إيران وأميركا: لعبة أعصاب في قلب الشرق الأوسط الملتهب

بقلم ماركو كارنيلوس

ترجمة وتحرير مريم الحمد

كل الأسواق العالمية تشهد انهياراً ناجماً عن الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلا أن الوضع الأصعب يظل في الشرق الأوسط، فإسرائيل مستمرة في ضرب لبنان وغزة وتوسيع وجودها في سوريا، في حين تقمع وتقتل الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة. 

في الوقت نفسه، تتصاعد التوترات بين المحور الأمريكي الإسرائيلي من جهة وإيران من جهة أخرى، فالوضع مع إيران يثير قلقاً خاصاً وينذر بمزيد من التصعيد الخطير مع تأثيرات عالمية محتملة.

لقد قامت الإدارة الأمريكية بإرسال إشارات متضاربة حول رغبتها في التقارب مع إيران، فأشارت من ناحية إلى أنها منفتحة على إعادة فتح المحادثات النووية، ومن ناحية أخرى، تواصل حشدها العسكري الكبير في الشرق الأوسط تمهيداً لضربات عسكرية محتملة على المنشآت النووية والصاروخية الإيرانية. 

إن تقديم ترامب لنفسه كصانع سلام عالمي ملتزم بإنهاء الحروب لم يضاهيه أبعد ما يكون عن الواقع على الأرض، وقد زاد من تقويض هذه الفكرة من خلال الوعد بميزانية دفاع غير مسبوقة بقيمة تريليون دولار!

ربما تكون الناحية العسكرية وسيلة ضغط متعمدة على طريقة ترامب بهدف إجبار إيران على التفاوض، فمن المقرر أن تبدأ المحادثات الثنائية، سواء المباشرة أو غير المباشرة، خلال أيام.

هناك أيضاً تقارير تفيد بأن ترامب أعطى إيران في رسالة إلى المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، لم يتم نشرها علناً، مهلة شهرين للتوصل إلى اتفاق نووي جديد.

وقد نقل في روايات لم يتم التحقق منها، بأن ترامب أعرب في الرسالة عن رغبته في تجاوز عقود من الصراع لفتح “آفاق جديدة” في العلاقة بين إيران والولايات المتحدة، قبل التحذير من أنه إذا “رفضت طهران هذه اليد الممدودة” وواصلت دعم الجماعات “الإرهابية” في المنطقة، فإن رد واشنطن سيكون “حاسماً وسريعاً”.

خطوة جيدة ولكن

رغم عقود من الدبلوماسية المباشرة وغير المباشرة مع طهران، لا يزال صناع السياسة الأمريكيون، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، يغفلون عن أن طرح الحوار مع طهران عبر التهديد قد يؤدي إلى تحقيق عكس النتيجة المقصودة. 

من المؤكد أن هدف ترامب المتمثل في إعادة فتح المحادثات مع إيران خطوة جيدة، رغم تجهله لحقيقة مزعجة متمثلة في أنه لو لم يتراجع في عام 2018 عن الاتفاق النووي في عهد أوباما، فلم تكن لتكون هناك حاجة لجولة جديدة تماماً من المفاوضات، وكان مخزون إيران من اليورانيوم المخصب أقل مما هو عليه اليوم، فالبلاد الآن على عتبة برنامج للأسلحة النووية.

من المرجح أن الأخبار عن محادثات جديدة بين الولايات المتحدة وإيران لم تلقَ ترحيباً من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عندما التقى ترامب في البيت الأبيض مؤخراً، فسرعان ما تم إلغاء المؤتمر الصحفي المقرر لهما، وظهر الزعيمان بدلاً من ذلك أمام مجموعة صغيرة من وسائل الإعلام في المكتب البيضاوي. 

في الوقت نفسه، من المرجح أن يهدف الاهتمام الأمريكي المتجدد بإبرام صفقة مع إيران إلى إعطاء زاوية من الطمأنينة حول القلق من أداء إدارة ترامب، فالعلاقات عبر الأطلسي وعبر المحيط الهادئ تتعرض لضغوط كبيرة بسبب سياسات التعريفات الجمركية التي ينتهجها ترامب، كما أنه تجاهل تحقيق السلام في أوكرانيا في غضون 24 ساعة فقط.

وفي الشرق الأوسط، ليس لدى ترامب ما يظهره سوى وقف إطلاق النار الهش في لبنان والذي انهار تماماً في غزة!

إن تقديم ترامب لنفسه كصانع سلام عالمي ملتزم بإنهاء الحروب لم يضاهيه أبعد ما يكون عن الواقع على الأرض، وقد زاد من تقويض هذه الفكرة من خلال الوعد بميزانية دفاع غير مسبوقة بقيمة تريليون دولار!

عقبات كبيرة

وتظل الصفقة مع إيران، من بين كل الصفقات المحتملة التي يود ترامب التوصل إليها، تمثل أهم العقبات وسط انعدام ثقة متبادل عميق وتاريخي بين الجانبين، فبعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي عام 2018، فقدت القيادة الإيرانية أي ثقة متبقية في الولايات المتحدة كشريك محتمل في أي صفقة.

إضافة إلى ذلك، وعلى المستوى السياسي، فسوف يكون من المكلف بالنسبة للقيادة الإيرانية عقد صفقة مع الولايات المتحدة مع استمرار إسرائيل في ملاحقة استراتيجية التطهير العرقي في غزة، إلى جانب شن ضربات على لبنان والتوسع الإقليمي في سوريا.

من المرجح أن يحاول ترامب عقد صفقة مع إيران لأنه يرى فرصة جيدة وسط الضعف الملحوظ في الشبكة الإقليمية للبلاد في الأشهر الأخيرة، بعد قطع إسرائيل رأس قيادة حزب الله في لبنان وانهيار نظام الأسد في سوريا، باعتبارها ضربات قوية لمكونات القوة الإيرانية في المنطقة.

ويبقى السؤال هنا، هل أضعفت تلك الضربات إيران إلى الحد الذي يجعلها توافق الآن على وقف التخصيب النووي وتسليم إمداداتها الكبيرة من اليورانيوم المخصب وتدمير منشآتها النووية القائمة، كما يطلب ترامب ونتنياهو؟!

هذا هو ما يسمى بالخيار الليبي لعام 2003، نسبة إلى تخلي الزعيم السابق معمر القذافي عن أسلحة الدمار الشامل والبرنامج النووي لبلاده، وإذا ما نظرنا إلى ما حدث لليبيا في السنوات التي تلت ذلك، فإن هذا المثال ليس الأفضل بالنسبة للقادة الإيرانيين بالتأكيد.

رغم تعرض حلفاء إيران لضربات شديدة، إلا أنه من السابق لأوانه اعتبارهم مهزومين أو غير فعالين، فالوضع يتطور مع اقتراب موعد انتهاء الصلاحية، فآلية إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة سوف تدخل حيز التنفيذ في أكتوبر المقبل، وإذا ما قرر الموقعون الباقون على الاتفاق النووي، بما في ذلك روسيا والصين والدول الأوروبية، فإن طهران لن تستطيع أن تفي بالتزاماتها،الأمر الذي سوف يلحق المزيد من الضرر بالاقتصاد الإيراني المحطم ويمنح ترامب نفوذاً إضافياً.

أعلنت إيران بدورها، بأنه إذا أعيد فرض العقوبات، فإنها سوف تنسحب من معاهدة حظر الانتشار النووي، الأمر الذي قد يؤدي إلى هجوم أمريكي إسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية، ويبقى أن نرى ما إذا كانت الصين أو روسيا ستسمح بضرب شريكها الاستراتيجي أم لا.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة