بقلم رنيم عبده
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
تمارس القوات الإسرائيلية الحرب النفسية على سكان قطاع غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، لمحاولة إضعاف معنوياتهم ونشر المعلومات المضللة وتأليبهم ضد حماس.
وتمثل المنشورات التي يتم إسقاطها من الطائرات والبالونات أدوات رئيسية في هذه الحملات التي تعود تكتيكاتها الدعائية إلى الحربين العالميتين كما استخدمت إبان الاجتياح الأمريكي لفيتنام والعراق.
عبر تلك الصراعات، كانت المنشورات توظف لدعوة المسلحين إلى الاستسلام، وقد وصف النازي الألماني جوزيف جوبلز تأثير المنشورات التي أسقطها الحلفاء بالقول: ” منشوراتهم موجهة إلى أضعف نقاط الأمة، إنها أسلحة ويجب أن نكون حذرين مع كل الأسلحة”.
أما في حالة الحملة الإسرائيلية الحالية فتقول علياء كساب (23 عاما): ” عندما أسقطت المنشورات على غزة قبل شهرين، فرح إخوتي الصغار برؤية الأوراق الملونة تتساقط من السماء، لقد ظنوا أنهم أمام نشاط جديد مثير للاهتمام، لكن البقية منا شعروا بالرعب فقد كنا نعرف العواقب”.
وقبل أيام قليلة من بداية شهر رمضان، وفي يوم الخميس بالتحديد، ألقت القوات الجوية الإسرائيلية منشورات على غزة بمناسبة شهر رمضان المبارك، في إجراء ندد به الفلسطينيون واعتبروه شكلاً من أشكال “التعذيب النفسي”.
تحث هذه المنشورات الفلسطينيين على ” إطعام المحتاجين ولين الحديث” في وقت يتعرض فيه مئات الآلاف في الأراضي المحاصرة لخطر المجاعة بسبب الحصار الإسرائيلي الذي لا يستثني الغذاء والماء حيث لقي العشرات من الفلسطينيين حتفهم بسبب الجفاف وسوء التغذية منذ بداية الحرب في 7 تشرين الأول/ أكتوبر في أعقاب قرار إسرائيل بمنع وصول جميع المواد الغذائية والمساعدات والكهرباء والوقود إلى القطاع الذي كان محاصراً من الأساس.
حملت المنشورات المكتوبة باللغة العربية صوراً للفوانيس التي تستخدم في التراث الفلسطيني كزينة رمضانية ودور وات لله أن ” يقبل الصيام ويغفر الخطايا” وأن يحصل الفلسطينيون في المنطقة على “إفطار شهي”.
رسائل مخصصة
لم يبدأ استخدام إسرائيل للمنشورات كوسائل حرب في هجوم 2023-2024، فقد استخدمتها عام 2014 وعلى نطاق واسع لتحريض المدنيين ضد بعضهم البعض ونشر الرعب بينهم، وخلال عام 2018، تم إسقاط المنشورات على أحياء غزة لإخلاء المنطقة القريبة من الحدود الشرقية للقطاع.
يجري تصميم المنشورات الإسرائيلية خصيصاً لمخاطبة جماهير محددة، مع تخصيص رسائلها بناءً على التركيبة السكانية والأحياء المستهدفة، وابتداءً من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، قام الجيش الإسرائيلي بتقسيم قطاع غزة إلى مربعات ثم تم إسقاط المنشورات وفقاً لهذا التقسيم.
وجاء في منشور ألقي بتاريخ 6 كانون الثاني/ يناير 2024 ما يلي: ” تحذير عاجل لسكان الأحياء والبلوكات التالية: الأمل، السدرة، الفاروق، عين جالوت والبلوكات 2232، 2339، 2340، 2343، 2347، 2348. المنطقة التي أنتم فيها تعتبر ساحة حرب”.
وعادة ما تُستخدم رسائل التهديد في المنشورات مثل ” أي شخص يختار عدم الإخلاء من الجزء الشمالي من غزة إلى الجنوب سيعتبر إرهابياً” وذلك بغية التلاعب بالسكان ودفعهم إلى مغادرة منازلهم والتخلي عن ممتلكاتهم.
