بقلم ميراندا كليلاند
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
في 16 كانون الثاني/ يناير، سلمت القوات الإسرائيلية جثة رقية جهالين البالغة من العمر أربع سنوات إلى عائلتها لدفنها، تعود القصة إلى السابع من يناير الذي سبقه، حين أطلق جنود إسرائيليون النار على رقية وقتلوها بينما كانت تمر في شاحنة مع والدتها عند نقطة تفتيش إسرائيلية بالقرب من قرية بيت إكسا الفلسطينية وسط الضفة الغربية المحتلة ثم صادروا جثتها، وطوال تسعة أيام مؤلمه، حجزت القوات الإسرائيلية جثة الطفلة عن عائلتها.
في كثير من النواحي، تمثل قصة رقية استثناءً، فقد احتجزت القوات الإسرائيلية جثث ما لا يقل عن 31 طفلاً فلسطينيًا منذ حزيران/ يونيو 2016، وفقًا للوثائق التي جمعها فرع فلسطين في الحركة الدولية للدفاع عن الأطفال(DCIP) .
ومنذ ذلك الحين، تم تسليم جثث أربعة من الأطفال إلى عائلاتهم في حين لا تزال السلطات الإسرائيلية تحتجز جثث 27 طفلاً فلسطينياً في عهدتها وبعضهم منذ سنوات، الأمر الذي حرم عائلاتهم من دفنهم لأن اللامبالاة الفاسدة بحياة الفلسطينيينو حتى في موتهم هي سياسة الدولة الإسرائيلية.
وتشكل مصادرة الرفات البشرية واحدةً من السياسات القاسية الفريدة التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية لاستهداف العائلات الفلسطينية، ففي أيلول/ سبتمبر 2019، وافقت المحكمة العليا الإسرائيلية على ممارسة مصادرة رفات الفلسطينيين بعد عدة طعون قانونية.
وبعد شهرين فقط، وتحديداً في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، أمر وزير الدفاع الإسرائيلي نفتالي بينيت باحتجاز جميع جثث الفلسطينيين الذين يُزعم أنهم هاجموا مواطنين أو جنوداً إسرائيليين وعدم إعادتها إلى عائلاتهم.
وخلال العام الماضي، قامت القوات الإسرائيلية بعمليات توغل شبه يومية داخل المجتمعات الفلسطينية في جميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة، والتي تكثفت بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر، عندما شن الجيش الإسرائيلي هجومًا عسكريًا واسع النطاق على قطاع غزة حيث يواصل تنفيذ هجمات إبادة جماعية.
لا مساءلة
وقتل الجيش الإسرائيلي 12 فتى فلسطينيا العام الماضي وحجب جثثهم عن عائلاتهم وتم الافراج عن جثة طفل واحد فقط، فيما يعد هذا العام بممارسة المزيد من ذات الأعمال، فمن بين 11 طفلاً فلسطينيًا قتلتهم القوات الإسرائيلية حتى الآن هذا العام في الضفة الغربية المحتلة تمت مصادرة أربع جثث بما في ذلك جثة رقية.
ولكي تتصرف بهذه الوقاحة، فإن على القوات الإسرائيلية أن تعلم أنها لن تتحمل المسؤولية عن أفعالها، حتى لو قتلت طفلاً فلسطينياً في مرحلة ما قبل المدرسة، والواقع أن أي جندي أو مسؤول حكومي إسرائيلي لم يفقد وظيفته ناهيك عن محاسبته في المحكمة على قتل رقية التي كانت ستبلغ الخامسة من عمرها في شباط/ فبراير.
أما الأطفال الفلسطينيون الآخرون الذين صادرت السلطات الإسرائيلية جثثهم فهم مراهقون معظمهم متهمون بمهاجمة جنود إسرائيليين.
إن الاستيلاء على جثة طفل بعد محاولته المزعومة تنفيذ هجوم يمنع إجراء تشريح مستقل للجثة وجمع أدلة أخرى يمكن استخدامها لتحديد ما إذا كانت القوة المميتة التي تستخدمها القوات الإسرائيلية مبررة أم غير قانونية.
وفي حالة رقية، زعمت القوات الإسرائيلية أنها احتجزت جثتها لإجراء تشريح لها ضد رغبة والديها، حيث يجسد قتل طفل فلسطيني ثم الاستيلاء على جثته الجهود التي تبذلها القوات الإسرائيلية لممارسة السيطرة الكاملة على كل جانب من جوانب حياة الفلسطينيين وموتهم.
انتهاك القانون الدولي
إن سياسة السلطات الإسرائيلية وممارساتها المتمثلة في مصادرة الجثث الفلسطينية واحتجازها تشكل انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، اللذين يتضمنان حظراً مطلقاً على المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، فضلاً عن النص على أن أطراف النزاع المسلح يجب أن تسمح بدفن الموتى بطريقة مشرفة.
وبالنسبة للأسر الفلسطينية، فإن هذه الممارسة باتت تمثل عقاباً جماعياً يشكل انتهاكًا للقانون الإنساني الدولي، ولا تزال هذه العائلات التي يبلغ عددها نحو عشرين عائلة تنتظر بألم لدفن أطفالها.
فمثلاً، مازالت عائلة أبو جحيشة تنتظر دفن أبناء عمومتها عدي (15 عاماً) ومحمد (17 عاماً)، فيما تنتظر عائلة أبو حسين دفن عمار البالغ من العمر 16 عاماً، وتنتظر عائلة حميدات دفن خالد (16 عاما)، الذي أطلقت قوات الاحتلال النار عليه في صدره ثم منعت طواقم الإسعاف من الوصول إلى جثته النازفة.
بالنسبة للقوات الإسرائيلية، فإنه ليس من الوحشية على ما يبدو أن تطلق النار على الأطفال الفلسطينيين وتقتلهم، ويجب عليهم الاستمرار في تعذيب أسرهم من خلال حرمانهم من الممارسات الثقافية والدينية التي تسمح لهم بالحزن.
ولا يعتري عنف الدولة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين الذي يتم عرضه بالكامل للعالم أي نقص، حيث يتم بث الإبادة الجماعية للفلسطينيين في غزة على الهواء مباشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقد قامت جنوب إفريقيا بتفصيل جرائم إسرائيل في محكمة العدل الدولية.
إن مصادرة واحتجاز جثث الأطفال الفلسطينيين الذين أطلق عليهم الجنود الإسرائيليون الرصاص وقتلهم هو ظلم آخر على قائمة طويلة من الأعمال الوحشية التي تطبقها الحكومة الإسرائيلية على العائلات الفلسطينية.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)