يعتبر محللون سياسيون اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية تصعيداً خطيراً يهدف إلى جر إيران والولايات المتحدة إلى الحرب.
ويعد هنية أعلى مسؤول في حماس يتم اغتياله منذ اندلاع عدوان الاحتلال على غزة في تشرين الأول/أكتوبر.
غير أن المحللين لا يرجحون أن تبتلع إيران الطُعم، ويتوقعون بدلاً من ذلك أن تلجأ إلى رد مدروس يمكنها من تفادي حرباً أوسع نطاقاً.
ورغم ذلك، فقد لا يكون من السهل التنبؤ بالمسار الذي قد ينحا إليه حلفاء طهران في ما يعرف بـ “محور المقاومة”.
وسبق لدولة الاحتلال لن تعهدت بقتل جميع قادة حماس المنخرطين في هجمات السابع من أكتوبر، ولكن وجود هنية في قطر كمفاوض رئيسي لحماس يزيد من تعقيد عواقب عملية الاغتيال.
فقد أدت ضربات الاحتلال المزدوجة في غضون 24 ساعة إلى مقتل قائد حزب الله فؤاد شكر في إحدى ضواحي لبنان، واستشهاد قائد حماس هنية الذي كان في طهران لحضور مراسم أداء اليمين الدستورية للرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان.
وبحسب بيان حماس، فإن هنية الذي كان يقيم في مقر إقامة لقدامى المحاربين تم قصفه بقذيفة أصابته بشكل مباشر”.
ويُنظر إلى الضربة في قلب طهران على أنها فشل أمني مهين، نظراً لأنها وقعت في العاصمة الإيرانية وتشكل ضربة علنية لقدرة إيران على الدفاع عن نفسها وكبار الشخصيات في بلدها، وإن لم تستهدف مسؤولين إيرانيين مثل ضربة نيسان/أبريل على القنصلية الإيرانية في دمشق.
وقالت نيجار مرتضوي، زميلة بارزة في مركز السياسة الدولية ومقدمة بودكاست إيران، لموقع ميدل إيست آي: “كان هذا الهجوم جريئاً لأنه تم على الأراضي الإيرانية وفي قلب العاصمة الإيرانية، لكنه لم يكن موجهاً إلى مسؤول إيراني”.
وأضافت: “المقصود منه الاستفزاز، ولكن ليس كثيراً، ما تحاول إسرائيل القيام به هو جر إيران إلى صراع مفتوح”.
وكانت الولايات المتحدة قد أكدت مراراً وتكراراً أن أحد الأهداف السياسية الرئيسية لها خلال حرب الاحتلال على غزة يتمثل في احتواء الصراع ومنعه من الانتشار في المنطقة.
ولكن العديد من الضربات في الدول المجاورة والهجمات المتبادلة بين إسرائيل وإيران وحزب الله والحوثيين والميليشيات المتحالفة مع إيران في العراق تشير إلى فشل هذه السياسة.
وتقول مرتضوي أن الضربة في العاصمة الإيرانية تشكل “لحظة فاصلة”، لكن رد إيران “المعلن” السابق على ضربة دمشق من المرجح أن يكون نموذجاً للانتقام الإيراني القادم.
“لا تستطيع إسرائيل إقامة مثل هذا التوازن بمفردها، لكن الولايات المتحدة قادرة على ذلك” – تريتا بارسي، معهد كوينسي
وأضافت: “سيشمل الرد حزب الله وحماس، وأعضاء آخرين في محور المقاومة، ولكنه لن يصل إلى تفجير حرب شاملة”.
من ناحيتها اعتبرت تريتا بارسي، نائبة الرئيس التنفيذي لمعهد كوينسي، أن إسرائيل اختارت عمداً قتل هنية في طهران أثناء تنصيب بزشكيان “لتعظيم إحراج إيران وتعظيم احتمالات قيامها بالرد”.
وقالت بارسي إن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو كان يحاول دفع الولايات المتحدة إلى خوض حرب مع إيران على مدى السنوات العشرين الماضية، وأن التصعيد الأخير خطير بشكل خاص بالنظر إلى عدد الجهات الفاعلة المشاركة فيه.
وتابعت حديثها بالقول: “السؤال هو كيف سترد إيران وما إذا كانت ستتصرف بمفردها أم بالتنسيق مع أعضاء آخرين في المحور، وإذا تصرف أعضاء آخرون في المحور أيضاً، فسيكون من الصعب جداً تنظيم هذا الأمر بطريقة لا تؤدي إلى حرب شاملة”.
في المقابل، لاتزال إسرائيل عالقةً في غزة مع القليل من الانتصارات الاستراتيجية التي يمكن الحديث عنها، على الرغم من العديد من النجاحات التكتيكية، وخاصة من خلال اغتيال قادة حماس.
