حذر فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، من أن خطة الاحتلال الجديدة لتوزيع المساعدات في قطاع غزة، بدعم مباشر من الولايات المتحدة، تمهد الطريق لما وصفه بـ”نكبة ثانية” بحق الفلسطينيين.
وفي مقابلة مع موقع ميدل إيست آي قال لازاريني إن الخطة التي أعلن عنها رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، والتي تتضمن إخراج الأونروا من المشهد الإنساني في غزة واستبدالها بكيان جديد، ليست سوى وسيلة لإجبار السكان على النزوح القسري من شمال القطاع إلى جنوبه.
وأضاف: “نحن نواجه مجاعة مصطنعة بالكامل من صنع الإنسان، الجوع يُستخدم كسلاح حرب في غزة”.
وانتقد لازاريني بشدة إرسال الاحتلال قافلة صغيرة من الشاحنات إلى القطاع قائلاً إنها “أقل بكثير من الحد الأدنى المطلوب”، مؤكداً أن “الجميع في غزة يعانون من الجوع”.
خطة بثلاث مراحل
هذا وتقوم الخطة الجديدة للاحتلال، والتي أعلن عنها نتنياهو في خطاب متلفز، على ثلاث مراحل: أولاً، إدخال “الإمدادات الغذائية الأساسية” إلى غزة، ثم إنشاء نقاط توزيع تديرها شركات أميركية وتُؤمَّن من قبل قوات الاحتلال، وأخيراً، إقامة “منطقة معقمة” في جنوب القطاع لنقل المدنيين إليها من مناطق القتال.
وبحسب الخطة، سيتولى كيان جديد مقره جنيف، يُسمى “مؤسسة غزة الإنسانية”، إدارة توزيع المساعدات للفلسطينيين بعد إخضاعهم للفحص الأمني.
ويرى لازاريني أن هذه الآلية تنتهك بشكل صارخ المبادئ الإنسانية الأساسية كالحياد وعدم التمييز.
“أداة تهجير قسري”
أوضح المفوض العام للأونروا أن النظام الجديد يفرض على السكان الذهاب إلى أربعة مراكز توزيع فقط في جنوب غزة، مما يضطرهم إلى التنقل لمسافات طويلة، الأمر الذي يؤدي فعلياً إلى تهجيرهم من منازلهم.
وأضاف: “هذا النظام سيصبح أداة لتشريد السكان قسرًا، ويستثني الفئات الأكثر هشاشة مثل النساء وكبار السن والمرضى”.
وأشار إلى أن كثيرين لن يتمكنوا من الوصول إلى المساعدات بسبب متطلبات الفحص الأمني أو ضعف القدرة الجسدية على التنقل، مما يعني استبعاد آلاف المحتاجين.
وتابع: “لا يمكن لمنظمة إنسانية تحترم المبادئ الأساسية أن تتماشى مع مثل هذا النظام”.
تجاهل للاحتجاج الدولي
وتأتي هذه التحذيرات في ظل تزايد الانتقادات الدولية لحصار الاحتلال المتجدد على غزة منذ أكثر من 11 أسبوعًا، والذي دفع أكثر من 2.1 مليون فلسطيني إلى حافة المجاعة مع نفاد الإمدادات الأساسية.
وقد أعربت دول مثل بريطانيا وفرنسا وكندا عن استعدادها لاتخاذ “إجراءات ملموسة”، بما في ذلك فرض عقوبات على الاحتلال إذا استمر في حملته العسكرية ومنعه وصول المساعدات، لكن حكومة نتنياهو تجاهلت إلى حد كبير هذه التحذيرات.
وأكد لازاريني أن الأمم المتحدة وشركاءها كانوا قادرين خلال فترات الهدنة السابقة على زيادة كمية المساعدات وتوزيعها بفعالية، مشددًا على أن المنظمات الإنسانية ليست بحاجة إلى “إعادة اختراع العجلة”، بل تحتاج فقط إلى إزالة العوائق التي يفرضها الاحتلال.
“نكبة ثانية”
وفي واحدة من أقوى تصريحاته، قال لازاريني إن “خطة الاحتلال للسيطرة الكاملة على غزة، إلى جانب نظام المساعدات الجديد، قد تُعتبر نكبة ثانية للفلسطينيين”.
وأوضح أن “نكبة” عام 1948، التي هجّرت أكثر من 750 ألف فلسطيني، ما زالت حاضرة في الذاكرة الجماعية، وأن تكرار مثل هذا السيناريو اليوم سيكون كارثيًا.
وأشار إلى أن نحو 80% من سكان غزة هم لاجئون أو أبناء لاجئين من النكبة الأولى، وأن الأونروا تواصل رعاية حوالي 5.8 مليون لاجئ فلسطيني في المنطقة.
هجمات متواصلة على الأونروا
وتعرضت الأونروا، التي يعمل فيها آلاف الفلسطينيين، لهجمات مستمرة من قبل الاحتلال منذ بدء العدوان على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث قُتل ما لا يقل عن 310 من موظفيها ودُمر أكثر من 80% من منشآتها.
وقال لازاريني إن الوكالة تعمل حالياً بـ12 ألف موظف فقط في القطاع، مضيفاً: “موظفونا يشاركون سكان غزة مصيرهم”.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2024، أقر الكنيست قانونين يحظران على الأونروا العمل داخل دولة الاحتلال بالإضافة إلى القدس الشرقية المحتلة، وكذلك في الضفة الغربية وغزة.
وقد أدى ذلك إلى إغلاق ست مدارس تابعة للوكالة في القدس، مما حرم 550 طالبًا من استكمال عامهم الدراسي دون توفير بدائل.
دعوى أمام محكمة العدل الدولية
وأدى هذا التصعيد إلى رفع عدد من الذول دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية طالبتها فيها بإصدار حكم بشأن التزام الاحتلال باحترام امتيازات وحصانات وكالات الأمم المتحدة، وضمان وصول المساعدات إلى المدنيين تحت الاحتلال.
وكانت حكومة الاحتلال قد اتهمت في يناير/كانون الثاني 2024 اثني عشر من موظفي الأونروا بالمشاركة في هجوم 7 أكتوبر، إلا أن تحقيقًا أمميًا صدر في أبريل/نيسان لم يجد أدلة على ذلك وأكد أن الاحتلال لم يقدم أسماء أو معلومات منذ عام 2011.
استمرار تقديم الخدمات
ورغم التضييقات، قال لازاريني إن الأونروا ما زالت تقدم التعليم والرعاية الصحية الأولية لأكثر من 50 ألف طالب في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأضاف: “نعمل في غياب وزارات مسؤولة عن التعليم والرعاية الصحية للاجئين”.
واختتم لازاريني حديثه بالقول: “ما نشهده في غزة ليس فقط كارثة إنسانية، بل اختبار للمجتمع الدولي ولقيم الإنسانية العالمية”.