خلال الشهور الثلاثة الماضية، دأب المسؤولون الأميركيون سراً وعلناً على منع توسع الحرب من غزة إلى لبنان، ولكن اغتيال المسؤول الكبير في حماس، صالح العاروري، في الضاحية الجنوبية لبيروت التي يسيطر عليها حزب الله، أدى إلى زيادة الضغط على جهود إدارة بايدن لمنع امتداد الحرب.
يرى الباحث في مركز كارنيجي من بيروت، مهند الحاج علي، أن “هناك قواعد واضحة للاشتباك بين حزب الله وإسرائيل، فاستهداف الضاحية يبرر استهداف حزب الله لحيفا أو تل أبيب”، وذلك في إشارة إلى ضاحية بيروت التي تضم مقر حزب الله.
منذ 7 أكتوبر، يتبادل حزب الله وإسرائيل إطلاق النار بشكل شبه يومي على طول الحدود بينهما، حيث أدى ذلك إلى مقتل أكثر من 147 من أعضاء حزب الله و7 جنود إسرائيليين على الأقل.
يأتي اغتيال العاروري في بيروت في الوقت الذي كانت الولايات المتحدة تأمل فيه أن تحقق تقدماً دبلوماسياً في دفع حزب الله وإسرائيل إلى التهدئة
من جانبه، أشار عباس دهوك، المستشار العسكري الأمريكي السابق من أصل لبناني، إلى أن الضربة الإسرائيلية في العاصمة بيروت ترفع التوترات إلى مستوى جديد، لأن “ضرب طائرة حربية إسرائيلية منزلاً في بيروت وتحديداً في الضاحية، هو مقامرة كبيرة من جانب الإسرائيليين”.
وفي خطاب ألقاه عقب عملية الاغتيال، أشار زعيم حزب الله حسن نصر الله إلى أن الاغتيال كان حدثاً جديداً ” لم يحدث منذ عام 2006″ أي منذ آخر حرب حدثت بين الحزب وإسرائيل، موضحاً أن عملية الاغتيال “لن تمر دون عقاب”.
دبلوماسية القنوات غير العلنية
للتأكيد على الجهود الأمريكية لاحتواء تداعيات الاغتيال، فقد تم إرسال المستشار الرئيسي لبايدن والذي عمل كمبعوث بين بيروت والقدس، عاموس هوشستاين، إلى إسرائيل وذلك برفقة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن.
ويأتي اغتيال العاروري في بيروت في الوقت الذي كانت الولايات المتحدة تأمل فيه أن تحقق تقدماً دبلوماسياً في دفع حزب الله وإسرائيل إلى التهدئة، فقد كان هوشستاين ومسؤولون أمريكيون آخرون على اتصال مع حزب الله ومع رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي ونائب رئيس مجلس النواب اللبناني الياس بو صعب، الذي كان وسيطًا رئيسيًا بين الولايات المتحدة وحزب الله في التفاوض على صفقة بحرية في عام 2022.
تريد الولايات المتحدة من حزب الله وإسرائيل تنفيذ قرار الأمم المتحدة المعروف باسم 1701، الذي تم إقراره بعد حرب 2006، ويقضي بسحب حزب الله لقواته من جنوب لبنان، ودعوة إسرائيل إلى الانسحاب من “الخط الأزرق” وهو الحدود غير الرسمية بين الجانبين.
العاروري هدف
رغم تعقيد عملية الاغتيال لجهودها، إلا أن الولايات المتحدة أيدت الاغتيال علناً، وذلك على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر، الذي أشار إلى أن إدارة بايدن “قيمت خطر التصعيد الإقليمي بأنه ليس أعلى اليوم مما كان عليه قبل الاغتيال”، واصفاً العاروري بأنه “إرهابي وحشي كان مسؤولاً بشكل رئيسي عن هجمات 7 أكتوبر بالإضافة إلى هجمات أخرى ضد المدنيين الأبرياء” على حد وصفه.
