بقلم كاثرين هيرست
ترجمة وتحرير مريم الحمد
تم الكشف مؤخراً عن اتفاق سري لتعويض الكربون قد يؤدي إلى تنازل ليبيريا عن 10% من أراضيها لشركة إماراتية خاصة، تدعى شركة “بلو كربون” ومقرها دبي ولمدة 30 عاماً، الأمر الذي يؤدي إلى إلغاء حقوق الأراضي العرفية ويمنح الإمارات حق تلوث يعادل عزل الكربون بمساحة غابة!
تمنح الصفقة أيضاً الإمارات سيطرة شاملة على مليون هكتار من الغابات، لتقوم الشركة الإماراتية بعد ذلك بحصاد أرصدتها من الكربون، والتي من المفترض أن تساهم في حماية الأرض واستصلاحها، ثم تبيعها بعد ذلك لتعويض انبعاثاتها.
إذا تم توقيع مذكرة التفاهم، فذلك يعني انتهاك عدد من القوانين الليبيرية، منها قانون حقوق الأراضي لعام 2019، وهو التشريع الذي يؤكد حق المجتمعات في “الأراضي العرفية”، بالإضافة إلى التنازل عن السيطرة بشكل شبه كامل عن واحدة من أكثر المناطق الحرجية كثافة في إفريقيا، كما أن الصفقة ستمنع ليبيريا من استخدام الأرض لتحقيق أهدافها المناخية.
تحتوي مسودة العقد على توزيع غير متساوٍ للأرباح الناتجة من بيع أرصدة الكربون، حيث تجني الشركة الإماراتية 70% من الأرباح، ويبقى للحكومة الليبيرية ما نسبته 30% فقط، يتم دفع نصفها تقريباً للمجتمعات المحلية
حتى وقت قريب، كانت الاتفاقية محاطة بالسرية، فقد تم التفاهم على مذكرة التفاهم في مارس الماضي، وكان من المقرر التوقيع قريباً على المسودة النهائية، لكن تم تسريب الخبر عبر مصادر حكومية، مما أدى إلى استياء منظمات محلية أهلية بسبب عدم علمها بأمر الصفقة.
علق عضو اتحاد “تنسيق مراقبة الغابات” المستقلة في ليبيريا وهي اتحاد يضم 7 منظمات معنية بحقوق البيئة والمجتمع، جوناثان ييا، على الصفقة، بقوله “لقد علمنا بمشروع الاتفاقية منذ بضعة أسابيع فقط”.
بعد تسريب الخبر، سارعت الحكومة إلى دعوة أصحاب المصلحة في البلاد إلى حضور الاجتماعات، لكن اتحاد “تنسيق مراقبة الغابات” أشار إلى أنه لم يتم إرسال مسودة الصفقة إلا قبل يوم واحد من الاجتماع فقط، مؤكداً أن “الحكومة كانت تتصرف كما لو لم يكن هناك وقت”.
ويرجع ناشطون السبب في عجلة الحكومة إلى اقتراب الانتخابات في ليبيريا في أكتوبر القادم، ولذلك كانت الحكومة في عجلة من أمرها للحصول على الدفعة الأولية البالغة 50 مليون دولار، وهو المبلغ الذي تم الكشف عنه في التسريب، مما يؤكد أن هدف الحكومة من الصفقة هو المال بالدرجة الأولى.
فور تسريب الخبر، أطلق اتحاد “تنسيق الغابات” ناقوس الخطر ونشر بياناً على موقعه، جاء فيه “إن المطالبة بالحقوق القانونية لتسويق كربون الغابات له آثار واضحة على حقوق الملكية، لأنه يؤثر على حقوق المجتمعات في تحديد كيفية استخدام أراضيها”.
“نحتاج لمزيد من التشاور”
مشروع الصفقة يتجاوز قوانين الأراضي الليبيرية، والتي تلزم المطورين بإجراء مفاوضات للحصول على الموافقة الحرة والمسبقة مع المجتمعات المحلية في الأراضي العرفية، في حين أن شروط العقد تلزم شركة “بلو كربون” بأن “تبذل قصارى جهدها” لإجراء مفاوضات مسبقة في مناطق المشروع، وذلك لا يتم إلا في غضون 3 أشهر من توقيع الاتفاقية.
