أثار اغتيال الصحفي الفلسطيني البارز أنس الشريف، مراسل قناة الجزيرة في غزة، موجة غضب عارمة في أوساط منظمات الدفاع عن حرية الصحافة ووسائل الإعلام حول العالم، في حين أظهرت التغطية الإعلامية في دولة الاحتلال ترحيبًا علنيًا بالجريمة، واعتبارها عملًا مبررًا.
ففي ليلة الأحد، كتبت الصحفية البارزة في القناة 12 العبرية دفنا ليئيل على صفحتها في “تلغرام”: “أخيرا تم الأمر! لقد قتل الجيش الإسرائيلي الإرهابي الذي كان يتخفى تحت غطاء صحفي في قناة الجزيرة”، وأرفقت مع المنشور صورة الشريف.
لم تتردد وسائل إعلام الاحتلال في وصم الشريف بالإرهاب؛ فقد وصفه موقع “واي نت” بأنه “المراسل الإرهابي الذي جرى اغتياله”، فيما كتبت صحيفة “معاريف” أنه “صحفي في خدمة حماس”، أما “إسرائيل اليوم” فادعت أنه “إرهابي متنكر بزي صحفي”.
استهداف مباشر للصحفيين
أعلن جيش الاحتلال أنه قصف خيمة للصحفيين قرب مستشفى الشفاء في مدينة غزة، مؤكدًا أن أنس الشريف كان الهدف الرئيس للهجوم، وأسفر القصف عن استشهاد سبعة فلسطينيين، بينهم مراسل الجزيرة وميدل إيست آي محمد قريقع، وكل من المصورين محمد نوفل وإبراهيم زاهر ومؤمن عليوة.
وقالت الصحفية الفلسطينية زهرة سعيد من إذاعة الشمس لموقع ميدل إيست آي: “ردة فعل الإعلام الإسرائيلي على اغتيال الصحفيين كانت مرعبة… حيث كتب صحفي في القناة 12 أنه كان ينتظر هذه التصفية”، مضيفةً: ” هذا أمر لا يُصدق، إنه جزء من ماكينة التحريض الإسرائيلية ضد الصحفيين”.
من جانبها، قالت سارة قداح، المديرة الإقليمية للجنة حماية الصحفيين: “لقد أبادت دولة الاحتلال طاقمًا صحفيًا كاملًا، بينما لم تدّعِ أن بقية الصحفيين هم إرهابيون، هذا قتل، وبكل وضوح”، مؤكدة أن الحرب في غزة باتت “الأكثر دموية بالنسبة للصحفيين منذ بدء توثيق البيانات”، حيث استشهد 270 صحفيًا وعاملًا في مجال الإعلام منذ بدء العدوان.
الإعلام.. شريك في الجريمة
أما الصحفية الفلسطينية حنين مجادلة، التي تكتب في “هآرتس”، قالت إن الإعلام في دولة الاحتلال “جزء لا يتجزأ من المنظومة الإسرائيلية التي تشمل الحكومة والجيش والجمهور، والتي ترتكب جرائم في غزة”.
“وسائل الإعلام الإسرائيلية تؤدي دورًا محوريًا في الإبادة الجماعية في غزة، سواء بالتحريض المباشر أو بالصمت”- حنين مجادلة
ففي هجوم شنه الصحفي الإسرائيلي اليميني ينون مغال من قناة 14 على مظاهرة فلسطينية في أم الفحم حدادًا على اغتيال أنس الشريف، وصف مغال الشريف بـ”الصحفي الإرهابي”.
وترى زهرة سعيد أنه لا يوجد فرق يُذكر بين الإعلام الرئيسي ووسائل الإعلام اليمينية المتطرفة في تغطية اغتيال الشريف، قائلة: “كل من يطرح أسئلة أو يشكك في الرواية الرسمية يُهاجم ويُتهم بالخيانة”.
وأضافت الصحفية مجادلة: “لا مبرر لاغتيال أنس الشريف، ووفق المنطق الإسرائيلي، فإن الصحفيين الإسرائيليين أيضًا أهداف مشروعة”، وقالت مستنكرةً: “برغم دعوة صحفي إسرائيلي لقتل 100 ألف من سكان غزة وقيام آخر بتفجير منازل المدنيين في لبنان، ما زالوا يُعتبرون صحفيين مهنيين”.
تحريض ممنهج ضد الفلسطينيين
أدان عدد من الصحفيين الإسرائيليين جريمة اغتيال أنس الشريف، لكنهم تعرضوا بدورهم لهجمات واتهامات، كما حدث مع معادلة وسعيد اللتين تلقتا إساءات واسعة بعد التعبير عن مواقفهما، وقالت سعيد إن منشورًا لها على “إنستغرام” ينعى الشريف تُرجم إلى العبرية بهدف التحريض عليها، موضحة أن هذا ما يحدث “عندما يريد الصحفي الفلسطيني داخل إسرائيل أن يعبّر عن رأيه”.
وأكدت: “عملنا الصحفي بات يُختزل في سؤال: هل أنت مع الإرهاب أم ضده؟ تجاوز حدود ما يقوله الناطق باسم جيش الاحتلال يُعتبر جريمة… من الخطير أن تكون صحفيًا في إسرائيل، وليس في غزة فقط”.
ولخّصت مجادلة الأمر قائلة: “المعادلة في إسرائيل بسيطة – الفلسطينيون إرهابيون. الصحفي الفلسطيني الذي ينتقد اغتيال أنس الشريف يُعتبر داعمًا أو مُحرّضًا على الإرهاب… التحريض ضد الصحفيين الفلسطينيين أصبح أمرًا طبيعيًا وملحًا، وسيستمر طويلًا، وعلى الفلسطينيين في الداخل أن يعلموا أن عليهم إغلاق أفواههم”.