أكد ميلر أن الولايات المتحدة لم تكن على علم مسبق بعملية الاغتيال، إلا أن المسؤول السابق في البنتاغون، آدم كليمنتس، أوضح أن الولايات المتحدة كانت تتوقع مثل هذه الضربة، خاصة مع تصريحات إسرائيل العلنية باستهداف قادة حماس في الخارج.
“لا يمكنني أن أتجاهل انتقام حزب الله الذي يتم تنسيقه من خلال القنوات الخلفية الأمريكية مع تحذير مسبق حول المكان الذي سيحدث فيه للحد من الخسائر الإسرائيلية” – مهند الحاج علي- باحث في معهد كارنيجي
كان يُنظر إلى العاروري على أنه ربما الأقرب إلى إيران، فقد قام بتعميق العلاقات بين حماس وما يسمى “محور المقاومة” في طهران، كما كانت له جذور عميقة في الجناح العسكري لحركة حماس، حيث أنشأ كتائب القسام في الضفة الغربية المحتلة.
بعد اغتيال العاروري، شنت الولايات المتحدة هجوماً ضد إيران، فقد نقلت رويترز أن الجيش الأمريكي نفذ ضربة في بغداد ضد قائد كبير في ميليشيا عراقية له علاقات مع إيران.
ويأتي اغتيال العاروري في ظل وجود علامات على توتر العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، فمن ناحية حثت واشنطن إسرائيل على التركيز على أهداف داخل غزة، ومن ناحية ثانية، فقد وبخت حلفاء نتنياهو السياسيين الذين دعوا إلى التهجير القسري للفلسطينيين من غزة، وهي خطوة عارضتها واشنطن وحلفاؤها العرب.
قوة الردع لدى حزب الله
ما من شك في أن اغتيال العاروري يمثل تحديًا لقدرة الولايات المتحدة على احتواء الحرب، ولكنه يمثل تحديًا أكبر لـ “قوة الردع” لدى حزب الله، ويرى الباحث الحاج علي أنه “إذا تمكنت إسرائيل من ضرب بيروت متى شاءت، فهذا يعني أن بإمكانها تغيير قواعد الاشتباك مع حزب الله”.
رغم تهديده بخطابه الأخير بحرب “بلا حدود”، إلا أن مسؤولين أمريكيين أوضحوا أنهم لا يعتقدون أن حزب الله يريد الدخول في حرب واسعة النطاق مع إسرائيل، فدافع حزب الله للقتال مرتبط بالمصالح الوطنية للبنان.
من الممكن أن تؤدي حرب واسعة النطاق إلى نقل القتال مباشرة إلى معاقل حزب الله في بيروت، ومن الممكن أيضًا أن تتفاقم التوترات الطائفية بين المسلمين والمسيحيين في حالة تكرار الحرب الأهلية اللبنانية التي دامت أكثر من عقد من الزمن.
ردت إيران على قتل الولايات المتحدة لقاسم سليماني عام 2020 بإطلاق صواريخ على قاعدتين تستضيفان قوات أمريكية في العراق، ويرى الباحث الحاج علي أن “حزب الله يرى أن إسرائيل تخسر في غزة، وأنا لا أعتقد أنهم سوف يستسلمون للرد”.
تعد القناة الخلفية للتواصل بين الولايات المتحدة وحزب هي المسؤولون اللبنانيون، لكن دولاً مثل قطر ومصر يمكن أن تكون ذات قيمة أيضًا لحزب الله حين يبحث عن توازن في رده على اغتيال العاروري، يقول الباحث الحاج علي، “لا يمكنني أن أتجاهل انتقام حزب الله الذي يتم تنسيقه من خلال القنوات الخلفية الأمريكية مع تحذير مسبق حول المكان الذي سيحدث فيه للحد من الخسائر الإسرائيلية”.
بقلم سين ماثيوز
ترجمة وتحرير مريم الحمد
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)