كشف استطلاع للرأي أجرته جامعة ولاية بنسلفانيا الأمريكية أن غالبية ساحقة من الجمهور اليهودي في دولة الاحتلال تؤيد الترحيل القسري للفلسطينيين من قطاع غزة، فيما أيد قرابة نصفهم استخدام العنف المفرط وصولاً إلى الإبادة الجماعية.
وأظهرت نتائج الاستطلاع، الذي أُجري في شهر مارس/آذار ونشرت نتائجه صحيفة هآرتس، أن 82% من اليهود لدى دولة الاحتلال يدعمون خطة ترحيل جماعي للفلسطينيين من قطاع غزة، وهو ما يُعد تصعيداً خطيراً في المزاج العام داخل مجتمع الاحتلال تجاه القضية الفلسطينية.
كما بيّن الاستطلاع أن 47% من المشاركين اليهود أجابوا بـ”نعم” على سؤال صريح حول تأييد تصرف جيش الاحتلال “كما فعل بنو إسرائيل في احتلال أريحا بقيادة يشوع”، في إشارة إلى الرواية الدينية التوراتية التي تصف إبادة جميع سكان المدينة.
خطة “عربات جدعون” وتطهير غزة
وكانت دولة الاحتلال قد أطلقت في وقت سابق من الشهر الجاري عملية عسكرية أسمتها “عربات جدعون” في قطاع غزة المحاصر، بهدف المضي قدماً في تنفيذ ما وصفته تقارير عبرية بأنه “خطة التطهير”، وهي امتداد للرؤية التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخصوص “تفريغ” القطاع من سكانه.
وتشير تقارير إعلامية عبرية إلى أن جيش الاحتلال يخطط لدفع أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين نحو مدينة رفح جنوب القطاع، حيث تُخصص لهم نقاط توزيع مساعدات غذائية وإنسانية، ضمن محاولات تشجيع ما يسمونه “الهجرة الطوعية”، وهي في حقيقتها استراتيجية تهجير قسري ممنهجة.
وتحظى هذه الخطط بدعم شعبي واسع في أوساط جمهور الاحتلال على الرغم من التحذيرات التي أطلقها رئيس أركان جيش الاحتلال، إيال زامير، من أنها قد تعرض حياة الأسرى الإسرائيليين في غزة للخطر.
ووفق استطلاع منفصل أجرته القناة 13 العبرية، فإن 44% من المشاركين أيدوا العملية العسكرية الجارية في غزة، بينما عارضها 40%، وأظهر الاستطلاع ذاته أن 53% من المشاركين يؤيدون استمرار الحصار الكامل على القطاع ويرفضون إدخال أي مساعدات إنسانية.
نتنياهو: تنفيذ خطة ترامب من أهداف الحرب
وفي تصريحات رسمية، أكد رئيس وزراء دولة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، أن من أهداف الحرب الحالية في غزة هي تنفيذ خطة ترامب المقترحة لطرد الفلسطينيين، وقال في مؤتمر صحفي إن إنهاء الحرب لن يتم إلا بشروط، منها: “عودة الرهائن، ونزع سلاح حركة حماس، وإنهاء سلطتها على غزة، وترحيل قياداتها خارج القطاع”.
وأضاف نتنياهو: “سننفذ خطة ترامب، إنها خطة صحيحة وثورية للغاية”، في تأكيد جديد على توجهات حكومة الاحتلال نحو الحسم العسكري والسياسي القائم على التهجير الجماعي والتغيير الديموغرافي القسري.
العلمانيون يؤيدون التهجير أيضاً
وعلى عكس الانطباع السائد بأن التيارات المتطرفة فقط تدعم هذه السياسات، فقد أظهر استطلاع جامعة بنسلفانيا أن 70% من اليهود العلمانيين الذين يُعد بعضهم من التيار الليبرالي يؤيدون الترحيل القسري للفلسطينيين من غزة، في حين تجاوزت نسبة التأييد بين المتدينين والتيارات الأرثوذكسية 90%.