وتتساءل المديرة التنفيذية لمؤسسة المبادرات المجتمعية، لوريتا ألثيا بوب كاي، عن سبب ذلك فتقول “لماذا يجب أن يتم ذلك بعد توقيع العقد؟ نحن نتحدث عن مليون هكتار، وهذا سيستغرق أكثر من ست سنوات، إنهم يقولون أنه مشروع تجريبي، لكنه اتفاق مدته 30 عامًا، وهو وقت طويل جدًا بحيث لا يمكن التخلي عنه دون عملية الموافقة الحرة والمسبقة والمستنيرة”، مضيفة أن “هناك حاجة إلى مزيد من التشاور لفهم هذه القضية، هذا هو أول مشروع للكربون في ليبيريا، وليس لدينا إطار قانوني للحديث عن الكربون”.
“هناك موجة مما يسمى رعاة البقر الكربونيين، من بينهم أشخاص لديهم خبرة قليلة نسبيًا، ويشاركون في تعويض الكربون، خاصة في أفريقيا حيث حقوق الأراضي هشة للغاية”- ألكساندرا بنجامين- منظمة فيرن جير
من جانب آخر، تحتوي مسودة العقد على توزيع غير متساوٍ للأرباح الناتجة من بيع أرصدة الكربون، حيث تجني الشركة الإماراتية 70% من الأرباح، ويبقى للحكومة الليبيرية ما نسبته 30% فقط، يتم دفع نصفها تقريباً للمجتمعات المحلية، وتعتمد الأرباح على مقدار قيمة الاعتمادات في نهاية المطاف.
إضافة إلى ذلك، ينص العقد على تشكيل لجنة مكونة من 5 أشخاص بينهم شخصان يمثلان الشركة ومسؤول حكومي، مهمتها تحديد كيفية إنفاق الأموال، الأمر الذي يزيد من إمكانية استبعاد المجتمعات من التصويت على القرارات المتعلقة بالتمويل.
من جانب الشركة الإماراتية، أشار خبير السياسات في”بلو كربون”، جوناثان كروك، إلى أنه “ليس هناك وضوح بشأن ما سيتم فعله لحساب تخفيضات الانبعاثات التي تم إجراؤها”، مؤكداً أن الشركة تلتزم بمعايير خفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات (REDD+)، وهي المبادرة الدولية للحد من الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات.
ولا تقتصر المبادرة الدولية على ذلك، فهي تتطلب معايير أخرى متمثلة بأن يعمل المشروع أيضاً على خفض الكربون، ومن خلال شراء الأراضي التي تشمل المحميات الطبيعية الموجودة فإن الشركة لن توفر أي فوائد إضافية، الأمر الذي برره كروك بالقول “إن تقييم الإضافة أمر معقد للغاية، لتحديد الإضافة، لابد من إثبات أنها تتجاوز ما يتم القيام به بالفعل وما يتطلبه القانون، وتحتاج إلى الاعتماد على التمويل لتحقيق ذلك، لو لم تكن الاعتمادات من هذا إضافية، فإنها ستكون عديمة القيمة”.
شركة “بلو كربون”
يرأس شركة “بلو كربون” أحد أفراد العائلة المالكة الإماراتية، وهو أحمد دلموك آل مكتوم، الذي يرأس أيضًا مجموعة شركات أميري جروب التي استثمرت بكثافة في مشاريع النفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وقد تأسست الشركة في عام 2022، لذلك فهي لا تتمتع بخبرة سابقة في إدارة الكربون، ومع ذلك فمحفظة الشركة تضم عددًا من شركات البنية التحتية للنفط والغاز، وتأتي الاتفاقية مع ليبيريا بعد سلسلة من مذكرات تفاهم مماثلة وقعتها الشركة مع بابوا غينيا الجديدة في نوفمبر 2022، وتنزانيا وزامبيا في غضون أيام من بعضها البعض في فبراير 2023.
تعليقاً على نشاط الشركة في المنطقة، يقول الباحث في الاقتصاد السياسي والتنمية في الشرق الأوسط، كريستيان هندرسون، “أعتقد أن هذا يمثل استراتيجية من قبل دول الخليج المهتمة بادعاء القدرة على تعويض انبعاثاتها الكربونية، وبالمقابل فهذه الدول ليس لديها أي نية لوقف إنتاج النفط، وقد أوضحت ذلك من قبل”.
