وجهت جنوب أفريقيا اتهامات صريحة لإسرائيل بارتكاب “نية الإبادة الجماعية” خلال حربها على قطاع غزة، ودعت قضاة محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة إلى إصدار أمر مؤقت يطالب إسرائيل بوقف عدوانها على القطاع المحاصر.
وأوضحت المحامية الجنوب أفريقية أديلا هسيم للقضاة في لاهاي أن “الإبادة الجماعية لا يتم الإعلان عنها مسبقًا أبدًا، لكن المحكمة تستند إلى الأدلة التي تم الحصول عليها خلال الأسابيع الـ 13 الماضية والتي تظهر بشكل لا يقبل الجدل نمطًا من السلوك والنوايا التي تبرر ادعاءً معقولاً بارتكاب أعمال إبادة جماعية”.
وقالت هسيم في جلسة الاستماع الأولى التي اختتمت اليوم الخميس: ” قامت إسرائيل بإلقاء 6000 قنبلة أسبوعياً على غزة ولم يسلم أحد من هذه القنابل ولا حتى الأطفال حديثي الولادة، حيث وصف قادة الأمم المتحدة غزة بأنها باتت مقبرة للأطفال”.
وتابعت: ” لا شيء سيوقف المعاناة إلا أمر من هذه المحكمة”.
وكانت جنوب أفريقيا قد رفعت القضية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية الشهر الماضي وقالت أن تصرفات إسرائيل في غزة هي “ذات طابع إبادة جماعية لأنها تهدف إلى تدمير جزء كبير من المجموعة القومية والعرقية والإثنية الفلسطينية”.
وامتدت جلسة الاستماع يوم الخميس إلى ثلاث ساعات شهدت تقديم الأوصاف التفصيلية حول ما تقول جنوب أفريقيا أنه مثال واضح على الإبادة الجماعية، فيما ستتاح لإسرائيل ثلاث ساعات للرد على هذه الادعاءات يوم الجمعة.
بدورها، أوضحت تمبيكا نجكوكايتوبي، وهي محامية أخرى من جنوب إفريقيا حضرت الجلسة، إن بريتوريا لم تقم وحدها بلفت الانتباه إلى خطاب الإبادة الجماعية الإسرائيلي.
وأضافت نجكوكايتوبي أن ما لا يقل عن 15 مقررًا خاصًا للأمم المتحدة و21 عضوًا في مجموعات العمل التابعة لها حذروا من أن ما يحدث في غزة يمثل إبادة جماعية في طور التكوين.
وأشارت إلى أن نية الإبادة الجماعية ظهرت في الطريقة التي نفذ بها الجيش الإسرائيلي هجماته، بما في ذلك استهداف منازل العائلات والبنية التحتية المدنية.
ولفتت النظر إلى أن “القادة السياسيين العسكريين وأصحاب المناصب الرسمية الرفيعة في إسرائيل أعلنوا بشكل منهجي و بعبارات صريحة عن نيتهم ارتكاب الإبادة الجماعية”.
وبينت نكوكايتوبي أن ” خطاب الإبادة الجماعية” أصبح شائعا داخل الكنيست الإسرائيلي، حيث دعا العديد من النواب إلى “محو غزة وتسويتها ومحوها وسحقها”.
وهذه هي المرة الأولى التي تتم فيها محاكمة إسرائيل بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بالإبادة الجماعية، والتي تم وضعها بعد الحرب العالمية الثانية في ضوء الفظائع التي ارتكبت ضد اليهود وغيرهم من الأقليات المضطهدة خلال المحرقة.
وخلال إجراءات يوم الخميس، قال البروفيسور ماكس دو بليسيس، وهو محام آخر يمثل جنوب أفريقيا، إن إسرائيل أخضعت الشعب الفلسطيني لانتهاك قمعي وطويل الأمد لحقه في تقرير المصير لأكثر من نصف قرن.
وأضاف دو بليسيس أنه بناءً على المواد المعروضة أمام المحكمة، يمكن وصف أعمال إسرائيل بأنها إبادة جماعية.
ولفت النظر إلى أن ” التزام جنوب أفريقيا ينبع من ضرورة حماية الفلسطينيين في غزة وحقوقهم المطلقة في عدم التعرض لأعمال إبادة جماعية”.
ومن المتوقع أن يستغرق إصدار القرار حول قضايا الإبادة الجماعية، التي يصعب إثباتها، سنوات، لكن جنوب أفريقيا تطلب من المحكمة أن تنفذ على وجه السرعة “تدابير مؤقتة” و”تأمر إسرائيل بوقف القتل والامتناع عن ارتكاب ما من شأنه إلحاق أذى عقلي وجسدي خطير بالشعب الفلسطيني في غزة”.
وعادة ما تعترف الدول الأعضاء بقرارات محكمة العدل الدولية رغم أنها لا تملك إلا القليل من الأدوات لإنفاذ هذه القرارات وبالتالي فإن أي نتيجة من المرجح أن تكون رمزية.
ففي عام 2004، أصدرت المحكمة رأياً غير ملزم بأن بناء إسرائيل لجدارها العازل الخرساني في الضفة الغربية المحتلة غير قانوني وأنه يجب تفكيكه، وبعد مرور أكثر من 20 عاماً، لا تزال الجدران والأسوار قائمة.
من جهته، انتقد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية التصريحات التي وردت في جلسة الاستماع، ووصفها بأنها “واحدة من أعظم مظاهر النفاق”، وأنها أظهرت “ادعاءات كاذبة ولا أساس لها من الصحة”.
وأضاف ليئور حيات أن جنوب أفريقيا “تعمل كذراع قانوني لمنظمة حماس الإرهابية”، وتسعى إلى “السماح لحماس بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والجرائم الجنسية التي ارتكبتها مراراً وتكراراً في 7 تشرين الأول / أكتوبر”.
من ناحيته جدد وزير العدل في دولة جنوب إفريقيا رونالد لامولا أنه ” يدين حماس بشكل لا لبس فيه” بسبب هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول.
وفي حديثه للصحفيين خارج المحكمة، قال لامولا إنه يأمل أن يكون لهذه القضية تأثير على واقع الناس في غزة.
وقال لامولا: ” هذه القضية تقدم للمحكمة فرصة للتحرك بشكل فوري لمنع استمرار الإبادة الجماعية في غزة من خلال إصدار أمر قضائي عاجل”.
وعقب الجلسة رحب باسم نعيم عضو المكتب السياسي لحركة حماس بالجلسة وقال إنه يتطلع “إلى أن تصدر المحكمة قراراً ينصف الضحايا من خلال الدعوة إلى وقف العدوان ومحاسبة مجرمي الحرب”.
وتأتي جلسات الاستماع، وهي الخطوة الأولى في عملية طويلة، في حالة المضي قدمًا في القضية، وسط استمرار الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة الفقير.
ومنذ إعلان الحرب على غزة، استهدفت إسرائيل المدارس والمستشفيات والمناطق السكنية، مما أسفر عن استشهاد ما لا يقل عن 23 ألف فلسطيني، أكثر من ثلثيهم من النساء والأطفال.
ومنذ أن قدمت جنوب أفريقيا طلبها إلى محكمة العدل الدولية، أعربت عدة دول ومجموعات دولية عن دعمها للقضية من بينها منظمة الدول الإسلامية، التي تمثل 57 دولة ذات أغلبية مسلمة.