في ليلة الجمعة، جاءت هواتف الدبلوماسيين الأمريكيين في إسرائيل بالإنذارات التي تحذر من تصعيد كبير في لبنان جراء اغتيال دولة الاحتلال لقائد حزب الله حسن نصر الله في الضاحية الجنوبية من بيروت.
وأكد حزب الله يوم السبت اغتيال زعيمه نصر الله الذي أمضى 32 عاماً في قيادة الحزب الذي ولد من احتلال إسرائيل لجنوب لبنان بين عامي 1982 و2000.
وفاجأ الهجوم ثلاثة مسؤولين أمريكيين تحدثوا إلى ميدل إيست آي، مشيرين إلى أن الهجوم أثار الاحتمال بأن تكون إسرائيل، أقرب حليف للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، قد دفعت واشنطن إلى شفا حرب إقليمية جديدة.
ولعدة أشهر، ظلت إدارة بايدن تعلن أنها تركز على تحقيق وقف إطلاق النار في غزة على أمل أن يحول ذلك دون تطور التوترات الإقليمية، حيث يؤكد الدبلوماسيون الأميركيون الآن أن اغتيال نصر الله أدى إلى تحويل كل الاهتمام إلى لبنان، ومحور المقاومة الذي تدعمه إيران.
وقال دبلوماسي أميركي في المنطقة لموقع ميدل إيست آي أن إسرائيل “على وشك شن غزو بري للبنان، إنهم يقولون إن الغزو البري ضروري ليس فقط لإعادة الإسرائيليين إلى الشمال، بل وأيضاً لمنع استهداف تل أبيب”.
وبعد فشل الدبلوماسية في التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة، يجد البيت الأبيض الآن أن الأرض تتحرك تحت قدميه.
ومن ناحية أخرى، أكد اغتيال الاحتلال لنصر الله على ضعف محور المقاومة، الذي يخشى المسؤولون الأميركيون أن يخوض حرباً شاملة مع إسرائيل إذا هاجمت بيروت.
وحتى بعد أن هز غزو إسرائيل لغزة خطة الولايات المتحدة لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، حاول البيت الأبيض إبقاء الحرب على غزة محصورة داخل حدود القطاع المحاصر.
ويقول منتقدو البيت الأبيض إنه فشل على الدوام في دعم خطابه بالأفعال وأن واشنطن تخلت عن نفوذها برفضها حجب الأسلحة عن إسرائيل لإجبارها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
واتخذ حلفاء إيران المسلحون، الذين يطلق عليهم “محور المقاومة”، خطوة غير مسبوقة بمهاجمة إسرائيل مباشرة فيما قالوا إنه تضامن مع الفلسطينيين المحاصرين في غزة حيث أسفرت الحرب التي استمرت أكثر من 11 شهراً عن استشهاد 41 ألف فلسطيني على الأقل.
وجاء قرار إسناد غزة من قبل مجموعة من الجهات الفاعلة المسلحة لافتاً لانتباه المسؤولين والمحللين الأمريكيين الذين قالوا منذ فترة طويلة أن هدفه الأساسي هو الدفاع عن إيران لا عن الفلسطينيين.
وقد أثبت حزب الله، الذي كان بمثابة نموذج للمنظمات الأخرى المدعومة من إيران في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، نفسه باعتباره العضو الأقوى في المحور.
ومثل منظمات محور المقاومة الأخرى، فإن حزب الله متحد مع الجمهورية الإسلامية من خلال العداء المشترك للولايات المتحدة وإسرائيل، لكن لهذه المنظمات طموحاتها المحلية الخاصة أيضاً.
ولعدة أشهر، رفض رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بشكل قاطع اعتقاد الولايات المتحدة بأن أفضل طريقة للتعامل مع المحور وإنهاء التوترات الإقليمية هي وقف إطلاق النار في غزة.
وواجه نتنياهو ضغوطاً من حلفائه اليمينيين في إسرائيل لمواصلة الحرب، لكنه راهن أيضاً على أنه من مصلحة إسرائيل عدم ربط حربها على غزة بمعارك أخرى مع محور المقاومة، حيث ضغطت بعض الأطراف في القيادة العليا الإسرائيلية، بما في ذلك وزير الدفاع يوآف غالانت، من أجل شن هجوم على حزب الله بغض النظر عن مصير المحادثات في غزة.
ووجه نتنياهو تعليماته باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، واستهدف كبار قادة حزب الله في لبنان، وقصف الحوثيين في اليمن، وفجّر آلاف العبوات الناسفة التي يستخدمها حزب الله في مختلف أنحاء لبنان، لكن اغتيال نصر الله، القائد الاستثنائي في محور المقاومة الإيراني، يشكل ذروة هذا الهجوم.
وقد دعم بعض الصقور في الولايات المتحدة هذه الحملة، لكن يبدو أن إدارة بايدن لم تكن أبداً على صفحة واحدة مع حليفتها، ففي يوم الجمعة، حاول وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن النأي بالولايات المتحدة عن الهجوم، وقال: “لم يكن لدينا أي إشعار مسبق، وقد كنت على اتصال هاتفي بالوزير غالانت بينما كانت العملية جارية بالفعل”.
وفي حال صحت تصريحات أوستن، فستكون اعترافاً محرجاً للولايات المتحدة لكنه ليس خارج المسار، ففي أبريل/نيسان، لم تخطر إسرائيل على ما يبدو أقرب حليف لها عندما أطلقت طائراتها المسيرة على إيران.
“هذه عملية اغتيال تتجاوز حدود لبنان، الطبيعة غير المسبوقة للهجوم من حيث الحجم والنطاق، تجيب على السؤال الذي كان الكثير منا يترقبه حول أن عتبة الحرب الشاملة قد تم تجاوزها” – فراس مقصد، الخبير في شؤون لبنان في معهد الشرق الأوسط.
إن حقيقة اغتيال نصر الله في الوقت الذي يعدّ فيه بايدن الأيام قبل مغادرته منصبه هي أيضاً مفارقة على أقل تقدير، فقد دخل بايدن البيت الأبيض متعهداً بتهدئة التوترات مع الجمهورية الإسلامية وإحياء الاتفاق النووي الفاشل لعام 2015.
وحتى مع دفعه نحو التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، فقد تحرك لإنهاء الحروب في اليمن وتخفيف فرض العقوبات على إيران.
ويمثل التوسط في اتفاق بحري وُقع عام 2022 بين إسرائيل ولبنان والذي كان يتطلب موافقة نصر الله بحكم الأمر الواقع، أحد النجاحات الدبلوماسية القليلة التي حققتها إدارة بايدن في الشرق الأوسط.
وحتى عندما قررت إدارة بايدن الانخراط في قتال ضد حلفاء إيران المسلحين، مثل الحوثيين، يزعم الدبلوماسيون أن البيت الأبيض فعل ذلك على مضض، ومع ذلك، لم تظهر إسرائيل، المزودة بالأسلحة الأمريكية، أي تردد من هذا القبيل.
ومن المرجح أيضاً أن يكون اغتيال نصر الله نذيراً لنهاية الدبلوماسية القديمة لإدارة بايدن تجاه لبنان، فلعدة أشهر، مارس مبعوث بايدن، آموس هوكشتاين، ضغوطاً على حزب الله وإسرائيل لوقف القتال على الحدود وتنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي مضى عليه ما يقرب من 20 عاماً والذي أنهى حرب 2006 بينهما، حيث أكد بلينكن يوم الجمعة أن هذا هو إطار الولايات المتحدة.
وقال كبير الدبلوماسيين الأميركيين: “العودة إلى السادس من أكتوبر/تشرين الأول فيما يتعلق بالحدود بين لبنان وإسرائيل ليست كافية”، مضيفاً أن واشنطن تريد تنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701، الذي يقول دبلوماسيون إن حزب الله وإسرائيل انتهكاه.
وقال فرانك لوينشتاين، المبعوث الخاص السابق للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية في إدارة أوباما، لميدل إيست آي أن إدارة بايدن تأمل على الأرجح أن يؤدي قصف إسرائيل لحزب الله إلى دفع الحزب إلى فك ارتباطه بحماس في غزة.
وأضاف: “عندما اتضح أنه لن يكون هناك وقف لإطلاق النار في غزة أو لبنان، كان أفضل ما يمكن لإدارة بايدن أن تأمله هو أن تدمر إسرائيل أكبر قدر ممكن من القدرات العسكرية لحزب الله من الجو”.
وقال محللون ومسؤولون سابقون لميدل إيست آي أن المسؤولين الأميركيين كانوا يأملون في أن إزالة إسرائيل ما يكفي من قدرات حزب الله الصاروخية ستقلل من خطر وقوع غزو بري قد يشعل حرباً إقليمية.
وقال لوينشتاين: ” حملة القصف التي تدمر الكثير من قدرات حزب الله الصاروخية أمر جيد لإسرائيل والولايات المتحدة، لكن العملية البرية ليست كذلك”.
وحتى قبل بدء المحادثات بشأن القرار 1701، استاء حزب الله من مطالبته بوقف إطلاق النار دون التوصل إلى اتفاق غزة، وقد حذر هوكشتاين الحزب من أن الولايات المتحدة لن تقيد إسرائيل إذا قررت الهجوم بكامل قوتها.
وقال بعض الخبراء أن دبلوماسية هوكشتاين فشلت لأنها لم تكن مدعومة بالقوة، حيث أوضح يوئيل جوزانسكي، وهو زميل بارز في معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، أن “نصر الله صعد سلماً عالياً للغاية بربطه بين جبهتي غزة ولبنان، لكنني لا أعتقد أنه كان يتوقع هذا الحجم من الهجمات الأمريكية على لبنان”.
ويبدو أن اغتيال نصر الله يمثل أيضاً رفض نتنياهو النهائي لجهود إدارة بايدن الفاشلة للحد من التوترات الإقليمية من خلال وقف إطلاق النار في غزة، بدلاً من الحرب ضد محور المقاومة.