بقلم ليلي جاليلي
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
كان شعار “لا نريد أن نصبح كبولندا” أحد الشعارات الأكثر ترداداً في الاحتجاجات الإسرائيلية ضد إصلاحات الحكومة القضائية المثيرة للجدل فهل يعرف المتظاهرون مدى التشابه الفعلي بين البلدين؟
في 27 آذار/ مارس، فاجأ نائب وزير الخارجية البولندي باول جابلونسكي الإسرائيليين والبولنديين معاً عندما قال أن حكومته كانت تقدم المشورة لإسرائيل حول كيفية التعامل مع الاحتجاجات ضد الإصلاحات القضائية الشاملة.
تعرض جابلونسكي لانتقادات شديدة على خلفية تصريحاته الإذاعية تلك، قبل أن يوضحها بطريقة أقل حدة في حديث لإحدى الصحف البولندية قائلا أن “الحكومة الإسرائيلية طلبت من بولندا المشورة بشأن كيفية القيام بانقلاب على المحاكم”.
نفى المسؤول البولندي أن يكون قد نصح رئيس الوزراء نتنياهو بكيفية مهاجمة القضاة، ولا بكيفية التحضير لحملة دعائية، مصراً على أن ما جرى كان “تبادلا للمعلومات فقط”.
أظهرت ردود الفعل في وسائل الإعلام وعبر الإنترنت أن حديث جابلونسكي فاجأ البولنديين أكثر مما فاجأ الإسرائيليين، فبالنسبة للشعب البولندي، كشفت حكومتهم صراحةً أن لديها الآن “نظام قضائي وطني مشوه”، كما وصفه أحدهم على موقع تويتر.
أما الإسرائيليون، فقد حصلوا بذلك التصريح على تأكيد رسمي لما أدركوه من فترة من الوقت بأن بلادهم ستصبح إلى حد كبير مثل بولندا.
بين الاستبداد والديمقراطية
تحتل بولندا اليوم المرتبة 49 في مؤشر الحريات خلف ألبانيا ومنغوليا، وجاء هذا الانخفاض في بلد عضو في الاتحاد الأوروبي مدفوعًا بالقيود الضعيفة على السلطات الحكومية.
يجادل حزب القانون والعدالة الحاكم (PiS) بأنه قد حسّن بالفعل الديمقراطية البولندية من خلال إعادة التوازن إلى الإعلام الذي كانت تهيمن عليه الميول الليبرالية وتحويل المؤسسات الرئيسية مثل المحكمة الدستورية إلى أجهزة فعالة.
هذه هي ذات الحجة التي تقدمها الحكومة الإسرائيلية الآن لدعم اصلاحاتها القضائية، فالحيل البولندية مثل خفض سن التقاعد للقضاة للتخلص من حوالي ثلثهم على الأقل واستبدالهم بقضاة جدد معينين من قبل الحكومة يشبه الإصلاحات الإسرائيلية.
يؤدي كل ذلك إلى تدمير حالة الفصل بين السلطات وسيطرة السياسيين في نهاية المطاف على النظام القضائي.
لم تكن العلاقات بين اليمينيين في البلدين دائمًا صافية وخلال العقد الأخير شابتها أزمتان دبلوماسيتان كبيرتان، الأولى تتعلق بالروايات المختلفة المتعلقة بالهولوكوست، والثانية بالزيارات التقليدية للشباب الإسرائيلي إلى بولندا لرؤية معسكرات الموت النازية على أراضيها.
لكن الأزمتين طويلتي الأمد لم تعطلا عملية صنع التشابه بين البلدين المختلفين بشكل مذهل، وإن كانا مهووسين بصورتهما ومكانتهما بين الدول.
القيم الكاثوليكية واليهودية
بدأت عملية التشابه التدريجية بين البلدين منذ أكثر من سبع سنوات عندما وصل حزب القانون والعدالة القومي المحافظ إلى السلطة في وارسو مكان الحكومة السابقة التي كانت أكثر علمانية وليبرالية.
يؤكد الحزب البولندي على التزامه بـ “القيم الكاثوليكية” ويرعى علاقات وثيقة مع الجناح القومي الأكثر راديكالية في الكنيسة، بطريقة تشبه التزام الحكومة الإسرائيلية “بالقيم اليهودية”، وفي كلا البلدين، يتفوق هذا الالتزام على الالتزام بالديمقراطية.
وفي كل منهما، سنّت التشريعات المحافظة التي لا تحترم الأقليات والنساء والفصل بين الدين والدولة كما تخضع الفنون لرقابة الدولة التي تسعى للسيطرة على وسائل الإعلام والصحفيين أيضا.
وكما افتخرت بولندا بريادة ديمقراطيتها بين الأعضاء الجدد في الاتحاد الأوروبي، تفتخر إسرائيل بأنها “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”، كما تتشابه الدولتان بإحلال نخب جديدة مكان النخبة القديمة الرافضة للرحيل.
