بقلم بيتر أوبورن
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
أثناء الشهر الماضي، داهمت شرطة العاصمة لندن منزل آسا وينستانلي، وهو صحفي يعمل في موقع الانتفاضة الإلكترونية معروف بتأييده للفلسطينيين، وصادرت أجهزته بموجب أحكام قانون الإرهاب البريطاني لعام 2006.
وقد جاءت المداهمة في أعقاب اعتقال ريتشارد ميدهورست في مطار هيثرو واعتقال سارة ويلكنسون في أغسطس/آب بعدما قام الصحفيان بتغطية حرب غزة.
تمثل هذه الإجراءات جزءاً من نمط المضايقات التي يتعرض لها الناشطون المؤيدون لفلسطين في بريطانيا، حيث أخبرت الشرطة وينستانلي أن مداهمة منزله تمت ضمن ما يسمى “عملية المواصلة”.
ولم تنشر أي وسيلة إعلامية وطنية واحدة في المملكة المتحدة، باستثناء مورنينغ ستار وناشونال في اسكتلندا، تقارير عن مراقبة الصحفيين البريطانيين المؤيدين للفلسطينيين، أو عن التهديد الذي يشكله ذلك على حرية الإعلام.
دعونا الآن نقارن بين التغطية الإعلامية للصحفيين المؤيدين للفلسطينيين وتغطية أليسون بيرسون، كاتبة العمود في صحيفة ديلي تلغراف، التي زارتها الشرطة في صباح العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني.
فبحسب روايتها الأصلية، التي تغيرت بعد ذلك، فقد أبلغتها الشرطة بأنها متهمة بـ “حادث كراهية غير إجرامي” بسبب منشور على موقع X قبل عام، كما قالت أن الشرطة لم تخبرها بالمنشور الذي يجري التحقيق فيه، وعلى عكس الصحفيين المؤيدين للفلسطينيين، لم يتم الاستيلاء على معداتها التقنية.
أثارت حادثة بيرسون ضجة وطنية، وطُرحت أسئلة في مجلس العموم، وصرحت كيمي بادينوخ، زعيمة حزب المحافظين، أن الشرطة كانت “مخطئة تمامًا” بزيارة منزل بيرسون، وأعلن إيلون ماسك، أغنى رجل في العالم أن “هذا يجب أن يتوقف”.
كما أعرب رئيسا وزراء سابقان عن غضبهما، حيث استخدم بوريس جونسون عموده في صحيفة ديلي ميل لتوجيه زعيم البلاد الحالي، كير ستارمر، “لمراقبة الشوارع، وليس التغريدات”، هذا تباين واضح.
لقد أبرزت صحيفة التلغراف القصة لعدة أيام متتالية، وسلطت صحف الإندبندنت والتايمز والميل والإكسبرس وصن الضوء عليها، وكذلك فعلت صحيفة الجارديان، التي لم تذكر، مثل جميع المواقع الأخرى، استهداف الشرطة الأخير للصحفيين المؤيدين للفلسطينيين.
لقد حظيت هذه القضية بتغطية واسعة على سكاي نيوز وجي بي نيوز وهيئة الإذاعة البريطانية التي خصصت بثاً متعاطفاً طويلاً لقضية بيرسون في برنامج الساعة الرابعة بعد الظهر على قناة بي بي سي.
يشكل هذا التفاوت بين هوس وسائل الإعلام البريطانية ببيرسون والتحفظات المحيطة بقضية وينستانلي وغيره من المراسلين المؤيدين للفلسطينيين أحد أنماط التغطية الإعلامية البريطانية للحروب في غزة ولبنان.
وكما أكد تقرير صادر عن مركز مراقبة وسائل الإعلام، فإن الصحفيين البريطانيين ينظرون إلى الفلسطينيين بشكل مختلف، إذ يتم إضفاء الصفة الإنسانية على الضحايا الإسرائيليين وإعطائهم أسماء، فيما يميلون إلى معاملة الفلسطينيين باعتبارهم “وجوهاً مجردة من الإنسانية”، كما كتب فرانز فانون أثناء حرب الاستقلال الجزائرية.
لقد رأيت قدراً ضئيلاً من التضامن من جانب الصحافيين البريطانيين المعروفين مع زملائهم الفلسطينيين، ناهيك عن الاعتراف بشجاعتهم المذهلة، حيث يموت الفلسطينيون في ظروف غامضة لأسباب غير محددة، في حين يتم تقديم تدمير المساجد والمدارس والمستشفيات على أنه كوارث طبيعية ناجمة عن نشاط مجهول.
