بعد تردد طويل، أعلنت الحكومة البريطانية يوم الثلاثاء عزمها الاعتراف بدولة فلسطين في سبتمبر/أيلول المقبل، وإن كان ذلك مشروطًا بعدد من القيود، وذلك بعد أسبوع واحد من إعلان مماثل من فرنسا.
وتشير هذه التطورات إلى تنامي توافق دولي، حتى بين حلفاء الاحتلال التقليديين، بضرورة إحداث تغيير جوهري في ضوء حرب الاحتلال المتواصلة على غزة، ورفض تل أبيب القاطع لفكرة قيام دولة فلسطينية.
وقد قوبلت هذه الخطوة بإدانة متوقعة من دولة الاحتلال والولايات المتحدة، كما واجهت انتقادات من قبل البعض الذين يرون فيها مجرد خطوة رمزية “لن تحدث فرقًا فعليًا” ما لم تترافق مع ضغوط ملموسة.
كم عدد الدول التي تعترف بدولة فلسطين؟
حتى وقت كتابة هذا التقرير، باتت أغلبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تعترف بدولة فلسطين، بواقع 147 من أصل 193 دولة، في حين يتركز الرفض أساسًا في دول أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية.
وكانت منظمة التحرير الفلسطينية، التي تعرف باعتبارها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني قد أعلنت قيام الدولة الفلسطينية لأول مرة عام 1988، وبحلول فبراير 1989، كانت 93 دولة قد اعترفت بها.
ورغم أن الإعلان آنذاك لم يصرّح بتبني حل الدولتين بشكل واضح، إلا أن هناك إجماعًا على أنه مثّل تحولًا في موقف منظمة التحرير باتجاه هذا الحل، عوضاً عن موقفها التقليدي الداعي إلى قيام دولة واحدة على كامل أرض فلسطين التاريخية.
وقد جاءت اتفاقيات أوسلو عام 1993 لتُكرّس هذا التوجه، حيث نصّت على الاعتراف المتبادل بين الطرفين، وهدفت إلى التوصل إلى حل الدولتين عبر مفاوضات مباشرة.
لماذا لم تعترف المملكة المتحدة بفلسطين حتى الآن؟
تنص اتفاقيات أوسلو على أن قيام دولة فلسطينية مستقلة يجب أن يكون نتيجة لمفاوضات مباشرة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وأن يشمل ذلك اتفاقًا على الاعتراف المتبادل.
ومنذ توقيع الاتفاقيات، تبنّى معظم حلفاء الاحتلال هذا الموقف، معتبرين أن الاعتراف بأي دولة فلسطينية يجب أن يكون بموافقة الدولة العبرية.
وفي أوروبا الغربية، لم تُقدم أي دولة على اعتراف أحادي الجانب بفلسطين حتى عام 2011، حين بادرت آيسلندا بهذه الخطوة، على خلاف دول أوروبا الشرقية التي حافظت على اعترافها بفلسطين الموروث من الحقبة السوفيتية.
متى بدأ الغرب الاعتراف بفلسطين؟
انهارت مفاوضات السلام بين الاحتلال والسلطة الفلسطينية عام 2014، ومنذ ذلك الحين بدأ المجتمع الدولي يقتنع تدريجيًا بأن تل أبيب لن تقبل بقيام دولة فلسطينية.
وفي العام نفسه، أعلنت السويد اعترافها الرسمي بدولة فلسطين، ووصفت الخطوة بأنها “إجراء مهم يؤكد على حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم”، معربة عن أملها في أن يُسهم الاعتراف في “تقليص الهوة بين الطرفين”.
كما صوّت البرلمان البريطاني عام 2014 لصالح الاعتراف بدولة فلسطين، لكن القرار كان غير ملزم، وتجاهلته الحكومة المحافظة آنذاك.
واستغرق الأمر عشر سنوات قبل أن تحذو دول غربية أخرى حذو السويد، حيث أعلنت كل من النرويج وإسبانيا وإيرلندا في مايو/أيار 2024 اعترافها الرسمي بدولة فلسطين، في ظل حرب الاحتلال المستمرة على غزة.
ماذا يعني الاعتراف البريطاني على أرض الواقع؟
يحظى الاعتراف البريطاني المرتقب بطابع رمزي كبير، إذ يُنظر إليه على أنه تأكيد على حق الفلسطينيين في تقرير المصير، وتمايز واضح في الموقف البريطاني عن السياسات الإسرائيلية الرافضة لحل الدولتين في رسالة سياسية تعكس ابتعادًا واضحًا عن حكومة الاحتلال، التي تعارض بشدة قيام دولة فلسطينية.
ويأتي الاعتراف في سياق تاريخي لافت، إذ يتزامن مع مرور أكثر من قرن على صدور وعد بلفور عام 1917، الذي تعهّدت فيه بريطانيا بتأسيس “وطن قومي” لليهود، وبعد 105 أعوام على فرض الانتداب البريطاني على فلسطين.
وقد يُفضي هذا الاعتراف إلى رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي الفلسطيني في بريطانيا إلى سفارة رسمية بدلًا من بعثة دبلوماسية.
ويرى مراقبون أن الإعلان يعزز من فكرة أن النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني هو صراع بين دولتين، لا مجرد قضية “احتلال”، كما تصفها تل أبيب.
وفي هذا السياق، كتب جوش بول، المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأمريكية الذي استقال عام 2023 احتجاجًا على سياسة واشنطن في غزة، أن “مثل هذا التغيير يهيئ الأرضية لمفاوضات الوضع النهائي بين إسرائيل وفلسطين، باعتبارهما كيانين متكافئين أمام القانون الدولي، وليس كعلاقة بين محتل وشعب تحت الاحتلال”.
وأضاف أن “الخلافات حول قضايا مثل القدس والحدود وحقوق المياه والمجال الجوي يمكن تسويتها من خلال آليات تحكيم دولية قائمة”.
هل تعترف المملكة المتحدة بفلسطين فعليًا؟
تربط الحكومة البريطانية اعترافها بفلسطين بعدة شروط، في مقدمتها تغيير سلوك حكومة الاحتلال.
وأوضحت لندن أن الاعتراف سيتم في حال لم تتخذ دولة الاحتلال “خطوات ملموسة لإنهاء الوضع المروّع في غزة، والتزامها بسلام طويل الأمد، بما يشمل السماح الفوري بإيصال المساعدات الإنسانية عبر الأمم المتحدة، والموافقة على وقف لإطلاق النار، والتأكيد على عدم وجود نية لضم أراضٍ في الضفة الغربية”.
ورغم أن الشروط تبدو صارمة، إلا أن البعض انتقد الإعلان باعتباره “مراوغة سياسية”، تُستخدم فيها حقوق الفلسطينيين كورقة ضغط على تل أبيب.
وقال زعيم حزب الديمقراطيين الأحرار، إد ديفي، في منشور على منصة X: “الاعتراف بدولة فلسطين لا يجب أن يكون ورقة مساومة، كان يجب أن يتم منذ شهور، كما أننا بحاجة إلى تحرك حقيقي لوقف الكارثة الإنسانية في غزة، بما في ذلك وقف مبيعات الأسلحة وفرض عقوبات على الحكومة الإسرائيلية”.
من جانبه، اعتبر زعيم حزب الإصلاح، نايجل فاراج، أن الاعتراف “يُكافئ حركة حماس”، فيما قالت زعيمة حزب المحافظين كيمي بادينوخ إن “الوقت غير مناسب لذلك”.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)