وتشير أجنيسكا ميزويسكا التي شغلت منصب السفيرة البولندية لدى إسرائيل بين عامي 2006 و2012 أن تولي وزير العدل البولندي منصب المدعي العام أصبح يخوله إقالة أي شخص يعتبر غير مخلص.
“يتحكم حزب القانون والعدالة في جميع مؤسسات الدولة، وبناءً على القانون الجديد، يمكنهم فقط استبدال موظفي الخدمة المدنية الأكفاء بمن هم موالون لهم، هكذا فقدت وظيفتي في وزارة الدفاع” – أجنيسكا ميزويسكا السفيرة البولندية لدى إسرائيل بين عامي 2006 و2012
ووجهت الدبلوماسية البولندية رسالة للمتظاهرين الإسرائيليين قالت فيها: “أتمنى أن تفوزوا بعد كل شيء، ديمقراطيتكم عمرها 75 سنة.. أحاول أن أشرح كيف سيؤثر هذا الإصلاح القضائي على مصير البسطاء بمجرد أن يصبح القضاة معتمدين كليًا على السياسيين”.
وقفة خطيرة
ربما فات الأوان على بعض تحذيرات الدبلوماسية البولندية، فقد أعلن عدة وزراء إسرائيليين أنهم يخططون لتجاهل أي حكم قانوني لا يعجبهم، لقد وصلت السابقة البولندية إلى إسرائيل أسرع مما كان متوقعا.
وبشكل أكثر وضوحا وجه الرئيس البولندي الأسبق ليخ فاونسا الحائز على جائزة نوبل للسلام رسالة للإسرائيليين:” احموا الديمقراطية في بلدكم”.
وأضاف:” في بولندا ارتكبنا خطأ كبيرا، فمنذ اليوم الأول للأفكار المشابهة لتلك التي تثار الآن في إسرائيل كان يجب أن نقاوم، لكننا لم نكافح بما يكفي”.
كل هذه المواقف البولندية جاءت بعد ثلاثة أشهر من الاحتجاجات الجماهيرية التي اكتسبت زخما في إسرائيل حتى أعلن نتنياهو تأجيل إصلاحاته، وهذه ليست بالضرورة أخبار جيدة، بل إنها واستنادًا إلى السابقة البولندية تنبئ بأخبار سيئة.
ففي عام 2017، وبعد فترة طويلة من الصمت بشأن الإصلاحات القضائية في بلاده، أعرب الرئيس البولندي أندريه دودا عن تحفظات على الإصلاحات القضائية، وقال “أشعر أنهم لا يوفرون الإحساس الضروري بالأمن والعدالة”.
وفي وقت لاحق من ذلك العام، استخدم دودا حق النقض ضد الإصلاحات فوضع حدًا للاحتجاجات والغضب العام.
لكن إحساس البولنديين بالنصر لم يدم طويلاً، فقد تلا ذلك الموافقة على اثنين من الإصلاحات الرئيسية دون احتجاج في الشوارع.
وفي 2018، وقع دودا على إجراء يسمح للحكومة فعليًا باختيار رئيس المحكمة العليا المقبل، ليصبح بعدها قانونًا دون أن يتظاهر إلا بضعة آلاف ضد الإجراء، ثم أعادت الحكومة تنظيم ثورتها القضائية واستكملتها في العام التالي، وكان الوقت قد فات على الرافضين للتعديلات.
يكمن الخطر نفسه في مستقبل الإصلاحات الإسرائيلية، التي يشك الكثيرون في أن تعليقها وسيلة لقتل الاحتجاجات.
وهناك حدثان على الأقل يشيران إلى هذا الاتجاه، فبعد يوم واحد فقط من تأجيل نتنياهو للخطة إلى أيار/ مايو، نشر وزير العدل ياريف ليفين، العقل المدبر للإصلاحات، على مجموعة واتس آب لمؤيديه أنه سيستمر في العمل لتمرير التشريع في الجلسة القادمة للبرلمان، بدعم المتظاهرين من مؤيديه.
يشبه هذا إلى حد كبير النموذج البولندي على قاعدة “فلنأخذ استراحة كي نعود بطاقة متجددة لفعل ذلك”.
الحدث الثاني الأكثر إثارة للريبة هو حقيقة أن ليفين تعهد قبل أسابيع فقط بأنه سيرفض التباطؤ في إقرار الإصلاحات “ولو لدقيقة واحدة”، مما يوحي بأنه ربما يعرف شيئًا مازال غير مؤكد لدى الإسرائيليين.
وليس من قبيل المصادفة أن وزير المالية اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش أطلق على خططه للإصلاح القضائي اسم “القانون والعدالة”، وهو الاسم نفسه تمامًا للحزب الحاكم في بولندا.
للإطلاع على النص كاملاً من (هنا)