لقد عززت مذكرة التفاهم مع ليبيريا مخاوف دعاة حماية البيئة من أن تطغى المناقشات حول أسواق الكربون على التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، خلال قمة المناخ المقبلة، والتي من المقرر أن تستضيفها الإمارات في نوفمبر 2023.
“يجب أن تتلقى الدول الفقيرة تمويلاً من الدول الغنية على شكل تعويضات للسماح لها بتنفيذ التكيف مع الكربون، وليس التخفيف منه” – كريستيان هندرسون- الباحث في الاقتصاد السياسي والتنمية في الشرق الأوسط
تعرضت المذكرة لانتقادات حماة البيئة أيضاً بسبب استخدامها لأرصدة الكربون المحصودة من أجل تعويض الانبعاثات الخاصة بالإمارات، فالعقد لا يحدد ما إذا كان يمكن بيع الأرصدة أو شراؤها من قبل شركات اخرى أو عبر العلاقات الثنائية مع حكومات أخرى.
“رعاة البقر الكربونيون”
لا تعد الإمارات الجهة الوحيدة التي تتنافس على الأراضي في ليبيريا، فقد أشارت الناشطة في إدارة الغابات في منظمة فيرن جير الحكومية، ألكساندرا بنجامين، إلى أن “هناك موجة مما يسمى رعاة البقر الكربونيين، من بينهم أشخاص لديهم خبرة قليلة نسبيًا، ويشاركون في تعويض الكربون، خاصة في أفريقيا حيث حقوق الأراضي هشة للغاية”.
في عام 2009، تم فسخ عقد أبرمته شركة Carbon Harvesting، ومقرها بريطانيا، لشراء 400 ألف هكتار من الغابات الليبيرية، عندما تبين للشركة انتهاكه لعدد من القوانين الليبيرية، والكشف عن تلقي مسؤولين حكوميين لرشاوى، ويذكر أن ناشطين خاضوا معارك استمرت لسنوات من أجل الطعن في العقد وصلت حد الترهيب وحتى التهديد بالقتل!
ومن الأمثلة على ذلك، اضطرار المحامي البيئي ألفريد براونيل، الذي ساعد في وقف قطع الغابات الاستوائية من قبل شركة زيت النخيل، Golden Veruleum، إلى الفرار من ليبيريا في عام 2016 بعد تصاعد التهديدات بالقتل والمواجهات.
في مواقف أخرى، أبلغ نشطاء في اتحاد “تنسيق الغابات” عن تلقيهم تهديدات وتعرضهم للتتبع من قبل مركبات مجهولة الهوية أثناء عملهم في قضية الكربون الأزرق، الامر الذي عبر عنه الناشط في الاتحاد، أبراهام بيلي، بقوله “تحاول الحكومة تخويف الناس، عليك أن تكون حذراً بشأن الظهور في الأماكن العامة”.
وفي الوقت الي تم الإعلان فيه عن اعتماد الكربون كقضية رئيسية في قمة المناخ القادمة، كشفت دراسة حديثة عن برنامج “فيرا”، أكبر معيار للكربون في العالم، أن 94% من الاعتمادات لم تكن ذات أي فائدة تذكر على المناخ!
علق الباحث في الاقتصاد السياسي والتنمية في الشرق الأوسط، كريستيان هندرسون، على نتائج الدراسة بقوله “إن فكرة إنشاء معادلة مفادها أنه إذا قمت بشراء مساحة معينة من الأرض، فإن ذلك سيضمن تعويض انبعاثات الكربون من خلال القدرة الطبيعية لهذا النظام البيئي على عزل الكربون، فكرة مشكوك فيها حقًا”!
بالنسبة لهندرسون، فإن سوق الكربون يعيد ببساطة إنتاج التسلسل الهرمي لأزمة المناخ، حيث تتحمل الدول الفقيرة فاتورة الاستهلاك من قبل الأثرياء، مشيراً إلى أنه “يجب أن تتلقى الدول الفقيرة تمويلاً من الدول الغنية على شكل تعويضات للسماح لها بتنفيذ التكيف مع الكربون، وليس التخفيف منه”.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)