إسرائيل تسلح ميليشيات يهودية للتحضير لسيناريو الرعب القادم

بقلم أمير مخول

تعتقد إسرائيل أنه سلاحها الفتاك الذي سيعمل على فرض مزيد من الهيمنة على وطن الشعب الفلسطيني، هو القانون الذي جاء بمقاس جديد لتشجيع اليهود على حيازة الأسلحة النارية.

من الملاحظ أن من يقبل على تقديم الطلبات لامتلاك سلاح هم أنصار حزب “القوة اليهودية” اليميني المتطرف، والذين بدأوا منذ أكثر من عام بتنظيم ميليشيات خاصة بالعمل في مناطق النقب وعلى طول الساحل الفلسطيني تحت شعارات ينادي بها المستوطنون مثل “شباب التلال” ألا وهي “استعادة النظام”، وبالسجلات يتبين أن من يريد امتلاك سلاح هم نفس المستوطنين.

لطالما رحبت إسرائيل بعنف الميليشيات المسلحة، فلا يوجد وزير في حكومتها لم ينتهك حقوق الفلسطينيين بشكل صارخ من قبل

مع تولي إيتمار بن غفير وزارة الأمن القومي، تشابك عنف الدولة  وعنف الشارع في نظام واحد، ومع ذلك، لم يكن هو من بادر بفكرة القانون المقترح، وإنما تم الترويج له بشدة من قبل وزير الداخلية السابق جلعاد إردان، وازدادت النقاشات حوله بعد هبة الكرامة في مايو 2021، وانفلات القبضة الأمنية لمدة في مناطق مثل اللد، الأمر الذي دفع سياسيين إسرائيليين إلى اعتبار من أولويات رسم سياسات الدولة.

في الواقع، لطالما رحبت إسرائيل بعنف الميليشيات المسلحة، فلا يوجد وزير في حكومتها لم ينتهك حقوق الفلسطينيين بشكل صارخ من قبل، إضافة إلى ذلك، فإن إطلاق يد الميليشيات المسلحة يعني إعطاء الضوء الأخضر والتبرير لانتهاك حقوق الفلسطينيين علانية، وإنشاء نظام لا يحاسب الجناة ويعتبر إرهابهم أعمال شغب بين طرفين متساويين، وبذلك لن يُعرف ضحايا العنصرية من فاعلها، وبما أن الشرطة إسرائيلية، فهي ستحمل الضحايا المسؤولية فقط وتعرضهم للاعتقال والمحاكمات الجائرة.

حرب عصابات

تعرف حرب العصابات بأنها طريقة هجوم غير تقليدية تقوم بها مجموعات ضد جيش نظامي تقليدي في ظروف مناسبة مثل منطقة مكتظة جغرافياً أو فيها تضاريس للاختباء، ويمكن تشبيهها بحرب صغيرة مستمرة طويلة الأمد، تشنها الحركات الثورية ضد الأنظمة القمعية الجيوش التي تفوقها عدداً، في محاولة لإضعاف تلك الأنظمة والإطاحة بها.

بعد هزيمة الجيوش العربية عام 1967، ظهرت حركة التحرير الوطني الفلسطيني في سبعينيات القرن الماضي كجزء من المقاومة الثورية التي اتخذت شكل حرب العصابات في الرد على احتلال فلسطين، مما دفع المؤسسات الأمنية والبحثية والإسرائيلية للبحث في أسباب تأثير الحركة بين الفلسطينيين.

أما في فلسطين، فقد كان مفهوم حرب العصابات جزءاً من تاريخ الاحتلال الصهيوني، ثم استمر بعد ذلك باستخدام المستوطنين لخدمة الأهداف الاستعمارية للاحتلال، من أجل السيطرة على الأرض واحتلالها وطرد السكان الأصليين، حتى وصل الأمر إلى تسلل المستوطنين بين المجتمعات الفلسطينية والتظاهر بأنهم عرب أو ما يسمونهم “المستعربون” ليعيشوا بينهم، على اعتبار أن ذلك “خدمة لحركة التحرير ضد الغزاة”، فيما يصفون حرب العصابات التي تنتهجها حركات فلسطينية ثورية ب “الإرهاب”!

جرائم تاريخية

عام 1948، كانت عصابات صهيونية مثل الهاجاناه تقوم بدور الجيش الإسرائيلي، ولكن بطرق لم يمكن بإمكان الجيش النظامي استخدامها لاستكمال احتلاله وتهجير السكان الفلسطينيين، فقد كانت تلك العصابات تقوم بالسطو والنهب والاستيلاء على عدد كبير من المنازل والمتاجر والمرافق العامة والمساجد والكنائس وممتلكات الفلسطينيين بوجه عام.

ساهمت هذه الاستراتيجية بتحقيق هدفين بحجر واحد هو العصابات، أولهما إثراء المجتمع اليهودي مالياً بما في ذلك الجنود، بالإضافة إلى منع عودة الفلسطينيين المطرودين إلى منازلهم وبلداتهم، وفي حال عودتهم، كانت منازلهم تتعرض للنهب والاحتلال من قبل لصوص، إن لم يتم تدميرها بالكامل أصلاً، فتلك العصابات لم تكن تخضع لأي مساءلة قانونية، فأنشطتها الإجرامية كانت أشبه بعقاب جماعي تمارسه الدولة المنشأة حديثاً ضد السكان الأصليين.

استمر هذا النمط من العنف الموجه واُعيد استخدامه في الجامعات الإسرائيلية، التي شهدت هجمات دامية ضد الطلاب العرب في سبعينات وثمانينات القرن العشرين، حيث تم دمج قوات الشرطة مع “الشين بيت” المخابرات الداخلية بشكل كامل، فقد كنا قوات الشرطة وميليشياتها تشهر أسلحتها في وجه الطلاب العرب، فيما تقف متفرجة عند هجوم اليمينيين الإسرائيليين على الطلاب العرب بالسلاسل الحديدية والسكاكين، ولم يكن أحد منهم يخضع لأي جلسة تأديبية أو استجواب بعد ذلك!

تسليح الميليشيات

ظهر نمط ميليشيات المستوطنين أيضاً خلال انتفاضة الكرامة في مايو 2021، حيث تعاونت الشرطة الإسرائيلية مع العصابات المسلحة لقمع الاحتجاجات الفلسطينية، وأُوكلت الأعمال التي تعد خرقاً للقانون إلى تلك العصابات، فشنوا هجمات على العرب العزل واقتحموا منازلهم، فيما اعتقلت الشرطة أكثر من 3 آلاف فلسطيني دافعوا عن أحيائهم، وواجه المئات لوائح اتهام وأحكاماً قاسية، فيما غضت إسرائيل عن جرائم العصابات اليهودية.

تشكل حركة بن غفير الأخيرة التي تمثلت في تسهيل ترخيص السلاح بين المستوطنين تهديداً للفلسطينيين يكشف عن عدم اكتراث الحكومة بحياتهم

تطور الأمر بعد انتفاضة الكرامة إلى طرح حزب “القوة اليهودية” خطة إنشاء ميليشيات شبه رسمية بدءاً من النقب وبئر السبع إلى المدن الساحلية، وبذلك اجتمع قادة الحزب الفاشي مع البلديات والشرطة الإسرائيلية تحت ذريعة “استعادة النظام والقانون”، غير أنها في الحقيقة حرب قضائية عنصرية ضد الفلسطينيين.

ولمنع تكرار انتفاضة الكرامة، باشرت الحكومة الإٍسرائيلية باستعدادات لإنشاء “حرس وطني” من آلاف المتطوعين من المستوطنين اليهود، وبدأ تدريبهم في الوحدات القتالية لجيش الاحتلال، وذلك بهدف دعم الشرطة في استهداف وقمع 48 تجمعاً فلسطينياً وحماية قوى التهويد في النقب.

وتشكل حركة بن غفير الأخيرة، والمدعومة من قبل نتنياهو، التي تمثلت في تسهيل ترخيص السلاح بين المستوطنين تهديداً للفلسطينيين يكشف عن عدم اكتراث الحكومة بحياتهم، مما يخلق جواً يفضي إلى المزيد من الجرائم العنصرية والتطهير العرقي والمزيد من جرأة الميليشيات لانتهاك حقوق الفلسطينيين وتهديد سلامتهم، والهرب من أي مساءلة، وفي النهاية، يتحمل نتنياهو وحكومته المتطرفة آثار قرار كهذا!

في نهاية المطاف ، ستتحمل الحكومة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو وائتلافه اليميني المتطرف مسؤولية إخضاع الفلسطينيين لإرهاب حرب العصابات التي ترعاها الدولة.

للإطلاع على المادة الأصلية من (هنا)

مقالات ذات صلة