بقلم سامي العريان
ترجمة وتحرير مريم الحمد
إن اغتيال إسرائيل لزعيم حماس، إسماعيل هنية، في إيران هو دليل آخر على أنها دولة مارقة خارجة عن السيطرة، وتعتبر نفسها فوق القانون وبأنها تستطيع أن تفعل ما تشاء بغض النظر عن العواقب.
إن مقتل هنية، الزعيم السياسي لحركة المقاومة الأكبر في فلسطين، والقائد رفيع المستوى في حزب الله، فؤاد شكر، حدثان يشكلان تصعيداً خطيراً من المرجح أن يقابله انتقام قوي من قبل كل من الجماعة اللبنانية وإيران، خاصة مع استهداف هنية في العاصمة الإيرانية، مما ورط إيران بشكل واضح.
من الواضح أن نتنياهو لا يريد أن تنتهي الحرب، فإذا انتهت دون تحقيق “النصر الكامل” الذي وعد به، فسيكون هناك تحقيق يمكن أن يؤدي إلى محاسبته وإطاحته من السلطة، كما أنه قد يواجه اتهامات خطيرة بالفساد قد تؤدي إلى سجنه، وبالتالي، فإن من مصلحة نتنياهو ليس فقط مواصلة الحرب بل توسيعها أيضاً
كل هذا يضع إدارة بايدن، المهتمة سياسياً بإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة لأسباب انتخابية والتي تحدثت عن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، في مأزق، فأي ضغط على إسرائيل الآن سوف يكون سبباً في غضب اللوبي المؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة، في حين أن تقديم المساعدة لإسرائيل سوف يؤدي بالضرورة إلى حرب أوسع نطاقاً.
من المعلوم بالضرورة أنه بعد الحروب الأمريكية الكارثية في أفغانستان والعراق، فإن الرأي العام الأمريكي ليس مهتماً بالتورط في حروب جديدة في الشرق الأوسط، فتصعيد هذا الصراع كان خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وليس برغبة من الطرف الأمريكي ابتداءً.
نتنياهو أيضاً في ورطة، فهو غير قادر على تحقيق هدفه السياسي والعسكري المتمثل في هزيمة حماس بشكل كامل ناهيك عن إبادتها أو حتى إزاحة الحركة عن حكم غزة، كما فشل في استعادة الرهائن الإسرائيليين بالوسائل العسكرية، مما زاد من الضغوط عليه محلياً.
لا نهاية تلوح في الأفق
بعد مرور 10 أشهر على الحرب على غزة، لا توجد نهاية تلوح في الأفق حتى الآن، فالفشل يتجلى في الجيش الإسرائيلي بشكل أكثر وضوحاً عندما تكون نتيجة حملته تسجيل أرقام قياسية في قتل المدنيين وتشويه الأطفال باستخدام الأسلحة والدعم الأمريكي، وإلقاء كمية من القنابل تعادل 5 قنابل على هيروشيما!
حتى لو ابتعدنا عن غزة، فإن نتنياهو غير قادر أيضاً على احتواء الجبهات الأخرى في الحرب، والتي تسببت في إخلاء عشرات الآلاف من الإسرائيليين في كل من الشمال والجنوب، ولم يتمكن من إعادتهم بسبب الجهود العسكرية التي يبذلها حزب الله والحوثيون لإنهاء حرب الإبادة الجماعية في غزة.
على مدى الأشهر العشرة الماضية، كان نتنياهو يحاول استعادة الردع، وهو عنصر أساسي في العقيدة العسكرية الإسرائيلية، بعد أن تم تقويضها بهجمات 7 أكتوبر، بالإضافة إلى ذلك، فهو يحاول استعادة صورة جهاز المخابرات الإسرائيلي، الذي انهار أيضاً.
اغتيال هنية، فلن يؤدي إلا إلى إثارة غضب الفلسطينيين وتوحيدهم، فاغتياله سوف يؤدي بلا شك إلى تعبئة ضخمة في مختلف أنحاء العالم العربي والإسلامي لوقف حرب الإبادة الجماعية في غزة وتقريب الفلسطينيين من الحرية والتحرر
من الواضح أن نتنياهو لا يريد أن تنتهي الحرب، فإذا انتهت دون تحقيق “النصر الكامل” الذي وعد به، فسيكون هناك تحقيق يمكن أن يؤدي إلى محاسبته وإطاحته من السلطة، كما أنه قد يواجه اتهامات خطيرة بالفساد قد تؤدي إلى سجنه، وبالتالي، فإن من مصلحة نتنياهو ليس فقط مواصلة الحرب بل توسيعها أيضاً.
من الواضح أيضاً أن نتنياهو يدعم الرئيس السابق دونالد ترامب، الحليف القوي الذي أعطى إسرائيل كل ما تريده خلال فترة رئاسته، من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس إلى نبذ السلطة الفلسطينية إلى اغتيال القائد الإيراني قاسم سليماني والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على القدس ومرتفعات الجولان بما يخالف القانون الدولي.
إن زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط وإطالة أمد الهجوم في غزة والتسبب في حالة من عدم اليقين، أمور تزيد من احتمالات هزيمة خصم ترامب، نائبة الرئيس كامالا هاريس، في انتخابات نوفمبر، حيث أن عدم الاستقرار والاضطرابات لا تكون عادة في صالح الإدارة الحالية، كما أن إطالة أمد الحرب يجعل إدارة بايدن، التي كانت متواطئة في الإبادة الجماعية الإسرائيلية، تبدو ضعيفة وغير فعالة.
تأثير استراتيجي
لقد ولد ونشأ هنية، وهو من أبناء الجيل الذي نجا من النكبة، في مخيم الشاطئ للاجئين في غزة، وكان زعيماً شعبياً بين الفلسطينيين، ثم أصبح رئيس وزراء حكومة حماس المنتخبة في عام 2006 والزعيم السياسي للحركة في عام 2017.
لقد شهد الفلسطينيون اغتيال قادتهم على يد النظام الصهيوني مراراً، ففي عام 2004، اغتيل قادة حماس أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي في غزة بفارق 3 أسابيع عن بعضهما البعض، كما تم استهداف العشرات من القادة الفلسطينيين الآخرين بالاغتيال أو السجن أو النفي طوال سنوات النضال المستمر منذ عقود من أجل الحرية.
من الناحية الاستراتيجية، فلن يكون لاغتيال هنية تأثير كبير على حماس، فهي قادرة على استبدال قادتها ولديها عدد من المرشحين الذين يمكن أن يتولوا السلطة قبل إجراء الانتخابات، ومن بينهم خالد مشعل وموسى أبو مرزوق وخليل الحية.
يمكن قول الشيء نفسه عن حزب الله، ففي عام 1992، اغتالت إسرائيل أمينها العام عباس الموسوي، الذي حل محله حسن نصر الله، وكان نصر الله يبلغ من العمر 31 عاماً آنذاك ولم يكن معروفاً، لكنه أصبح منذ ذلك الحين أحد أهم قادة لبنان في العصر الحديث.
أما النظام الصهيوني، فهو يمر بأكبر مأزق في تاريخه فيما يتعلق بغياب رؤيته لأي مستقبل يشمل الفلسطينيين، ناهيك عن السيادة أو الدولة لهم، وهو يجسد الهيمنة والسيطرة والتفوق العرقي والفصل العنصري فقط.
تسعى إسرائيل إلى التطهير العرقي بهدف جعل الفلسطينيين خاضعين لمشروع إسرائيل الكبرى، ويحاول نتنياهو اليوم دق مسمار في نعش حل الدولتين، الذي لم تعد الولايات المتحدة قادرة على الاختباء وراءه.
لقد وصلنا إلى لحظة الحقيقة بالنسبة لجميع الأطراف المعنية، خاصة في ضوء الرأي الاستشاري الأخير الذي أصدرته محكمة العدل الدولية والذي يدين الاحتلال الإسرائيلي باعتباره غير قانوني، فالنظام الدولي الذي بنته الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية بدأ بالتفكك، بعد تقويض كل خطابها حول سيادة القانون والديمقراطية وحقوق الإنسان بعد سماحها لإسرائيل بإبادة غزة.
من جانب آخر، فإن تصرفات النظام الصهيوني المارقة تعزز مزاعم المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب ضد نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت.
أما اغتيال هنية، فلن يؤدي إلا إلى إثارة غضب الفلسطينيين وتوحيدهم، حيث دعا مؤخراً إلى تنظيم مظاهرات حاشدة في 3 أغسطس احتجاجاً على الإبادة الجماعية في غزة، ومع الدعوة إلى الاحتجاجات والإضرابات الجارية بالفعل، فإن اغتياله سوف يؤدي بلا شك إلى تعبئة ضخمة في مختلف أنحاء العالم العربي والإسلامي لوقف حرب الإبادة الجماعية في غزة وتقريب الفلسطينيين من الحرية والتحرر.