إلى متى سيبقى القادة العرب صامتين أمام عبث ترمب ونتنياهو بالمنطقة؟

بقلم ماركو كارنيلوس

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

بقيت الديموقراطية الأمريكية على مدى السنوات القليلة الماضية تتحرك ببطء نحو نوع من الأوليغارشية المالية التقنية الإقطاعية، لكنها أخذت تحقق قفزة هائلة في هذا الاتجاه في عهد إدارة ترامب الثانية.

وبشكل متزايد، أصبحت الديموقراطية الأمريكية تشبه الملكية الدستورية، وصار مبدأ الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية أكثر ضبابية بعدما كان أحد ركائز النظام السياسي الأميركي.

فها هو الرئيس دونالد ترمب يتخلص من موظفي الحكومة الفيدرالية الأميركية بإشراف ولي عهده الملياردير إيلون ماسك، كما يسيطر ترمب على مجلسي الكونغرس، ومن المتوقع أن تكون المحكمة العليا مطيعة ومتعاطفة مع إصلاحه للنظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي الأميركي.

أما المعارضة الضعيفة الوحيدة التي تواجهه فهي من عدد قليل من القضاة الذين يتحدون بعض الأوامر التنفيذية التي أصدرها ترمب.

إنها حالة تشبه بعض الملكيات العربية، ومن هذا المنظور، فإن من المثير للاهتمام أن نراقب الديناميكيات السياسية بين الولايات المتحدة والدول العربية في إطار الوضع المتوتر في الشرق الأوسط، والذي يعتمد على وقف إطلاق نار هش في لبنان وغزة الذين تُتهم دولة الاحتلال بانتهاك كليهما.

وبالطبع، لم يقل ترمب شيئاً عن هذه الانتهاكات، ولكن عندما أرجأت حماس إطلاق سراح عدد قليل من الأسرى بسبب عدم التزام الاحتلال باتفاق وقف إطلاق النار، رد الرئيس الأمريكي بإنذار خطير وحربي ينتهي يوم السبت المقبل.

زيارة محرجة

ولا بد أن أي مواطن عربي لديه ذرة من الكرامة الشخصية قد شعر بالحرج الشديد عند اطلاعه على مشهد المكتب البيضاوي يوم الثلاثاء، عندما استقبل ترمب الملك عبد الله ملك الأردن.

لم ينبس الملك الهاشمي ببنت شفة، بينما كان الرئيس الأمريكي يحدد رؤيته لغزة، والتي ينبغي أن تتطلب تحديث جميع كتيبات الدبلوماسية لتعكس هذا النظام الجديد من “السياسة الخارجية العقارية”.

لقد ضاعف ترامب من تأكيده على ضرورة التطهير العرقي للسكان الفلسطينيين في غزة وإعادة توطينهم في الدول المجاورة (باستثناء إسرائيل)،  وهذا المقترح بقلب المنطقة رأساً على عقب ويزعزع استقرار البلدين الهشين اللذين من المفترض أن يكونا المستقبلين الرئيسيين لمليوني فلسطيني وهما مصر والأردن.

ومن غير الواضح ما إذا كان الملك عبد الله قد قال أي شيء لترمب بعد مغادرة وسائل الإعلام للمكتب البيضاوي، وفي ذات الوقت، فمن غير المستغرب أن يتم تأجيل الزيارة الوشيكة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى واشنطن، إذ قد لا يكون رئيس مصر حريصًا على تلقي نفس المعاملة المهينة التي تلقاها الملك الأردني.

ثم إن هناك قاعدة ذهبية يجب اتباعها عندما يتحدث ترمب ومفادها أن لا تأخذ كلماته على محمل الجد، فبالنسبة له، كل شيء ونقيضه يمكن أن يكون صحيحاً، نحن في عصر ما بعد الحقيقة، وبالتالي هناك شعاع ضئيل من الأمل في أنه لا يعني حقًا ما يقوله، وأن نهجه معاملاتي بحت.

لقد تركنا ترمب جميعًا نحك رؤوسنا في محاولة للتوفيق بين تأكيده على أنه سيمتلك غزة، والتزامه بعدم نشر القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، ومن غير الواضح أيضًا إذا كان ما يقوله ترمب يعكس تفكيره الخاص، أم أنه نتاج لتأثير العديد من المستشارين الصهاينة الذين اختارهم لفريق السياسة الخارجية الخاص به.

ويمكن العثور على دليل مقنع في التصريحات الأخيرة لرئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، فحتى لا يتفوق عليه صديقه الأميركي، قال إن الدولة الفلسطينية يمكن أن تنشأ في المملكة العربية السعودية، التي تملك تحت تصرفها الكثير من الأراضي الشاسعة.

وأقل ما يمكن قوله هو أن الديوان الملكي في الرياض لم يبد مسروراً بهذا الموقف، ففي رده الصريح على نتنياهو وترمب، صب القصر الملكي ماءً بارداً على كليهما يوم الأحد الماضي، قائلاً: “أكد صاحب السمو الملكي أن المملكة العربية السعودية ستواصل جهودها الدؤوبة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية ولن تقيم علاقات مع إسرائيل دون ذلك”.

