بقلم أماندا غليندر
ترجمة وتحرير مريم الحمد
لقد قامت إسرائيل بسرقة الرموز اليهودية التي نعتز بها والاستيلاء عليها، بل وقامت بتسييسها لصالح الإبادة الجماعية التي يعاني منها الفلسطينيون، لا لشيء إلا لحصد الغنائم من أجل الإمبراطورية الغربية بحجة حماية الشعب اليهودي!
ما من شك في أن الديانة اليهودية سوف تكون الضحية التالية للصهيونية بعد الفلسطينيين، فإسرائيل والصهاينة تستخدمان الرموز اليهودية كسلاح للترهيب والإذلال والمطالبة بما يعتبرونه ملكهم في جميع أنحاء العالم، فقد شاهدنا كيف قام جنود إسرائيليون بوسم وجه أسير فلسطيني بنجمة داود، كما أنه من المعروف أن القوات الإسرائيلية تجبر من تعتقلهم من الفلسطينيين على التلويح أو ارتداء العلم الإسرائيلي، ثم يقومون بتصوير ذلك الإذلال بمقطع فيديو لنشره عبر الإنترنت.
وفي مشاهد أخرى، قام إسرائيليون بالسخرية من الفلسطينيين بالهتاف بمناسبة “عيد الحانوكا السعيد”، في الوقت الذي يشنون فيه غارات جوية ويقومون بالإبادة الجماعية، فكيف يكون كل هذا باسم اليهودية؟!
كيف يؤدي ارتباط الشعب اليهودي بالقتل الجماعي إلى “حماية الشعب اليهودي” على مستوى العالم؟!
“رمز للعنف”
في الوقت الذي كان فيه اليهود في أنحاء العالم يستعدون لبداية عيد الحانوكا، كانت إسرائيل قد قتلت مفكراً فلسطينياً محبوباً وهو أستاذ جامعي وشاعر، هو الدكتور رفعت العرعير، حيث تم اغتياله مع 6 من أفراد عائلته في منزل شقيقته في مدينة غزة.
طالما أن إسرائيل تذبح الفلسطينيين باستخدام العقيدة اليهودية كسلاح حرب، فسوف يخلط الناس خطأً بين المجتمع اليهودي العالمي وإسرائيل، فمن خلال تسييس الديانة اليهودية، قام الصهاينة بسلب اليهود من كونها ممارسة ديانة إلى كونها أداة للهمجية القومية
وفي الوقت الذي كنت أنا وعدد من من اليهود نقوم بالترتيبات اللازمة لمهرجان الأضواء السنوي، كانت إسرائيل قد اغتالت رفعت بوحشية كجزء من حملة مستمرة للقضاء على رواة القصص والصحفيين في غزة، ثم يزعمون أنهم يفعلون ذلك بأسمائنا!
والأدهى من ذلك، أنه وبالقرب من الموقع الذي اغتالت فيه إسرائيل رفعت، احتفل الجنود الصهاينة بالليلة الأولى من عيد الحانوكا بنصب شمعدان ضخم بين أنقاض المنازل المدمرة، فبدلاً من الشمعدان الذي يمثل أمل الشعب اليهودي، كان شمعداناً لنصر استعماري ورمزاً للعنف بواسطة آلة الموت الإسرائيلية.
تقول قصة عيد الحانوكا، أن كمية صغيرة من الزيت استطاعت توفير الوقود للمكابيين لمدة 8 ليالٍ من أجل إبقاء معبدهم مضاءً، فكان من هنا احتفالاً بإيمانهم ومثابرتهم كمقاتلين من أجل الحرية، وذلك أمر أشبه ما يكون بحالة رفعت والآخرين الذين استهدفتهم إسرائيل، فهم رموز نور خالدة في وجه إرهاب الدولة وتذكير واضح بأن الروح الفلسطينية لا يمكن أن تنطفئ أبدًا.
كانت الصهيونية ذات يوم حركة سياسية قومية هامشية داخل اليهودية، ولم تحصل على الدعم اللازم لاستعمار فلسطين إلا عندما اصطفت مصالحها مع الإمبريالية الغربية، ومثلما أن القومية الصهيونية موجودة، فإن اليهود المناهضين للصهيونية موجودون أيضًا، ويرفضون فكرة أن شعبنا يجب أن يقتل الفلسطينيين ويهجرهم لبناء مستعمرة استيطانية مدعومة من قبل الغرب.
تعد هذه الإبادة الجماعية كابوساً لا يتوقف خاصة مع تردد أصداء مخيفة للمحرقة، فالتسليح الصهيوني لنجمة داود يذكرنا بسخرية النازيين الذين استخدموا رمز الصليب المعقوف لإذلال اليهود قبل سحقهم في الشوارع.
فصل الصهيونية عن اليهودية يعمق علاقتي بأجدادي اليهود الذين، مثل الفلسطينيين، قاتلوا بكل أنفاسهم لمقاومة الإبادة، وأنا متأكدة أن اليهودية سوف تعيش بعد اندثار القومية الصهيونية العنيفة، بل يمكن القول أن تحرر فلسطين هو تحرر لنا جميعًا
يذهلني كيف تستمر إسرائيل باستغلال رموزنا، وفي أحد الأمثلة على ذلك، أن قامت قوات الاحتلال الإسرائيلية مؤخرا بمداهمة أحد المساجد، واحتجاز الفلسطينيين والإساءة إليهم، في الوقت الذي اختطف فيه جندي مكبر الصوت في المسجد لترديد الصلوات العبرية، في إهانة واضحة للفلسطينيين في مكانهم المقدس، وإهانة لكل يهودي صاحب ضمير.
“تسييس الديانة اليهودية”
يقوم الصهاينة بجر اليهودية إلى الوحل عن طريق الكتابة على الجدران وحرق نجمة داود، من أجل تأكيد هيمنتهم على الفلسطينيين، غير أن الموت الرمزي لروح اليهودية مستمر بالتضاؤل بطبيعة الحال مقارنة بالدمار المستمر الذي تحدثه الإبادة الجماعية للفلسطينيين، فقد قتلت إسرائيل أكثر من 20 ألف فلسطيني وما زال العدد في ازدياد، كما أدى ذلك القتل إلى نزوح ما يقرب من 2 مليون آخرين وتدمير المنازل والنظام البيئي والبنية التحتية، كل ذلك عن عمد بهدف جعل غزة غير صالحة للسكن.
طالما أن إسرائيل تذبح الفلسطينيين باستخدام العقيدة اليهودية كسلاح حرب، فسوف يخلط الناس خطأً بين المجتمع اليهودي العالمي وإسرائيل، فمن خلال تسييس الديانة اليهودية، قام الصهاينة بسلب اليهود من كونها ممارسة ديانة إلى كونها أداة للهمجية القومية.
ليس لدى الدول الغربية أدنى مشكلة في أن يكون الشعب اليهودي هو الغطاء الأخلاقي بل ودروعاً بشرية لإمبرياليتها، ولنتذكر أنها نفس الدول التي رفضت دخول اللاجئين اليهود الناجين من المحرقة، فيما لا تتردد الآن في ضخ المليارات في مشروع التوسع العسكري الإسرائيلي.
لم تعد الصهيونية أيديولوجية هامشية داخل اليهودية، فقد بتنا كيهود نتصارع مع الإبادة الجماعية والاحتلال الذي تدعمه غالبية مجتمعنا، وهذا لم يكن إلا نتيجة للتلقين الصهيوني المستمر بوجوب تجريد الفلسطيني ومحو إنسانيته.
تجدر الإشارة إلى أن جزءاً من الدخول في معاداة اليهود للصهيونية هو استيعاب حقيقة أن ديننا قد تم اختطافه من قبل الفاشيين الذين يرتكبون الإبادة الجماعية نيابة عن القوى الاستعمارية، وإذا كان الشعب اليهودي ربطه بطغيان إسرائيل، فعليهم أن يكونوا مناهضين للصهيونية بشكل علني وأن يعملوا على تفكيكها.
ليس ذلك فحسب، بل أنا باعتباري يهودية مناهضة للصهيونية، فإنني أؤيد بشدة دمج التحرر الفلسطيني في ممارستي الدينية، ففصل الصهيونية عن طقوسي اليهودية ليس صعباً، بل يملأ يهوديتي بالطاقة الإلهية لإصلاح العالم.
الحقيقة أن فصل الصهيونية عن اليهودية يعمق علاقتي بأجدادي اليهود الذين، مثل الفلسطينيين، قاتلوا بكل أنفاسهم لمقاومة الإبادة، وأنا متأكدة أن اليهودية سوف تعيش بعد اندثار القومية الصهيونية العنيفة، بل يمكن القول أن تحرر فلسطين هو تحرر لنا جميعًا.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)