استقبال فاتر لعباس في جنين وسط اتهامات للسلطة بمحاربة المقاومة

قضى الرئيس الفلسطيني محمود عباس ساعة واحدة فقط في تفقد جنين، التي زارها لأول مرة منذ 11 عاما، بعد الهجوم الإسرائيلي الذي أوقع أضراراً فادحةً وواسعة النطاق في المدينة الواقعة شمال الضفة الغربية المحتلة.

واقتصرت زيارة عباس البالغ من العمر 87 عامًا على متن مروحية أردنية على التوجه إلى منطقة على أطراف المخيم ومقر الأمن الوطني في جنين، رغم أن السلطة الفلسطينية كانت قد أعلنت أن الزيارة تهدف للوقوف على الظروف المعيشية لسكانها والإشراف على جهود إعادة الإعمار.

ومع ذلك، لم يتجاوز عباس قط مدخل المخيم وأقواسه المزينة بصور المقاتلين الذين قضوا خلال نشاطهم في المقاومة الفلسطينية خلال السنوات الأخيرة.

وعلى هذه الخلفية، ألقى خطابًا لم يكن مسموعاً لغالبية الذين تجمعوا هناك من أجل الاستماع له والذين قُدّر عددهم بالمئات.

وما وصل أسماع الحاضرين، بدلاً من كلمة عباس، كان ترديد الهتافات “كتيبة! كتيبة!” في اشارة الى كتيبة جنين المقاومة التي برزت خلال العام الماضي كشوكةٍ في حلق الاحتلال الاسرائيلي.

وينظر المعلقون للزيارة كمحاولة من قبل السلطة الفلسطينية لتلميع صورتها وتهدئة حنق سكان جنين الغاضبين من اختفاء قوات الأمن الفلسطينية حينما يقتحم الجيش الإسرائيلي منازلهم.

برز هذا الغضب في 5 تموز/ يوليو، عندما طرد سكان المخيم ممثلين عن السلطة الفلسطينية ووفداً من حركة فتح التي يتزعمها عباس، التي تهيمن على السلطة الفلسطينية، من جنازة ضحايا الهجوم الإسرائيلي.

وبعد أسبوع، وبينما كانت المدينة تستعد لزيارة عباس، لم يبدُ أن شيئاً يذكر قد تغير، حيث عبّر الفلسطينيون عن استيائهم من أداء السلطة الفلسطينية خلال الهجوم الإسرائيلي وبعده، وحتى قبله.

وعندما سُئلت فتحية يوسف، 50 عاماً، التي أجبرت على الفرار من منزلها في حي الدمج، الذي تعرض لدمار كبير خلال الهجوم الإسرائيلي، عن زيارة عباس الوشيكة أجابت ببساطة: “لا تهمني زيارته”.

وقالت فتحية إن وجود الرئيس في المخيم لم يكن له أي تأثير بالنسبة لها، حيث لا يمكن، في رأيها، أن يُتوقع من السلطة الفلسطينية، التي فشلت في حماية السكان أثناء الهجوم، أن توفر لهم أي حماية في المستقبل أيضًا.

وأشار أحد شبان المخيم إلى مجموعة من المنازل الخرسانية المتراصة بصرامة، وقال إن قوات الأمن الفلسطينية ألحقت الأذى واحتجزت العديد من الشباب الذين يعيشون في تلك المنازل، معتبراً ذلك سبباً كافياً كي ينظر أهالي الحي إلى زيارة عباس باستياء.

وقال محمد، 35 عاماً، من سكان حي الفلوجة في المخيم إن “زيارة الرئيس تفتقر إلى الأهمية بالنسبة لنا”، وأضاف أن فشل السلطة الفلسطينية يتجاوز عجزها أو افتقارها للإرادة للدفاع عن الفلسطينيين إلى مرحلة خذلانهم عبر العمل على احتواء المقاومة في المعسكر.

وقال:” توقعنا الدعم والحماية، لكننا وجدنا واقعاً مختلفاً بشدة، فنحن لا نجد أنفسنا محصنين، بل تلاحقنا قوات الأمن الفلسطينية حتى عندما نكون حماة لمخيمنا بأكمله”.

وفي حي الجبل بالمخيم، ظهر رجل مسلح قال السكان إنه كان عضوا في كتائب شهداء الأقصى الذراع العسكري لحركة فتح لكنه امتنع عن الحديث عن زيارة عباس.

في ذات الحي، مازال منزل ماهر مرعي يظهر آثار الهجوم الإسرائيلي الذي تخلله اعتقال اثنين من ابنائه.

وقال مرعي:” أثناء التوغل، ظل الرئيس غائبا ليس فقط عن حياتنا، ولكن أيضا عن شاشات تلفازنا، متخلفاً عن التنديد بالفظائع التي ارتكبت في المخيم”، ثم تساءل:” مع هكذا موقف، كيف لنا أن نضع ثقتنا في هذه الزيارة؟”.

وبينما يقف بالقرب من الجبل، أعرب أحد المقاتلين الذين كانوا من بين أهداف الهجوم الإسرائيلي يوم 3 تموز/يوليو عن استيائه من جهود السلطة الفلسطينية لتفكيك المقاومة في جنين، مستشهدا باعتقال الأجهزة الأمنية لاثنين من المقاومين أثناء توجههما إلى المخيم للمساعدة في مواجهة العدوان الإسرائيلي.

وقال المقاتل في كتيبة جنين والمنتمي إلى سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، إن السلطة الفلسطينية لا تحاول فقط احتواء عمل المقاتلين التابعين لحركته ولحركة حماس، ولكنها تفعل ذلك مع  كافة الفصائل بما في ذلك فتح.

وتساءل:” في ظل هذه الظروف، كيف لنا أن نحمل المودة والثقة لهم؟”.

وبالنسبة لأولئك الذين استطاعوا سماع خطاب عباس، فقد لمسوا فيه استهداف السلطة الفلسطينية لحركة المقاومة المتجددة في جنين.

استند عباس إلى رؤيته حول الحكم الموحد، فهو يتحدث عن سلطة واحدة ودولة واحدة وقانون عام وشعور مشترك بالأمن والاستقرار.

وأشار بشكل صارخ إلى:” قطع اليد التي تمزق وحدة شعبنا وأمنه”، معربا عن امتنانه لكل من قدم دعمه لجنين ومخيمها.

وبالمقابل، قال المحلل السياسي خليل شاهين إن زيارة الرئيس كانت ضرورية، وتمثل محاولة لنزع فتيل الغضب الناجم عن تقاعس السلطة الفلسطينية عن العمل والتأخير أثناء الهجوم.

لكنه استدرك بالقول أن السلطة الفلسطينية وعباس لم يحرزا أي تقدم حقيقي في كسب الناس يوم الأربعاء.

وأضاف شاهين:” خطاب الرئيس كان مجرد تعبير عن موقفه، أكّد فيه الرفض القاطع لأي سلاح يتجاوز أسلحة السلطة المعترف بها، وافتقر بشكل خاص إلى أي اعتراف أو امتنان لمقاتلي المقاومة الذين بذلوا جهودهم للدفاع المخيم والمدينة”.

مقالات ذات صلة