وينطبق نفس الشيء على الصحفيين الفلسطينيين في غزة، شجاعتهم لا تصدق، فقد استمروا في تقديم التقارير في ظروف مروعة لا توصف، على الرغم من الإصابات والقتل المنتظم وعلى حد تعبير لجنة حماية الصحفيين “الاعتقال التعسفي على أيدي القوات الإسرائيلية، التي لم يُحاسب أي منها”.
ولكي نكون منصفين، قدمت هيئة الإذاعة البريطانية وفاينانشال تايمز والغارديان والإندبندنت بعض التقارير حول هذا الموضوع، أما بالنسبة لصحيفة ديلي تلغراف، فإن أحدث تغطية ركزت على الصحفيين الفلسطينيين والتي تمكنت من العثور عليها كانت تقريرًا يعود إلى يونيو/حزيران 2024، بعنوان: “اتهام هيئة الإذاعة البريطانية بعدم الكشف عن أن الصحفيين الفلسطينيين القتلى كانوا من أنصار حماس”.
واستنادًا إلى عمل مجموعة المناصرة الإعلامية المؤيدة لإسرائيل (كاميرا)، فإن التقرير يشير إلى أن العشرات من الصحفيين الذين قُتلوا كانوا من أنصار حماس أو مرتبطين بالإرهاب.
وتستمر الدراما
وفي الوقت نفسه، بدأت قصة بيرسون تتكشف، ورفضت ادعاء شرطة إسيكس بأنها متهمة بارتكاب “حادث كراهية غير إجرامي”، وقالت أنها تخضع للتحقيق بتهمة “التحريض على الكراهية العنصرية”، وهي جريمة بموجب قانون النظام العام.
وقد اشتكت الشرطة إلى هيئة تنظيم وسائل الإعلام في المملكة المتحدة من عدم دقة الحقائق، قائلة أن لقطات كاميرا الجسم تُظهر ضابطًا يخبر بيرسون: “لقد تم تسجيلها كحادث أو جريمة تحريض محتمل على الكراهية العنصرية عبر الإنترنت”.
ويبدو أن التحقيق مع بيرسون يتعلق بمنشور موجه إلى شرطة العاصمة في 16 نوفمبر/تشرين الثاني، 2023، كتبت فيه: “كيف يجرؤون. تمت دعوتي لالتقاط صورة مع أصدقاء إسرائيل من البريطانيين المسالمين يوم السبت، لكن الشرطة رفضت، انظر إلى هؤلاء المبتسمين مع كارهي اليهود”.
أرفقت بيرسون بتغريدتها صورة لما كانت تظن أنها تُظهر ضباط شرطة يقفون إلى جانب مسيرات دعم غزة، وفي الواقع، يبدو أن منشورها على X كان ردًا على صورة لشرطة مانشستر مع مجموعة من الأشخاص يحملون علم حزب تحريك إنصاف السياسي الباكستاني.
حذفت بيرسون المنشور بعد الإشارة إلى أنها ارتكبت خطأً، لكن الحادث أدى إلى تقديم شكوى إلى الشرطة، حيث قالت المشتكية لصحيفة الغارديان أن منشور بيرسون كان “عنصريًا ومثيرًا للجدل” و “لا علاقة له بفلسطين أو احتجاجات لندن”.
وتستمر الدراما التي أثارتها بيرسون، فقد منحت صحيفة التلغراف بيرسون ثلاث صفحات يوم الأربعاء لتكتب فيها: “إن عين العاصفة مكان مخيف حقًا، حيث تتجمع الأفكار المظلمة، أعلم أنني لم أفعل أي شيء خاطئ، وأتمسك بهذه المعرفة مثل شخص غارق في سفينة يتمسك بقارب، حيث تصبح أصابعك أكثر برودة وتفقد قبضتها تدريجيًا، لماذا لا تتوقف عن النضال وتترك نفسك تغرق؟ أنا أفهم لماذا ينتحر الأشخاص تحت هذا النوع من الضغط، دعها تختفي، من فضلك دعها تختفي”.
وفي أعقاب هذه الضجة الإعلامية الكبيرة، قررت شرطة إسيكس يوم الخميس عدم اتخاذ أي إجراء آخر ضد بيرسون، وقالت في بيان لها أنه ستكون هناك مراجعة مستقلة لتعامل القوة مع الأمر”.
آمل أن تجد بيرسون ومحرر صحيفة التلغراف الذي اختار نشر هذا الهراء في وقت ما فرصة للتفكير في حقيقة مفادها أن القوات الإسرائيلية قتلت حتى الآن 129 من زملائها الفلسطينيين أثناء محاولتهم كشف الحقيقة بشأن الفظائع الإسرائيلية للعالم الخارجي، وفقاً للجنة حماية الصحفيين.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)