بقلم كريستوفر فيليبس
ترجمة وتحرير موقع بالعربية
الملوك الهاشميون هم الناجون الدائمون في الشرق الأوسط، فلطالما ظلت الحكومات الأردنية التي عايشت حروباً مروعة وثورات واضطرابات مدنية في العقود الأخيرة تحافظ على تماسكها بشكل ملحوظ وبمعايير إقليمية، مستقرة، لكن الظروف قد تتغير.
لقد أدت الحرب المستمرة في غزة إلى تفاقم ما كان من الأساس وضعاً محلياً متوتراً مما خلق احتجاجات منتظمة جوبهت بالقمع من قبل الحكومة.
هناك خطر متزايد من أن يكون الأردن قد تم احتواؤه في صراع إيران مع دولة الاحتلال، ففي نيسان/أبريل، انضمت القوات الأردنية إلى الجيوش الغربية في إحباط هجوم المسيرات الإيرانية على إسرائيل بينما روج المسؤولون في أيار/مايو إلى أن هناك مؤامرة تقودها طهران لتهريب الأسلحة إلى المعارضة المحلية في الأردن.
في هذا السياق ، هل يجب أن تنشغل واشنطن وحلفاء آخرون بمستقبل الأردن؟
حتى قبل حرب غزة، لم تكن الصورة المحلية جيدة، حيث بلغت البطالة 22%، بل أعلى من ذلك في أوساط الشباب الذين يعاني 27 %منهم من الفقر.
وعلى الرغم من أن نظام الحكم في الأردن يعتبر أقل تشدداً في دكاتوريته من بعض جيرانه، إلا أن السلطة هناك مركزة بالمطلق في أيدي الملك عبد الله الثاني، لا البرلمان المنتخب منزوع الأظافر والذي فشلت حكوماته مراراً وتكراراً في تلبية المطالب برفع المستوى الاقتصادي وتقديم إدارة أفضل.
الأردن وإسرائيل
وللأردن تاريخ طويل من التعامل مع الاحتجاجات العامة، وقد عانى بالفعل من سلسلة من الإضرابات والمظاهرات حتى في الفترة التي سبقت 7 تشرين الثاني/ أكتوبر، وبالنظر إلى أن أكثر من نصف السكان هم من الفلسطينيين، بما في ذلك أكثر من مليوني لاجئ مسجل رسمياً، فإن هجمات الاحتلال الانتقامية على غزة دفعت بموجة أخرى من المظاهرات الغاضبة.
وعلى الرغم من أن الاحتجاجات كانت موجهة في البداية إلى الاحتلال وحده، وغالباً ما تركزت على السفارة الإسرائيلية في عمّان، إلا أن الأشهر الأخيرة شهدت استهداف الحكومة الأردنية.
تشمل مطالب المتظاهرين في عمان إنهاء اتفاق السلام الذي وقعه الأردن مع إسرائيل في عام 1994 ووقف التجارة مع تل أبيب وتوقف جميع أوجه التعاون في المياه والطاقة.
قرار الأردن بالانضمام إلى الجهود المبذولة لإسقاط المسيرات الإيرانية التي كانت تستهدف إسرائيل، ما يجعلها الدولة العربية الوحيدة التي قامت بذلك علناً، أضاف إلى الاتهامات بأن عمان “تتوافق” مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو
لقد ضاعفت هذه التطورات الإقليمية من التوترات المحلية، حيث يخشى الأردن من أن ينتهي به المطاف على خط إطلاق النار مع تصاعد الصراع الإيراني مع دولة الاحتلال.
قبل أن تطلق إيران طائراتها المسيرة عبر المجال الجوي الأردني في طريقها إلى إسرائيل، والتي يقول الأردن إنها أسقطت لحماية سيادته لا دفاعاً من إسرائيل، كانت ميليشيا إيرانية قد هاجمت في كانون الثاني/يناير قاعدة أمريكية في الأردن مما أدى إلى انتقام من واشنطن.
وكانت كتائب حزب الله، وهي جماعة عراقية مسلحة مدعومة من إيران، قد هددت في نيسان/ أبريل بإرسال الصواريخ والأسلحة إلى 12000 مقاتل أردني لاستخدامها ضد إسرائيل، ويُعتقد أنها كانت تعد لتسليح بعض أعضاء تنظيم الإخوان المسلمين المعارض للأردن والمتعاطف مع حماس.
وفي هذا السياق ، تؤكد محاولة طهران الفاشلة في أيار/ مايو لإرسال الأسلحة عبر الحلفاء إلى الأردن على مخاوف عمّان من أن تصبح ساحة معركة جديدة في حرب الظل الإسرائيلية.
من المفهوم أن هذا قد أثار قلق حلفاء الأردن، مما دفع الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وغيرهما لتقديم الدعم لعمّان.
وكان ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، قد قدم دعماً لقمع الأردن للمتظاهرين، بينما انتقدت وسائل الإعلام الإقليمية التي تتماشى مع المملكة العربية السعودية المتظاهرين المناهضين للحكومة في الأردن، وصوّرهم على أنهم إسلاميين يفتحون الباب للتأثير الإيراني.
وبالمثل، أكدت الولايات المتحدة التزامها بجميع جوانب احتياجات الأردن خلال أزمة غزة، مما يضمن تدفق المساعدات الحيوية إلى عمان واستضافة اجتماعات منتظمة مع الملك عبد الله.
وبرغم ذلك، تبقى هناك حاجة إلى بعض الحذر، ففي حين أن هذه التطورات تُعد مقلقة بالنسبة للملوك الهاشميين، إلا أنها، في الوقت الراهن، ليست بالقاتلة، فحركة الاحتجاج قوية، لكنها تبدو حالياً بعيدة عن الحركة التي يمكنها أن تسقط النظام، أو حتى تسعى لذلك.
ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان لدى إيران طموحات لزعزعة استقرار الأردن، كما يزعم البعض، وقد يكون هذا مجرد أذى بدلاً من خطة استراتيجية طويلة الأجل.
وحتى لو أرادت إيران تعطيل الأردن بشكل خطير، فإن طهران تفتقر هناك حالياً إلى أي من الشبكات التي تتمتع بمثلها في العراق وسوريا ولبنان، وسيستغرق الأمر سنوات لبناء أي تأثير نسبي، وعلى عكس الدول المتحالفة مع إيران الآن، سيواجه أنصارها في الأردن معارضة جادة من قوى الأمن الأردنية القوية نسبياً في كل خطوة.
علاوة على ذلك ، فإن الأردن ليس غريباً على الأزمات وقد نجا من التحديات التي مثلت تهديدات أكثر خطورة في الماضي مما يواجهه حالياً.
فمنذ أن تم تشكيل الدولة من قبل البريطانيين عام 1921، توقع المراقبون زوالها بالنظر إلى موقعها الإقليمي غير المستقر، ونقص الموارد الطبيعية والانقسامات بين السكان.
غير أن الهاشميين نجوا من حربين مع إسرائيل، ومن الثورات في الخمسينيات ومن الحرب الأهلية السوداء (الشهيرة فلسطينياً بأيلول الأسود) مع مسلحين فلسطينيين في أيلول/سبتمبر في العام 1970، ومن صدع دبلوماسي رئيسي مع الولايات المتحدة الأمريكية والخليج خلال أزمة الكويت 1990-1991، وكذلك من الانتفاضات العربية لعام 2011 ومن غيرها.
وعلى الرغم من أن الاضطرابات الحالية قد تصعد إلى مستوى التهديد الوجودي، فربما يكون الملك عبد الله واثقاً من أن النظام الأردني، كما كان الحال في الماضي، سيكون مجدداً قادراً على السير في خط دقيق يوازن فيه بين الأصدقاء والأعداء الداخليين.
ومما يعقد المشهد أنه ومنذ فترة طويلة، لعب التأكيد على التهديدات التي تواجهها الحكومات الأردنية دوراً حاسماً في زيادة المساعدات من الحلفاء إلى أقصى حد، والأردن حالة فقيرة تعتمد اعتماداً كبيراً على المساعدات الخارجية، وليس أقلها من أكبر مانح لها، الولايات المتحدة، والتي توفر ما يصل إلى 1.65 مليار دولار سنوياً
تكشف جيليان شويدلر في كتابها المميز “احتجاجات الأردن” أنه بالنظر إلى أهميته الاستراتيجية لكل من الغرب والخليج، فإن وضع الأردن “على حافة الهاوية” هو أفضل التعبيرات لجلب المساعدة من الحلفاء، ورغم أن الاحتجاجات واهتمام إيران بالأردن يسبب بالتأكيد صداعاً في عمان، إلا أنه لا يزال يتعين النظر بإمعان إلى نظام الأردن الحاكم.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)