ولا تقتصر هذه المواقف على قطاع غزة فقط، إذ أظهر الاستطلاع أن 56% من اليهود في دولة الاحتلال يؤيدون طرد المواطنين الفلسطينيين من الداخل أيضاً، أي من الأراضي المحتلة 1948.
وقد بلغت نسبة التأييد لذلك بين العلمانيين نحو 38%، ما يعكس اختراقاً خطيراً في الوعي العام الإسرائيلي لمفاهيم الإقصاء الجماعي والتطهير العرقي.
الإعلام والتعليم.. أدوات للتحريض
وفي تحليل مشترك للنتائج، كتب الأكاديميان شاي هازكاني (جامعة ماريلاند) وتامير سوريك (جامعة بنسلفانيا) أن ما يصفه البعض بـ”ردة فعل صادمة بعد هجوم 7 أكتوبر” لا يمكن عزله عن عقود من التحريض المنهجي في الإعلام، والنظام القضائي، والمؤسسات التعليمية في دولة الاحتلال.
وأوضح الكاتبان أن الخطاب العام وخصوصاً الإعلامي، تغلغل فيه خطاب يدعو لطرد الفلسطينيين وقتلهم، مشيرين إلى أن منظمات حقوقية إسرائيلية تقدمت مؤخراً بطلب إلى المحكمة العليا لفتح تحقيق مع القناة 14 الموالية لنتنياهو بتهم “التحريض على الإبادة الجماعية وارتكاب جرائم حرب”.
وأشار الأكاديميان إلى أن النظام التعليمي في دولة الاحتلال شهد عملية تطرف تدريجية منذ أوائل العقد الأول من القرن الحالي، وهو ما انعكس على آراء الشباب، وبحسب الاستطلاع، فإن 9% فقط من الرجال اليهود تحت سن الأربعين وهم الأغلبية في صفوف الجيش يعارضون كلياً أفكار الطرد والترحيل.
لغة دينية لتبرير الحرب
اللافت أن تطبيع خطاب العنف ضد الفلسطينيين داخل مجتمع الاحتلال لم يعد حكراً على التيارات الدينية المتشددة، بل صار يستخدم حتى في مؤسسات رسمية.
ففي مارس/آذار الماضي، رفضت المحكمة العليا في دولة الاحتلال بالإجماع التماساً من منظمات حقوقية يطالب بإدخال مساعدات إنسانية لغزة، واستخدم أحد القضاة لغة دينية في تبرير الحكم.
ويلاحظ أن لغة الحرب الدينية باتت سائدة منذ بداية العدوان على غزة، حيث شاعت مصطلحات توراتية من قبيل “عماليق” في إشارة إلى عدو تاريخي تقضي الرواية اليهودية بمحوه تماماً، بل إن نتنياهو نفسه خاطب الجنود بعد أسبوع من هجوم 7 أكتوبر قائلاً: “تذكروا ما فعله بكم العماليق”.
وبحسب الاستطلاع، فإن 65% من اليهود لدى دولة الاحتلال يعتقدون أن هناك “عماليق” معاصرين، ويؤمن 93% من هؤلاء بأن “الميتزفاه” (الوصية الدينية بمحو ذكر عماليق) ما زالت واجبة التطبيق اليوم.
الصهيونية كحركة استيطانية
وفي ختام تحليلهما، كتب هازكاني وسوريك: “الصهيونية، إلى جانب كونها حركة قومية، هي أيضاً حركة استيطانية مهاجرة، تهدف إلى طرد السكان الأصليين”.
وأضافا: “عندما يكون الهدف هو تحقيق أمن مطلق ودائم، فإن ذلك يخلق خطة عملية لإبادة السكان المعارضين، وكل مشروع استيطاني ينطوي على إمكانية التطهير العرقي والجرائم الجماعية”.