مما جعل انتهاكات حقوق المرأة الفلسطينية تستدعي اتخاذ إجراءات فورية طال انتظارها!
من هذا المنطلق، يمكن القول أن الحكم على العنف الذي تمارسه إسرائيل ضد النساء في غزة باعتباره إبادة جماعية، من قبل محكمة دولية هو أول الخيط لتسليط الضوء على ذلك في العلاقات الدولية المعاصرة وفي القانون الدولي المعاصر.
لمعالجة التأثير الجنساني لهذه الحرب، يجب التحقيق في الفظائع التي ارتكبتها إسرائيل في غزة وتوجيه الاتهامات إليها ومحاكمتها من منظور ديناميكي جنساني، الأمر الذي من شأنه لفت الانتباه إلى الطبيعة الشريرة لهذه الجرائم وتوفير تعويض رمزي ومادي للمرأة الفلسطينية، إضافة إلى كونه تأكيداً جديراً بالترحيب على سيادة القانون الدولي.
من ناحية أخرى، فمن المفترض أن يكون للدول التي لديها أجندات سياسية خارجية تتعلق بحقوق المرأة دور خاص في حماية حقوق المرأة الفلسطينية، حيث ينبغي لنهج حقوق المرأة في السياسة الخارجية لتلك الدول أن يعطي الأولوية لحماية الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية، كما يمكن لهذه البلدان استخدام نفوذها في المجتمع العالمي للدعوة إلى تحمل المسؤولية واتخاذ تدابير فعالة لتوفير الحماية الخاصة التي يحق للنساء الحصول عليها وفقاً للقانون الدولي المعمول به للنساء والفتيات اللاتي طالت معاناتهن في غزة وفي فلسطين بشكل عام.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)