والواقع أن سنوات من الدبلوماسية الأميركية والإسرائيلية تجاه المملكة العربية السعودية وتوسيع اتفاقيات إبراهيم ربما تعرضت للخطر بسبب التصريحات الخرقاء لترمب ونتنياهو. والوقت كفيل بإخبارنا بذلك.

معضلة معقدة

وإذا كانت الملكيات العربية راغبة حقاً في التأثير على عملية صنع القرار في الولايات المتحدة فيما يتصل بالسلام العادل والدائم في الشرق الأوسط، فلا بد لها من أن تتحدث معاً وبطريقة منسقة، وقد تكون القمة العربية الطارئة في السابع والعشرين من فبراير/شباط واحدة من الفرص الأخيرة لذلك.

ومن المؤسف أن التاريخ أثبت مراراً وتكراراً أن مثل هذه التجمعات تتسم بالخطابات الرنانة، التي لا يعقبها إلا القليل من العمل الملموس، ومن الإنصاف أن نقول إن آخر مرة اقترحت فيها جامعة الدول العربية شيئاً ذا مغزى، وهو مبادرة السلام العربية في عام 2002، تم تجاهلها عملياً من قِبَل الولايات المتحدة وإسرائيل.

لقد أظهرت قطر والإمارات العربية المتحدة، وهما ملكيتان ذكيتان وجريئتان، قدرتهما على التفاعل بجدية مع الولايات المتحدة والتحدث بالحقيقة غير المريحة لواشنطن وتل أبيب. 

وفي الوقت نفسه، تواجه المملكة العربية السعودية معضلة معقدة، إذ كيف يمكنها أن تعزز أجندتها الإصلاحية، التي تتطلب الدعم الأميركي وبيئة إقليمية سلمية، وتحافظ في ذات الوقت على شرعيتها كدولة راعية للحرمين الشريفين؟

وهل تستمر مصر والأردن في الالتزام بمعاهدات السلام مع دولة الاحتلال التي تبدو نواياها بعيدة كل البعد عن السلام؟

بعبارة أخرى، كيف يمكن لولي العهد السعودي محمد بن سلمان الانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم بينما تعمل الولايات المتحدة ودولة الاحتلال، بخطابهما التحريضي وأفعالهما الوحشية على الأرض، على تقويض الحد الأدنى من المتطلبات اللازمة للاستقرار والسلام في المنطقة بشكل منهجي؟

لم يوفر ترمب لولي العهد السعودي جرعته الخاصة من الإذلال عندما قال إنه لتكريم المملكة بزيارته الأولى، سيحتاج إلى توفير مشتريات لها بقيمة 500 مليار دولار، وعندما التزمت المملكة بـ 600 مليار دولار، رفع ترامب المبلغ إلى تريليون دولار.

أما المملكة الأردنية الهشة، فهي مثل مصر تعتمد على الدعم الاقتصادي والعسكري والاستخباراتي الغربي.

وبالنسبة للعديد من الباحثين الذين يركزون على دبلوماسية الشرق الأوسط، فإن سلوكيات الولايات المتحدة ودولة الاحتلال تتحدى المنطق والحكمة التي أصبحت للأسف نادرة للغاية.

يتمثل الانطباع الآن في أن ترمب يسعى إلى مساعدة نتنياهو في تحقيق هدفه المتمثل في إعادة تشغيل الحرب في غزة، ومن الواضح أنهم لم يتعلموا شيئًا من الأشهر الخمسة عشر السابقة من الفشل. 

لكن الأسوأ قد يأتي، إذ لن يكون من المستغرب أن تعترف الإدارة الأمريكية الجديدة رسمياً بمزيد من الضم الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، خارج القدس الشرقية، إلى جانب ضم جديد للأراضي السورية.

وجاء الرد السعودي على هذا الدعم المفتوح للتوسع الإسرائيلي في بيان آخر من القصر الملكي، انتقد التصريحات التي “تهدف إلى تحويل الانتباه عن الجرائم المستمرة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي ضد الإخوة الفلسطينيين في غزة، بما في ذلك التطهير العرقي الذي يتعرضون له”.

وذهب إلى أبعد من ذلك: “هذه العقلية المتطرفة الاحتلالية لا تفهم ما تعنيه الأرض الفلسطينية للشعب الفلسطيني الشقيق وارتباطه العاطفي والتاريخي والقانوني بهذه الأرض”.

إذن، في ظل هذه النبرة القاسية الجديدة في الدبلوماسية السعودية، هل تستمر الملكيات العربية في الالتزام باتفاقيات إبراهيم؟ فهل ستستمر مصر والأردن في الالتزام بمعاهدات السلام مع إسرائيل، في حين تبدو نوايا الأخيرة بعيدة كل البعد عن السلمية؟

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة