ابنة القدس الممنوعة من دخول المسجد الأقصى!

بقلم هنادي حلواني

ترجمة وتحرير مريم الحمد

لقد توقفت منذ زمن عن إحصاء عدد المرات التي اعتقلتني فيها القوات الإسرائيلية واستجوبتني، أو أصدرت قرار حظر سفر بحقي، لا لسبب إلا لتعلقي بالمسجد الأقصى المبارك وتواجدي فيه بشكل مكثف.

ما يجري اليوم في ساحات الحرم القدسي ما هي إلا نتائج سنوات من التخطيط الإسرائيلي المكثف لتقسيم المسجد وتحويله إلى موقع يهودي وطرد المسلمين منه، على غرار ما حصل في الحرم الإبراهيمي في الخليل.

لقد بدأت علاقتي بالمسجد الأقصى تتعزز منذ عقدين، كنت أعيش في حي وادي الجوز الملاصق لأسوار البلدة القديمة في القدس الشرقية المحتلة آنذاك، على بعد كيلومتر واحد فقط من المسجد الذي كنت أداوم على الصلاة فيه بشكل يومي، لكن هدفي كان أكبر من مجرد الصلاة في الأقصى، كنت أريد الدفاع عنه وحمايته من اقتحامات المستوطنين الذين ينتهكون حرمته، ولأتمكن من ذلك كان لابد لي من إيجاد وظيفة داخل الحرم.

أسهل الطرق لذلك كان شهادة تعليم للقرآن تبرر تواجدي اليوم داخل الأقصى، فمنذ عام 2011، عملت في مشروع لتعليم القرآن للفتيات والنساء، وبعد عام تقريباً، بدأت عين الاحتلال في مراقبتي ومطاردتي، بسبب تواجدي الدائم في الأقصى، الأمر الذي لفت أنظار الاحتلال إلى كوني مؤثرة مقدرة بين المصلين من رواد الحرم القدسي.

من يومها، وأنا أتلقى سلسلة من الأوامر العقابية من قبل السلطات الإسرائيلية بين منعي من السفر والإبعاد عن الأقصى، بما في ذلك شهر رمضان، فقد تلقيت ما مجموعه التراكمي عامين من الإقامة الجبرية والنفي من البلدة القديمة، كما تم استدعائي إلى عشرات الاستجوابات واعتقالي 67 مرة، بعد مداهمة السلطات الإسرائيلية منزلي وإرهاب أطفالي، ومنعي من دخول الضفة ومصادرة هواتفي وأجهزة الكمبيوتر الخاصة بي، بالإضافة إلى انتهاكات أخرى، كل ذلك بسبب حبي للأقصى.

مشاهد مؤلمة

منذ صغري كنت أرى الأقصى مكاناً للصلاة والتأمل وقراءة القرآن، مكان هادئ لا يرفع فيه أحد صوته، ولذلك أعتبره مكان استرخاء يذهب إليه المصلون، ينسون مشاكلهم عند البوابات ويغرقون في روعة المكان.

هدفي كان أكبر من مجرد الصلاة في الأقصى، كنت أريد الدفاع عنه وحمايته من اقتحامات المستوطنين

مشهد رائع تصاعدت محاولات الاحتلال تعكيره منذ 23 عاماً خلال الانتفاضة الثانية، حين اقتحم زعيم المعارضة آنذاك أرئيل شارون المسجد، فغضب المصلون وانتفضت المناطق الفلسطينية، في ظل حملة شرسة تصاعدت تدريجياً من أجل زيادة السيطرة على الأقصى، فسمح للمستوطنين باقتحام الأقصى بشكل منتظم تحت حراسة الشرطة الإسرائيلية، يؤدون طقوسهم ويدعون صراحة إلى هدم الأقصى وبناء هيكلهم الثالث مكانه.

لقد ذكرتني المداهمات التي حصلت في 5-6 أبريل 2023 بمرتين سابقتين كنت قد شهدتهما بأم عيني، مشاهد مؤلمة لا أنساها من تعامل الجنود الوحشي مع المصلين، كيف ننساها وهي مشاهد تتكرر سنوياً في رمضان؟! ونتساءل لو كانت هذه الانتهاكات في مكان عبادة آخر في العالم، هل سيكون رد الفعل الصمت الدولي أيضاً؟!

تتزايد قرارات الإبعاد والمنع عن الأقصى مع اقتراب شهر رمضان، حتى نُحرم الاعتكاف ليلاً في المسجد

أشعر بالألم والعجز حين أتذكر أني بنت القدس ومع ذلك لا أستطيع دخول المسجد، لا يفصلني عنه سوى جدار وقرار إسرائيلي ظالم بحقي، بل إن ما يحزن قلبي هو الأقصى الذي دنسه الإسرائيليون بأحذيتهم ورصاصهم، هو ذات المكان الذي صلى فيه نبيي محمد ذات مرة.

تحدي الاحتلال

المسجد الأقصى بالنسبة لي هو الجنة التي تشوهها الاقتحامات الإسرائيلية، ونُحرم منها نحن المقدسيون أهلها، فقد أدت سياسة الاحتلال في إبعاد المصلين عن الأقصى إلى استهداف مباشر لعدد من النشطاء والمؤثرين وحتى حراس المسجد، خاصة النساء اللواتي يشكل وجودهن عقبة أمام اقتحامات المستوطنين.

عادة ما تتزايد قرارات الإبعاد والمنع عن الأقصى مع اقتراب شهر رمضان، حتى نُحرم الاعتكاف ليلاً في المسجد، لأن قمع الاحتلال يستهدف هذه العبادة تحديداً، من أجل ضمان أجواء هادئة للمستوطنين عند اقتحامهم صباح اليوم التالي!

ويعد الإفطار الجماعي من أهم الوسائل المبتكرة لتحدي منع الاحتلال، عبر تناول الطعام مع الناس قرب أبواب الأقصى في أزقة البلدة القديمة، ففي كل مرة يتم نفينا، أنا ونساء أخريات، نفكر بطريقة نتحدى بها قرارات الاحتلال الظالمة، كان آخرها قرار الصلاة في أقرب نقطة يمكن لنا الوصول إليها قرب المسجد، عند زقاق يسمى “طريق المجاهدين”، الذي أصبح مكاناً معروفاً لكل المطرودين من الأقصى.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة