يتعرض المهاجرون الأفارقة العابرون من تونس خلال رحلتهم للوصول إلى أوروبا لانتهاكات تشمل الاغتصاب والعنف والاختطاف وسط ظروف معيشية تزداد صعوبة في الدولة الشمال إفريقية.
وفي تقريرها الصادر في أكتوبر/تشرين الأول بعنوان “طرق التعذيب، رسم خرائط للانتهاكات التي يعاني منها المتنقلون في تونس”، لاحظت المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب “ظهور سلسلة من الممارسات الجديدة المثيرة للقلق”.
وأشار التقرير إلى أن “الفترة الممتدة من نوفمبر/تشرين الثاني 2023 إلى أبريل/نيسان 2024 شهدت زيادة مقلقة في حالات العنف الجنسي التي يعاني منها العابرون في تونس، والتي ارتكبت بتواطؤ من ضباط الأمن التونسي، أو تم تحريضهم المباشر من خلال سياسة التهجير القسري”.
وتقدم مريم وهي شابة غينية في الثلاثينيات من عمرها وأم لطفل صغير وصلت إلى تونس في عام 2021 وعملت في سلسلة من الوظائف الغريبة حتى 21 فبراير/شباط 2023 شهادتها حول هذه الممارسات لموقع ميدل إيست آي.
فقد سبق للرئاسة التونسية أن نشرت ذات يوم بيانًا ربط فيه قيس سعيد بين القادمين من دول جنوب الصحراء الكبرى وممارسة الإجرام، في تصريحات تم إدانتها على نطاق واسع باعتبارها عنصرية.
فقد قال سعيد: “هناك خطة إجرامية لتغيير التركيبة السكانية في تونس، وقد تلقى بعض الأفراد مبالغ كبيرة من المال لمنح الإقامة للمهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى”.
وخلال الأيام التالية، طرد أصحاب العمل والملاك التونسيون المستخدمين المهاجرين لديهم خشية مقاضاتهم بتهمة مساعدة المقيمين غير الشرعيين في البلاد.
وانقلبت حياة مريم رأساً على عقب بعد أن استقلت قارباً صغيراً مع طفلتها في ساعات الفجر في محاولة لعبور البحر الأبيض المتوسط من محافظة صفاقس، ثاني أكبر مدينة في تونس ونقطة المغادرة الرئيسية إلى أوروبا.
فبعد ثلاثين دقيقة من مغادرة القارب، أوقفه مركب للحرس الوطني التونسي، وهو قوة الدرك التي تعمل بشكل رئيسي في المناطق الريفية وشبه الحضرية وكذلك الحدود البرية والبحرية.
“ضربنا الضباط بالعصي ورشونا بالغاز المسيل للدموع، ثم أجبرونا على الذهاب خلف السياج الحدودي” – مريم، امرأة غينية
وتقول مريم: “طلبنا منهم أن يسامحونا، وتوسلنا إليهم أن يتركونا، لكنهم لم يستمعوا”، وأعيدت مريم إلى الميناء مع رفاقها البالغ عددهم زهاء 50 شخصاً.
وفي صيف عام 2023، تم توقيع مذكرة تفاهم بين الاتحاد الأوروبي وتونس يتعلق أحد أركانها الخمسة بالهجرة وينص على تقديم المساعدات المالية والفنية لوقف الهجرة من تونس نحو أوروبا.
ولقي الاتفاق الذي اكتنف الغموض صياغته انتقادات شديدة من قبل منظمات حقوق الإنسان في ضوء السجل السيئ لتونس فيما يتعلق بالحريات.
وفي حين دأب الرئيس سعيد على القول إن بلاده لن تكون حارس حدود لأوروبا، يبدو أن خفر السواحل التونسي يبذل جهوداً مهمة على أرض الواقع للحد من تدفق المغادرين.
وبعد مرور عام على الاتفاق، وفي منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2024، أعربت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني عن سرورها بالنتائج، حيث انخفض عدد الوافدين من تونس بنسبة 81% مقارنة بنفس الفترة من عام 2023.
وقبل بضعة أيام، وتحديداً في 14 أكتوبر/تشرين الأول، أدان خبراء مستقلون من الأمم المتحدة تعريض الأشخاص الذين اعترضتهم السلطات التونسية أثناء عبور البحر الأبيض المتوسط للخطر.
وقال الخبراء: “بالنسبة لأولئك الذين أنقذهم خفر السواحل، بما في ذلك ضحايا الاتجار بالبشر، فإن وضعهم يزداد سوءاً عند النزول إلى الموانئ”.
وتتضمن التقارير الواردة مزاعم عن عمليات نقل قسرية تعسفية للمهاجرين إلى الحدود مع الجزائر وليبيا، دون تقديم المساعدة الإنسانية لهم رغم مخاطر الجفاف أو سوء التغذية أو الإصابات التي يتعرضون لها بسبب حروق الشمس”.
“أجبروني على ذلك أمام طفلي”
وبعد أن أعادهم الحرس الوطني التونسي إلى الميناء، تم تقييد مجموعة المهاجرين التي تضم مريم وتفتيشها، وصادر ضباط الأمن هواتفهم ونقلوهم في حافلة في نفس المساء إلى الحدود الجزائرية.
وقالت مريم: “ضربنا الضباط بالعصي ورشونا بالغاز المسيل للدموع، ثم أجبرونا على الذهاب خلف السياج الحدودي وغادروا”.
كان بعض المهاجرين من أفراد المجموعة قد نجحوا في إخفاء هواتفهم عن ضباط الأمن، وبفضل تحديد الموقع الجغرافي، انطلقوا مرة أخرى على الطريق نحو تونس.
ووصلت المجموعة إلى مدينة نفطة، على بعد حوالي 40 كيلومتراً من الحدود، واستقروا في بستان للتمر، لكن أحد المزارعين أبلغ عنهم لأنهم طلبوا الماء.
وصل الحرس الوطني التونسي إلى المكان ففر من فر من المهاجرين، لكن مريم بقيت مع ابنتها وتسع نساء أخريات وثلاثة أطفال جرى اعتقالهم جميعاً وقضوا اليوم في زنزانة سجن قبل إعادتهم إلى الحدود في نفس المساء.
وقالت السيدة وصوتها يختنق بالدموع: “لقد تعرضنا جميعاً للاغتصاب في الشاحنة، واحدةً تلو الأخرى، لقد أجبروني على ذلك أمام طفلتي”.
تعرضت مريم بعد ذلك للضرب وتركت مع بقية المجموعة في وسط الصحراء.
ولا تملك مريم سوى صوتها لإثبات قصتها، لكن امرأة أخرى هي عيساتا تعرضت للاغتصاب في ذلك اليوم في شاحنة الحرس الوطني أكدت الحادثة.
وقد ساعدت المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب هذه السيدة في إطار برنامج سند، الذي يقدم المساعدة لضحايا التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية أو المهينة في تونس، حيث أُدرجت قصة عيساتا في تقرير المنظمة الصادر في فبراير/شباط.
ولا يعد ما جرى مع مريم وعيساتا حدثين فرديين، فقد قال ناشط من جنوب تونس لموقع ميدل إيست آي إنه يساعد بانتظام النساء المهاجرات اللاتي يقلن إنهن تعرضن للاغتصاب.
“لقد رافقت ما لا يقل عن عشر نساء لإجراء عمليات إجهاض، بعضهن تعرضن للاغتصاب من قبل ضباط الأمن، وبعضهن الآخر من قبل مواطنين عاديين” – ناشط تونسي
رفض هذا الناشط الكشف عن هويته لأن مساعدة الأشخاص الذين لا يمتعون بوضع قانوني في تونس تخضع لإجراءات قضائية.
وقال الناشط: “في بعض الأحيان، تكون عمليات الاغتصاب مصحوبة بالعنف، وفي أحيان أخرى تحدث مقابل الطعام أو مقابل إخفاء المعلومات عن الشرطة”.
ويشير تقرير المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب إلى جمع “شهادات عن عنف جنسي ارتكب بتواطؤ من ضباط الحرس الوطني أثناء عبور الحدود الجزائرية والليبية”.
وأضاف التقرير: “كما تم الإبلاغ عن حالات اعتداء جنسي من قبل مواطنين تونسيين مقابل الماء والطعام في جنوب غرب تونس، في منطقة توزر”.
وعلى نحو مماثل، تلقى خبراء الأمم المتحدة “تقارير عن الاعتداء الجنسي واستغلال الأطفال، واغتصاب النساء والفتيات في سن العاشرة حول المناطق الحدودية”.
ونشرت صحيفة الغارديان البريطانية في سبتمبر/أيلول شهادات أخرى من الناجين، حيث وجهت الصحيفة الاتهامات إلى الاتحاد الأوروبي بتوفير الأموال التي تذهب إلى “ضباط متورطين في انتهاكات مروعة، وترك الناس يموتون في الصحراء والتواطؤ مع المهربين”.
وتنفي المفوضية الأوروبية أي تمويل مباشر لتقليص أعداد المهاجرين إلى أوروبا، لكنها تنخرط في العديد من البرامج لتدريب أو تجهيز قوات الأمن التونسية مثل الحرس الوطني.
وتتولى المنظمات غير الحكومية إنشاء هذه المشاريع التي تنفذ أيضاً في إطار الاتفاقيات الثنائية مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
ومؤخراً اعترفت آنا بيسونيرو، المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية بوجود مثل هذه المشاريع ودعت إلى إجراء تحقيق في الانتهاكات.