وقد ورد في أحد المنشورات التي ألقيت على شمال غزة العام الماضي: ” لا حاجة لكم لإحضار الماء والطعام، سوف نهتم بهذا الأمر”، لكن 800 ألف فلسطيني في غزة باتوا رغم ذلك معرضين الآن لخطر الموت بسبب الجوع والعطش.
تعمد الرسائل الإسرائيلية في الغالب إلى تشويه الحقائق لدعم رواية أو أجندة معينة ويمكن أن يشمل ذلك نشر الشائعات أو المبالغة في نقاط الضعف أو التقليل من الخسائر الإسرائيلية لتبدو أقوى، وفي محاولة لكسب الرأي، تلعب المنشورات أحيانًا على المشاعر الدينية للمواطنين وترتبط بتواريخ مهمة في ثقافة غزة.
وقد ورد في بعض المنشورات التي أسقطتها الطائرات الإسرائيلية في 8 شباط/ فبراير 2024 ما يلي: ” بمناسبة يوم الإسراء والمعراج، استبعدت حماس الفلسطينيين من المسجد الأقصى، وستحرم جميع سكان غزة من مستقبلهم المشرق”.
وكثيراً ما تتضمن المنشورات دعوة للعمل وتحث الجمهور المستهدف على القيام بخطوات محددة أو اتخاذ قرارات معينة مثل الاستسلام أو التمرد على قيادتهم أو الخروج من منطقة معينة.
إثارة الصراع الداخلي
ومع ذلك، فقد علمت التجربة الفلسطينيين في غزة ألا يثقوا بما يقال لهم، فعلى على سبيل المثال، قامت القوات الإسرائيلية بقصف ما يسمى بالمواقع الآمنة خلال العدوان الحالي رغم إلقائها منشورات على السكان تتضمن تعليمات لهم بالإخلاء جنوباً.
وقالت ياسمين مطر، 25 عاماً: ” قمت أنا وعائلتي بإخلاء المكان سبع مرات تنفيذاً للأوامر الواردة في المنشورات، وفي كل مرة كنا نخلي فيها موقعاً يعتبرونه آمنًا كانوا يسقطون منشوراً آخر لإبلاغنا أنه لم يعد آمناً بعد الآن، وفي أحد الأماكن، حاصرتنا دبابات الجيش الإسرائيلي ومروحياته دون أن يحذرونا حتى”.
ورغم كل ذلك، فإن إسرائيل تسعى في كثير من الأحيان إلى استخدام منشورات الإخلاء هذه “كدليل” تعرضه أمام لحكومات الأخرى والنُظم القضائية على أنها تتصرف بشكل إنساني من خلال تحذير المدنيين قبل الهجمات.
أما النوع الآخر من المنشورات فهي تلك التي تهدف إلى إضعاف معنويات المواطنين وزرع الشك في قيادتهم وإثارة الصراع الداخلي بينهم، حيث يشعر سكان غزة بالتوتر والضغط بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر، ومن شأن هذه المنشورات أن تزيد من الضغط الذي يصعب عليهم الحفاظ على صمودهم وترابطهم.
فعلى سبيل المثال، بدأت الطائرات الإسرائيلية منذ أسبوعين بإسقاط مجلات صغيرة تسمى “الواقع”، تحتوي على رسائل مكتوبة خصيصاً لتشجيع الناس على التمرد في وجه قيادة المقاومة.
لكن السؤال يبقى: هل يمكن أن تحقق هذه الطريقة في الدعاية النجاح؟ إلى حد ما، يعتمد ذلك على معنويات الناس، ومع ذلك، كما هو الحال في معظم الحروب السابقة، فإن الجواب بشكل عام هو “لا”، وإذا كان لهذه الدعاية أن تخلق شيئاً فهو الاستياء وتعزيز الكراهية.
ففي هذا السياق، ذكرت رهف أبو ظريفة وهي مبرمجة من غزة تبلغ من العمر 22 عاماً: ” بعد إجلائي أنا وعائلتي إلى خان يونس، أسقطت الطائرات منشورات علينا، لكننا لم نخف بل إنني رأيت أناساً ومن بينهم أشقائي يجمعون هذه المنشورات ويستخدمونها في إشعال النار بدلاً من الخشب والفحم الذين صارا باهظي الثمن ونادري التوفر”.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)