بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن إدارته “ستتولى” ‘دارة قطاع غزة بعد نقل سكانه إلى مكان آخر وتحويل المنطقة إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”، كان الأردنيون أول الرافضين لتلك الخطط التي تعني طرد الفلسطينيين قسراً من غزة.
في مؤتمر صحفي جمعه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قال ترامب: “سنتولى هذه القطعة وسنعمل على تطويرها وخلق الآلاف والآلاف من فرص العمل وسوف يكون شيئاً يمكن أن يفخر به الشرق الأوسط بأكمله”.
وأضاف: “وإذا تمكنا من العثور على قطعة الأرض المناسبة وبناء أماكن جميلة للفلسطينيين، أعتقد أن ذلك سيكون أفضل بكثير من العودة إلى غزة”، مشيراً إلى أنه واثق من أن حلفاء الولايات المتحدة، الأردن ومصر، “سوف يفتحون قلوبهم ويعطوننا الأرض التي نحتاج لإنجاز هذا الأمر”.
في البداية، لم يكن من الواضح كيف ستقنع الولايات المتحدة الفلسطينيين بالمغادرة طوعاً، وهم من سيستفيد في نهاية المطاف من جهود إعادة التطوير، كما لم يكن واضحاً ما إذا كانت إسرائيل قد تتولى السيادة على غزة في نهاية المطاف، وبالتالي تقوم بحظر اتفاقيات جنيف، التي صدقت عليها كل من الولايات المتحدة وإسرائيل!
“الأردن ليس جمهورية موز حتى يفرض علينا ترامب قبول ملايين اللاجئين، والسؤال هو: هل يستطيع ترامب نقل سكان غزة فعلاً؟! فقد أسقطت عليهم آلاف القنابل وهم صامدون، وقد سبق أن قال الملك عبد الله الثاني لترامب (لا لصفقة القرن) في عام 2017” – النائب الأردني عمر العياصرة
في حديثه لموقع ميدل إيست آي، وصف نائب رئيس الوزراء الأردني السابق، ممدوح العبادي، تصريحات ترامب بأنها “إعلان حرب على الشعب العربي”، وحث السلطات الأردنية على إعادة الخدمة العسكرية الإلزامية وسط مخاوف متزايدة من احتمال خوض البلدين حرباً بسبب هذه القضية.
قال العبادي: “عندما تهدف إلى نقل أكثر من مليونين ونصف مليون فلسطيني إلى المجهول لبناء ريفييرا أو منتجع فاخر على أراضيهم في غزة، فهذا استعمار غير مسبوق، ونحن لدينا في الأردن طرق عديدة لمواجهة هذا القرار من خلال تحركات سياسية وشعبية، مثل تعليق معاهدة السلام وطرد القواعد العسكرية الأمريكية من الأردن”.
من جانب آخر، فقد أفادت مصادر مطلعة في عمان والقدس لموقع ميدل إيست آي بأن الأردن مستعد لإعلان الحرب على إسرائيل في حالة طرد الفلسطينيين قسراً إلى أراضيه.
في عام 1994، وقعت إسرائيل والأردن على معاهدة وادي عربة، التي كانت سبباً في إنشاء علاقات دبلوماسية وسياحية وتجارية بين البلدين، كما مهدت الطريق أمام عمان لتلقي مليارات الدولارات من المساعدات الأمريكية لتخفيف عبء الديون، حيث يتلقى الأردن حالياً حوالي 1.45 مليار دولار سنوياً من المساعدات الأمريكية، وهي أموال تلعب دوراً حاسما في دعم الاقتصاد الأردني وتمويل برامج التنمية وتعزيز استقرار البلاد.
في تعليقه على كلام ترامب، قال مسؤول أردني، طلب عدم الكشف عن هويته، في حديثه لموقع ميدل إيست آي، بأن “المساعدة الأمريكية مهمة وضرورية حيث تشكل 10% من ميزانية الدولة، ولكن إذا كانت مرتبطة بمسألة النقل، فلن نتردد في التنازل عنها”.
“خطوط حمراء واضحة”
من جهة أخرى، فالأردن لديه أيضاً تحالف عسكري وثيق مع الولايات المتحدة، ففي يناير عام 2021، وقع اتفاقية تعاون دفاعي أدت إلى توفير 15 موقعاً كقواعد حصرية للقوات الأمريكية مجهولة المكان، فيما يتمركز ما لا يقل عن 3000 جندي أمريكي في قواعد في جميع أنحاء البلاد حيث يشتركون مع القوات المسلحة الأردنية في عمليات “مكافحة الإرهاب”.
في تصريحه لموقع ميدل إيست آي، أكد النائب الأردني عمر العياصرة بأن “الأردن ليس جمهورية موز حتى يفرض علينا ترامب قبول ملايين اللاجئين، والسؤال هو: هل يستطيع ترامب نقل سكان غزة فعلاً؟! فقد أسقطت عليهم آلاف القنابل وهم صامدون، وقد سبق أن قال الملك عبد الله الثاني لترامب (لا لصفقة القرن) في عام 2017”.
وأضاف العياصرة: “الآن سوف يرسم الملك خطوطاً حمراء واضحة خلال زيارته المرتقبة للبيت الأبيض، رافضاً فيها أي عملية نقل، لأنها تشكل انتحاراً سياسياً للدولة الأردنية”.
شاركت النائبة عن قبيلة بني صخر، عطاف الروضان، العياصرة موقفه، فأوضحت لموقع ميدل إيست آي بأن تصريحات ترامب تشكل “حرباً وجودية للأردن، فنقل الفلسطينيين إلى المملكة سوف يكون بمثابة انتحار سياسي للدولة الأردنية وخيانة للقضية الفلسطينية، وباعتبارنا أردنيين مناصرين للقضية الفلسطينية، فإننا نرفض أي محاولات للتلاعب بالهوية الأردنية والتركيبة السكانية مهما كان الثمن”.
يذكر أنه من المقرر أن يلتقي العاهل الأردني الملك عبد الله مع ترامب في البيت الأبيض في 11 فبراير الجاري، حيث من المتوقع أن يؤكد مجدداً رفض المملكة ومصر لأي خطة لنقل الفلسطينيين من غزة.
“تقوض فرص السلام”
في غضون ساعات من إعلان ترامب، أعلنت السعودية عن رفضها لأي محاولة لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، مؤكدة أنها لن تقيم علاقات مع إسرائيل دون إقامة دولة فلسطينية، وهو الموقف الذي عبر عنه بيان وزارة الخارجية السعودية.
جاء في البيان: ” السعودية ترفض أي تعدٍ على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، سواء من خلال سياسات الاستيطان الإسرائيلية أو ضم الأراضي الفلسطينية أو محاولات تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، ومن واجب المجتمع الدولي اليوم العمل على تخفيف المعاناة الإنسانية الشديدة التي لحقت بالشعب الفلسطيني الذي سيبقى متمسكاً بأرضه ولن يغادرها”.
من جانبها، رفضت مجموعة من الدول العربية، بما فيها مصر والأردن والسعودية، مقترحاً سابقاً من قبل ترامب بنقل الفلسطينيين إلى مصر والأردن، وهو الاقتراح الذي لم يرد فيه الحديث عن سيطرة الولايات المتحدة على القطاع.
أكدت الدول العربية المذكورة في بيان مشترك بأن مثل هذه الخطة من شأنها أن تخاطر بتوسيع الصراع في الشرق الأوسط، فجاء في البيان: “أي خطة تشجع على نقل أو اقتلاع الفلسطينيين من أراضيهم من شأنها أن تهدد الاستقرار في المنطقة وتقوض فرص السلام والتعايش بين شعوبها”.