بقلم أحمد عزيز
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
قدم الصحفي الفلسطيني المساهم في موقع ميدل إيست آي أحمد عزيز شهادة عيان على الهجوم الذي تعرضت له خيمة الصحفيين في خان يونس فجر الإثنين، من قبل قوات الاحتلال والذي أسفر عن استشهاد مجموعة من الصحفيين، وفيما يلي النص الكامل للشهادة كما نشرها الموقع:
كنا داخل الخيام عند منتصف الليل عندما أصابت غارة للاحتلال إحداها، وكان بداخلها الصحفيان حسن اصليح وأحمد منصور حيث كان الأخير يتولى نوبة عمل ليلية كمحرر في صحيفة فلسطين اليوم.
وكان الصحفي حلمي الفقعاوي الذي يعمل في قسم وسائل التواصل الاجتماعي في ذات الصحيفة نائمًا في تلك اللحظة، حين أصابت إحدى القذائف هاتف اصليح بشكل مباشر.
خرج اصليح من الهجوم حياً، لكنه أصيب بشظايا في وجهه، وبُترت أصابع يده اليمنى، في الوقت نفسه، أصابت الشظايا الفقعاوي في صدره وبطنه ووجهه.
حاولنا إخماد الحريق الشديد في الخيمة، والذي تفاقم بسبب النايلون والإسفنج القابل للاشتعال، لكن شظية أخرى أصابت الخيمة التي أمامنا، والتي تخص قناة روسيا اليوم (RT) حيث أصابت إحدى القذائف أسطوانة غاز خلق انفجارها جوًا ضبابيًا.
وبسبب الضباب، حاولنا إيقاظ الرجال والاطمئنان عليهم، وقد أصيب زميلنا إيهاب أبو ردينة بشظية في مؤخرة رأسه، وخرجت من جانب عينه اليمنى وهو يعمل مصورًا لدى قناة روسيا اليوم.
وكان يوسف الخازندار، الذي غالبًا ما يبيت في أماكن تواجد الصحفيين، حاضرًا أيضًا، وقد أصيب صحفيون آخرون، من بينهم عبد الله العطار، الذي أصيب بشظايا في الطحال، وبدأ ينزف بغزارة، كما أصيب محمد فايق في يده اليسرى.
بذل المتواجدون قصارى جهدهم لإخراج منصور من النيران، لكن الظروف كانت مستحيلة، لقد حاولوا جاهدين إنقاذه، لكن ذلك لم يكن ممكنًا.
حالة حرجة
سادت حالة من الفوضى ومن بعض أسباب ذلك الإرهاق الناجم عن تغطية مجزرة عائلة النفّار في خان يونس، حيث استشهد تسعة أشخاص في وقت سابق من ذلك اليوم.
وقد أصاب هذا الحال الرجال بالحيرة، حيث واجهوا صعوبة في فهم ما يحدث إلى حد أنهم نسوا كيفية تقديم الإسعافات الأولية، ولم يكونوا متأكدين مما يجب فعله.
لكنهم بدأوا على أية حال بنقل الجرحى إلى مستشفى ناصر سيرًا على الأقدام، نظرًا لقربه، وما إن وصلوا إلى مستشفى ناصر، حتى اتضح من كان من بين الجرحى في حالة حرجة، حيث لا يزال أبو ردينة في العناية المركزة، وحالته خطيرة.
أما اصليح، وهو صحفي بارز في غزة، فقد بجروح بالغة حيث بُترت يده اليمنى، وأصيب بجروح جراء شظايا في جمجمته وساقه، في حين أصيب منصور بحروق حرجة وادخل إلى قسم الحروق في المستشفى قبل أن يستشهد متأثرًا بجراحه يوم الثلاثاء.
أحلامٌ مُحطَّمة
ويوم الاثنين، شيّعنا جثمانَ الفقعاوي، الذي عمل في مجال التواصل الاجتماعي لصحيفة فلسطين اليوم، ولم تمضِ سوى أيامٍ قليلةٍ على قراره الانضمام إليّ في تغطية مواكب الجنازات وإجراء المقابلات.
لقد كان الفقعاوي فخورًا بنفسه جدًّا لتصويره فيديو انتشر على نطاقٍ واسعٍ في اليوم التالي، وقد قال لي متباهياً “أنا أقلُّ خبرةً منك، لكنني سأزدادُ شهرةً”، وأخبرني أنه يريد “العمل والعمل والعمل” و يحلم بالعمل في وكالة أنباءٍ دولية.
وبخصوص منصور الذي التقيتُ به في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بعد ثلاثة أيامٍ من بدء الحرب، فإن لديه ابنةٌ وابنٌ اعتاد أن يزورهما يوميًا في حيّ الأمل، كما كان يستضيف العديدَ من أقاربه النازحين في منزله.
وخلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحرب، عملنا معًا لساعات طويلة، وكنا نقضي أحيانًا 13 ساعة يوميًا في نفس المكان، ونتحمل الجوع معًا، لقد كان لطيفًا ودودًا، ومستعدًا دائمًا للمساعدة، كان رجلًا وسيمًا، يهتم بنفسه دائمًا، وكان دائمًا يُهذب لحيته ويرتدي ملابس أنيقة.
لو نجا، لما استطاع التعايش مع حروقه، كان من المحزن رؤيته في المستشفى، وكان من الصعب النظر إلى الدراجة التي كان يركبها، والخيمة التي أقام فيها.
لأجل ذكراهم
أنا مُنهَك، مرّ أكثر من عام ونصف ولم أتخيل يومًا أن مسيرتي الصحفية ستكون هكذا، لقد فقدت الكثير من الأصدقاء والزملاء، أشخاصًا عرفتهم لأكثر من عشر سنوات.
“أنا أتجنب الآن البقاء في خيام الإعلام، وأتجنب الحديث مع الصحفيين من حولي، لأنني لا أطيق فكرة فقدان صديق آخر، لا يستطيع الناس تخيّل ما نمرّ به، من قصف يومي وخسارة، لستُ من حديد، أنا محطم داخليًا” – أحمد عزيز، صحفي من غزة
أنا أعمل كل يوم فقط لأتجنب البقاء في المنزل، لأن ذلك سيُدمّرني وأفضّل أن أستشهد في الميدان مع أنني جريح، لا أستطيع التوقف عن العمل لأجل زملائي ولذكراهم.
للاطلاع على المقال الأصلي من (هنا)