وقالت: “تونس دولة ذات سيادة، وعندما تكون هناك أي مزاعم بارتكاب مخالفات فيما يتصل بقواتها الأمنية، فإننا بطبيعة الحال، باعتبارنا شركاء لتونس، نتوقع منها التحقيق في هذه الحالات”.
وفي أكتوبر/تشرين الأول، اعتبرت إيميلي أوريلي، أمينة المظالم الأوروبية، في استنتاجات تحقيقها بشأن احترام حقوق الإنسان في سياق الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتونس أن المفوضية الأوروبية “لم تعتمد تقييماً مستقلاً لتأثر حقوق الإنسان قبل توقيع مذكرة التفاهم مع تونس، ولم تقم بإجراء تقييمات دورية مستقلة لتأثير الإجراءات التي تم تنفيذها بموجب مذكرة التفاهم”.
ورفضت السلطات التونسية مزاعم الغارديان ووصفتها بأنها “كاذبة ولا أساس لها من الصحة”، قائلة إن قواتها الأمنية تعمل “باحترافية للحفاظ على سيادة القانون على أراضيها، مع مراعاة المبادئ والمعايير الدولية بشكل كامل”.
تجار البشر
لم تنته محنة مريم ورفاقها عند هذا الحد، ففي وسط الصحراء، اقترب من المجموعة رجلان من جنوب الصحراء الكبرى وأخبروهم أنهم مهاجرون مثلهم وعرضوا مساعدتهم، قبل أن يتضح أنهما من تجار البشر.
أخذ الرجلان مجموعة النساء والأطفال إلى صفاقس بمساعدة تونسيين عملوا كسائقين، وهناك، تم حبسهم في مبنى يديره أفارقة من جنوب الصحراء الكبرى
“لقد تعرضت للتهديد والصفع ومنع النوم والحرمان من الطعام والماء، ومع ذلك فقد كنت محظوظة لأني رأيت آخرين يتعرضون للتعذيب والصعق بالكهرباء” – مريم عن احتجازها من قبل تجار البشر
وبعد أسبوع، دفعت عائلة مريم في غينيا فدية وتم إطلاق سراحها.
وبعد شهر من الحادثة، بدت مريم تائهةً حين التقت ميدل إيست آي، لقد كانت تقيم في منزل صديقاتها وكانت تزور منظمات إنسانية في تونس بحثاً عن المساعدة، وأرادت تقديم شكوى، لكن تم ثنيها عن ذلك.
وقد نصح موظف في منظمة غير حكومية مريم بتقديم شكوى بشأن الاختطاف، وقال لها: “بما أن المجرمين أجانب، فهذه ليست مشكلة، بالإضافة إلى ذلك، فإن قوات الأمن على دراية بهذه الظاهرة وتأخذها على محمل الجد”.
لكن الموظف حذرها من مغبة تقديم شكوى ضد الحرس الوطني وقال لها “هذا يعرضك للخطر”.
وبعد أن أصبحت أكثر عزلة ويأساً، قررت مريم في بداية الصيف العودة إلى منطقة صفاقس، حيث تستقبل المخيمات غير الرسمية المرشحين للمغادرة إلى أوروبا، وقد تم إغلاق هاتفها لعدة أشهر.
وفي مايو/أيار، استهدفت حملة اعتقالات المنظمات غير الحكومية التي تساعد المهاجرين أثناء عبور الحدود.
وتم سجن اثنين من المسؤولين التنفيذيين في المجلس التونسي للاجئين، وهي المنظمة غير الحكومية التي تساعد المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تسجيل طالبي اللجوء.
وجهت إلى المعتقلين تهم بتهديد الأمن القومي للبلاد بعد إطلاقهم دعوة لتقديم مقترحات لإيواء 57 طفلاً أجنبياً غير مصحوبين بذويهم.
ومنذ ذلك الحين، توقف المجلس التونسي للاجئين عن العمل، وتوقفت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين جراء ذلك عن تقديم بطاقات اللاجئين للمتقدمين.
وفي الوقت نفسه، تم التحقيق مع الفرع التونسي للمنظمة غير الحكومية الفرنسية “أرض اللجوء” وأغلق أبوابه.
وفي الأول من أكتوبر/تشرين الأول، أدانت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان، ماري لولور، الانتهاكات التي يتعرض لها المهاجرون خلال مرورهم بتونس.
وحذرت من أن “هذا لن يؤدي إلا إلى خلق الخوف والوصم وقد يؤدي إلى تعليق الأنشطة المنقذة للحياة، مما يترك مئات الضعفاء في ظروف محفوفة بالمخاطر، وخاصة أولئك القادمين من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى الذين كانوا هدفاً للهجمات”.
* ملاحظة تم تغيير الاسماء لأسباب أمنية.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)