كما لا يزال الأسرى الإسرائيليون محتجزون في غزة، وما تزال القدرات العسكرية لحماس بعيدة كل البعد عن الإبادة، على الرغم من تدهورها، وفقاً للتقييمات الأمريكية.
إذن ما الذي تستفيده إسرائيل من فتح جبهة أخرى في حربها؟
أجابت بارسي: “الحساب هو أن مثل هذه الحرب ستدمر أو تضعف العديد من أعداء إسرائيل وتؤسس توازناً جديداً في المنطقة يعيد هيمنتها ويمنحها حرية المناورة”.
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز يوم الأربعاء أن المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي أمر “بضرب إسرائيل بشكل مباشر”.
وقالت مرتضوي أن الحرب وفرت شريان حياة سياسي لنتنياهو، وأنه “يملك حافزاً لاستمرار هذه الحرب، وإطالة أمدها، وتصعيدها بدلاً من إنهائها، وهذا يفسر لماذا لم يحدث وقف إطلاق النار”.
“لقد دعموا إسرائيل في دفاعها عن النفس عندما ردت إيران، لكنهم لم يشاركوا في الهجوم الإسرائيلي على إيران” – نيجار مرتضوي، مركز السياسة الدولية
لكن مرتضوي تعتقد في المقابل أن إسرائيل لا تستطيع توسيع هذه الحرب من غزة إلى لبنان أو سوريا وإيران فقط، بقدر ما تريد “خلق وضع لا يسع الولايات المتحدة فيه تجنب التدخل”.
ومع ذلك، فإن التصعيد السابق يوفر نظرة ثاقبة لما يمكن أن يحدث بعد الآن.
ففي نيسان/أبريل، وجهت إيران ضربة مباشرة إلى إسرائيل انتقاماً مدروساً بعناية، وكان رد الولايات المتحدة خافتاً إلى حد ما.
وقالت مرتضوي أن الولايات المتحدة وضعت حدوداً واضحة خلال المناوشة السابقة بين إيران وإسرائيل.
وقال المتحدث باسم الأمن القومي الأمريكي جون كيربي بعد الضربة في لبنان أن الحرب الشاملة “ليست حتمية” وكرر ذات الحديث بعد اغتيال هنية قائلاً إن الولايات المتحدة ترى أن الحرب الأوسع نطاقًا ليست “حتمية” ولا “وشيكة”.
كما رفض كيربي خلال إحاطته تأكيد التقارير عن الضربة على هنية، لكنه قال مراراً وتكراراً أن الولايات المتحدة لم تكن على علم بالضربة ولم يكن لها أي دور فيها.
لكن هذا ليس هو التصور للحدث في إيران، حيث أوضحت بارسي: “الإيرانيون والحوثيون يرون أن إسرائيل لم يكن بإمكانها تنفيذ هذا الأمر دون إذن من الولايات المتحدة ودون دعم استخباراتي منها”.
وقالت إيران يوم الأربعاء إن الولايات المتحدة “تتحمل المسؤولية” عن اغتيال هنية.
وكان فؤاد شكر، قائد حزب الله الذي تم اغتياله يوم الثلاثاء، مطلوباً من قبل الحكومة الأمريكية لدوره المزعوم في تفجير عام 1983 الذي قتل فيه حوالي 300 جندي أمريكي وفرنسي في بيروت.
ووقعت الضربة على شكر قبل أقل من 12 ساعة من الضربة على هنية، مما عزز التكهنات بأن الولايات المتحدة ربما كانت متورطة في توجيه الضربات الإسرائيلية.
وتأتي الضربات المزدوجة بعد أسبوع من زيارة نتنياهو لواشنطن وإلقائه خطاباً أمام الكونغرس الأمريكي، حيث شوه حركة الاحتجاج المؤيدة للفلسطينيين ووصفها بأنها حركة “حمقى مفيدون” لإيران.
كما صور نتنياهو صراع الاحتلال مع حماس على أنه معركة أوسع بين الخير والشر، حيث تعد إيران واحدة من الأطراف المتحاربة الرئيسية على الجانب “الشرير”.
ولا يخدم القرب الشديد بين الضربات وزيارة نتنياهو لواشنطن الولايات المتحدة في درء الاتهامات حول تورطها.
فقد قالت بارسي أنه “ونظراً لأن نتنياهو عاد للتو من واشنطن وأن رئيس الموساد الإسرائيلي التقى بيل بيرنز قبل يومين فقط في محادثات وقف إطلاق النار، فإن الانطباع هو أن الولايات المتحدة إما كانت متورطة في الأمر أو أن إسرائيل خانت الولايات المتحدة عمداً أيضاً”.
وأوضحت: “كلا السيناريوهين سيئان لأنهما إما يصوران الولايات المتحدة على أنها غير كفؤة أو خبيثة”.