أدى عدوان الاحتلال المتواصل على الضفة الغربية منذ الشهر الماضي إلى تشريد 26 ألف فلسطيني نزحوا من منازلهم في جنين وطولكرم.
وقالت فرحة أبو الهيجا، عضو اللجنة الشعبية في مخيم جنين، إن 17 ألف فلسطيني طردوا قسراً من مخيم جنين، الذي يقطنه أكثر من 24 ألف لاجئ فلسطيني مسجل، وذلك بعد أن حاصره جيش الاحتلال واجتاحه وقصفه مع محيطه خلال الأسبوعين الماضيين.
وأوضحت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) أن أجزاء كبيرة من المخيم سويت بالأرض بالكامل في سلسلة من التفجيرات، مشيرة إلى أن ما لا يقل عن 100 منزل قد دمرت أو تضررت بشدة.
بدورها، ذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية أن قوات الاحتلال فجرت يوم الأحد ما يقرب من 20 مبنى في الجانب الشرقي من المخيم بعد تفخيخها بالمتفجرات.
وأشارت أبو الهيجا إلى أن قوات الاحتلال منعت الحركة داخل المخيم وأجبرت السكان على المغادرة تحت القصف والانفجارات، مبينةً أن السكان نزحوا إلى أماكن مختلفة في جنين وريفها، والتي تأثرت أيضا بالحملة العسكرية أيضاً.
وأضافت أبو الهيجا في حديث لميدل إيست آي أن جيش الاحتلال طرد أيضا العائلات التي تعيش في محيط المخيم، حيث فجر أيضا مبنى مكون من 20 شقة، مما أدى إلى تشريد 200 من السكان.
من ناحيتها، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية أن قوات الاحتلال قتلت 70 فلسطينياً على الأقل في الضفة الغربية منذ بداية العام.
وتستضيف بعض العائلات الفلسطينية الآن ما يصل إلى 20 نازحاً في منازلها وسط نقص في المرافق الأساسية مثل الكهرباء والمياه.
“إنهم في حالة صدمة من حجم الغارة، ما يعيشه المخيم مشابه لما حدث في غزة، ولكن هذه المرة في منطقة مساحتها كيلومتر مربع واحد فقط” – فرحة أبو الهيجا، مخيم جنين
وقالت أبو الهيجاء: “العائلات النازحة والعائلات التي تستضيفها تعاني من ضائقة مالية، قبل بدء العدوان، حاصرت الأجهزة الأمنية الفلسطينية المخيم لمدة 48 يوماً، والناس بلا عمل منذ ثلاثة أشهر ولم يتمكنوا من تأمين احتياجاتهم اليومية الأساسية، بما في ذلك الطعام”.
وكانت السلطة الفلسطينية قد شنت قبل أسابيع من عدوان الاحتلال حملة أمنية واسعة النطاق في جنين شملت محاصرة المدينة وإطلاق النار على المدنيين العزل والاشتباك مع المقاتلين المحليين.
ولفتت أبو الهيجا، التي تعمل أيضًا مع منظمة تقدم الدعم النفسي للنساء والأطفال أن حصار الاحتلال جعل من المستحيل على أي كان معرفة ما يجري داخل المخيم أو تقدير الأضرار التي لحقت به.
وقال سكان جنين الذين عانوا من مداهمات عسكرية متكررة خلال العامين الماضيين أن عنف الهجوم الحالي وشدته تجاوزا حتى الغزو القاسي للمخيم خلال الانتفاضة الثانية في عام 2002.
خوف دائم
هذا وعانى أطفال مخيم جنين على وجه خاص من عملية الاحتلال المتواصلة، إذ لم يتمكنوا من الالتحاق بمقاعد الدراسة منذ أوائل ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وصرحت المتحدثة باسم الأونروا جولييت توما أن 13 مدرسة تابعة للأونروا في المخيم والمناطق المحيطة به قد أغلقت، مما أثر على حوالي 5000 طفل.
وأفادت أبو الهيجا أن الأطفال يعانون من زيادة التوتر والقلق والخوف، حيث يكافح الكثير منهم للنوم، مشيرة إلى أن بعضهم أصيب بحالات التبول اللاإرادي ونوبات الصراخ الهستيري.
وقالت سماح حواشين، وهي من سكان المخيم، إن ابنتها البالغة من العمر سبع سنوات تأثرت بشكل خاص، بعدما نزحت وزوجها وأطفالها الثلاثة من منزلهم أثناء العملية التي نفذتها السلطة الفلسطينية في المخيم.
وحاولت الأسرة العودة إلى منزلها في حي الحواشين الذي لم يكن فيه ماء ولا كهرباء ولم يستجيب أحد لطلباتهم للمساعدة.
وقالت حواشين: “لقد أمضيت سنوات في بناء منزلي، لكن الرصاص التي اخترق جدرانه وأثاثه لا يعد، وقد وجدت بعض الرصاص في أسرّة أطفالي، لو بقينا هناك لكانوا قد قتلوا على الفور”.
ورغم نجاة العائلة من الموت المحقق، إلا أن ابنتها مازالت تعاني من خوف شديد يصعب تخفيفه، حيث تقول حواشين الأم: “تغطي ابنتي أذنيها كلما سمعت صوت الرصاص، أحاول مواساتها، لكن لا شيء يساعد”.
وأضافت: “أشعر بالحزن على أطفالي لأنهم لا يعيشون طفولتهم، عندما نزحنا، لم أصدق أنه يمكن أن أراهم يلعبون في الخارج”.
وبالعودة إلى أبو الهيجاء، فقد سلطت الضوء على تأثير نفسي مقلق آخر خلفته الحملة العسكرية على الأطفال يتمثل في النظرة قاتمة إلى مستقبلهم، فعندما سئل كثيرون عما يعتقدون أنهم سيصبحون عليه عندما يكبرون، أجابوا “شهيد أو أسير”.
وقالت: “أهالي جنين يعيشون في شقق صغيرة، ولا يستطيع أطفالهم الخروج للعب خوفاً من القناصة، والآن أمنيتنا الوحيدة هي أن يتمكنوا من اللعب تحت الشمس”.
ووفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية، فقد استشهد ما لا يقل عن 10 أطفال، بينهم طفلة تبلغ من العمر عامين، بنيران الاحتلال في الضفة الغربية هذا العام.
طولكرم: تدمير البنية التحتية
وبالتوازي مع عمليته العسكرية في جنين، يقوم جيش الاحتلال أيضاً بتوغل في مخيم طولكرم للاجئين، مما أدى حتى الآن إلى نزوح ما لا يقل عن 9000 فلسطيني من منازلهم.
وبحث السكان المهجرون عن مأوى في الصالات والنوادي والمراكز في مدينة طولكرم، أو في منازل أقاربهم.
وقال سهيل سلمان، وهو ناشط وشخصية سياسية في طولكرم، إن جيش الاحتلال يستهدف بشكل متعمد نسيج الحياة اليومية في المخيمات من خلال تدمير البنية التحتية المدنية والمباني السكنية وقطع الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء.
وأكد سلمان أن هذا التكتيك يهدف إلى تقويض حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وهي قضية مركزية كانت منذ فترة طويلة عائقًا في المفاوضات بين الاحتلال والفلسطينيين.
وأوضح سلمان لـ “ميدل إيست آي”: “الدليل على ذلك هو أن الإبادة الجماعية في غزة، والهجوم على المخيمات في الضفة الغربية والهجوم على الأونروا، كلها تحدث في وقت واحد بهدف إخلاء المخيمات وخلق بيئة غير صالحة للسكن للسكان من خلال وقف أي تطور للحياة داخلها”.
هذا ودخل قانونان إسرائيليان جديدان يحظران عمليات الأونروا في إسرائيل وفي “المناطق الخاضعة للسيادة الإسرائيلية” حيز التنفيذ الأسبوع الماضي، فضلاً عن حظر أي اتصال بالوكالة، في إجراءات لقيت الدعم من الرئيس الأمريكي دونالد ترمب.
وتقدم الوكالة التابعة للأمم المتحدة، التي تعمل بدون تمويل أميركي منذ ما يقرب من عام، مساعدات وخدمات صحية وتعليمية لملايين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية، فضلاً عن ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون في مخيمات اللاجئين في الدول المجاورة سوريا ولبنان والأردن.
“رأس الحربة في هذا الهجوم على الأونروا هم الأميركيون، وقد سمعنا تصريحات ترمب الأخيرة حول تهجير أهل غزة إلى مصر وأهل الضفة الغربية إلى الأردن، لذا فإن عملية التهجير مستمرة، ومن الواضح أن العالم يعيد صياغة نفسه بحيث تكون لإسرائيل اليد العليا في المنطقة”- سهيل سلمان، ناشط سياسي من طولكرم
ويعتقد سلمان أن حملة التدمير والقصف والتخريب في الضفة الغربية تهدف إلى إجبار سكان المخيمات على المغادرة.
وشدد الناشط على ضرورة أن ينظم الفلسطينيون شؤونهم الداخلية ويتفقوا على برنامج سياسي من شأنه أن يواجه خطط الاحتلال.
وقال “عندما فجر جيش الاحتلال عشرين مبنى في مخيم جنين تم تصوير ذلك وبثه على القنوات الفضائية، وهذا يشكل تحديا صارخا للعالم أجمع ولمنظومة حقوق الإنسان”.